كتابات وآراء


الإثنين - 24 يوليه 2017 - الساعة 03:41 م

كُتب بواسطة : حسين الأنعمي - ارشيف الكاتب



تشكلت لدى الكثير مصطلحات ما يسمى بالانقلاب العسكري والسياسي الشامل، وذلك بعد الحصار الذي أطبقته مليشيات أنصار الله الحوثية وأتباع الرئيس المخلوع صالح من قوات الحرس الجمهوري على القصر الرئاسي في صنعاء - العاصمة اليمنية المحتلة - التي قذفت الحكومة بأكملها جراء ذلك الحدث الذي عدّه الجميع انقلاباً على السلطة الشرعية ممثلة برئيسها منصور هادي وأعضاء حكومته الذين أفلتوا من الحصار المطبق وفروا هاربين إلى مدينة عدن - جنوب البلاد - ومن ثم إلى مدينة الرياض السعودية، هذه الأخيرة التي أبدى ولي عهد بلدها استعداده لحفاوة استقبال الحكومة اليمنية، وإعلان غارات جوية مكثفة طالت مراكز الدفاع الجوي ودمرت منصات الإطلاق وأخمدت مراكزها الهجومية أسماها فيما بعد "عاصفة الحزم"، تلاها حظر جوي للأراضي اليمنية وبدء معارك شرسة وكسر عظم مع الانقلابيين في شتى المحافظات.

الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أعلنا أيضاً ذات الأمر، مباركين العاصفة ومؤيدين للتدخل بإيقاف الحرب وإنهاء الانقلاب الحاصل والوقوف مع شرعية الرئيس هادي ودعمها، ودعوا المليشيات بالاحتكام إلى جلسات الحوار بعيداً عن استخدام العنف، الإشكالية التي تعمق مفهوم الانقلاب بثوابت أممية ومن منظور دولي إقليمي متفق عليه بحل واحد لا ثان له، هو الوقوف سداً منيعاً في أي إخلالات حكومية وأمنية من هذا القبيل.

وفي أرصدة مجلس الأمن وقواميس منظمات حقوق الإنسان الدولية يعد (الشعب) هو القضية الأبرز التي تمثلها أهدافه ومساعيه، ويدافع عن حقوق أفرادها، رافضاً لأي أعمال تعسفية تنتقص من دونيتها أو تصادر حرياتها، وترى في الشعب دولة مستقلة، وفي الحُّكام والوزراء مجرد أدوات لبناء وطن أصله الشعب، حسب قراراتها التي تنص على سلامته دوماً، وتجرم أي تدخلات تمس أمنه واستقراره.

وبالرجوع إلى مصفوفة حقوق الشعوب وحرياتها، نجد أن الشعب اليمني يعاني الأمَّرين، حيث حولته الحروب المندلعة إلى وقود تضرم نيرانها لتزيدها اشتعالاً، آكلة الأخضر واليابس ومدمرة للشجر والحجر، بافتعال حكّامه وقادته لتلك الصراعات العبثية أو ما تسمى (بصراع المناصب)، إضافة إلى داء الصراع السياسي المزمن ومخلفاته.

ظل الشعب اليمني - شمالاً وجنوباً - وجبة دسمة تسد جوع کل الصراعات، بدءاً بصراعات الطرفين وقياداتهما، مروراً بتوابع الخلافات وغزو الشمال للجنوب ما بعد الوحدة المشؤومة، وصولاً وليس انتهاءً بالحرب الأخيرة التي يعيشها في أتون أزمة لا متناهية من التعقيدات المفتعلة قد تطول أو تقصر وفق رغبات تجار الحروب وسفاحي الدماء، ورؤيتهم للمخارج السليمة التي تضمن لهم تحقيق أهدافهم ولو على حساب الشعب المسكين، الذي صعدوا على ظهره إلى مناصبهم لحماً وتركوه بعد الوصول إلى منتهى أمانيهم عظماً.

صادرت لعنات الشعب اليمني سمات الانقلابيين لمَ اقترفوه من حرب شعواء لا طاقة للشعب بها، ونتاج ما أضافوه من ألم أثخن الجراح، بيد أن الشرعية اليمنية أضافت للشعب وجع خاص هو أشد إيلاماً من سابقه وأشد مضاضةً، فبالرغم من وقوف الشعب معها وتأييده لها وإدانت ما تعرضت له، خاصة الشعب في الجنوب، الذي شكل مقاومة متكافئة استطاعت أن تدحر المليشيات وتغرق قواتها المتغطرسة، وأعادت عين الاعتبار للشرعية، وقدمت لها أرض الجنوب محررة مصحوبة بأكاليل النصر المؤزر كمركز انطلاق لاستعادة ما سيطرت عليه المليشيات وأخذته عنوة، لكنها (أي الشرعية) لم تفلح باستثمار ذلك المردود لصالحها، بل خيبت آمال الشعب، ووجدت في طيبته ونخوته وكرمه وحبه للوطن وتطلعاته لمستقبل أفضل أرض ملائمة لزرع الشقاق بين أفراده وضرب لحمته الموحدة ببعضها البعض، أو بالأصح وجدت مجالاً واسعاً للتوغل على حسابه، ومواصلة أهدافها اللعينة من خلال تعمدها لإطالة أمد الحرب، وليس هذا فحسب، بل أغرقته بالأزمات المختلفة التي جاءت متتالية، من انعدام للمشتقات بأنواعها وانقطاع للكهرباء ورواتب الموظفين في السلكين المدني والعسكري، وما خفي كان أعظم. حتى تراءى للشعب أنه أمام عدوين مختلفين بانتماءاتهم ومطالبهم، متوحدين بأهدافهم ورؤيتهم تجاه الشعب.

شرعية هادي اليوم تكمل ما تبقى من مسلسلات عبث ودمار وتخريب وقتل المليشيات للشعب ظاهرياً أمام الملأ، وتفعل ما عجز عنه أعداءه الظاهرين بستار خفي أهون ما يكون، يدرك تفاصيله أبسط من حاذق مراقب للأوضاع أو حتى متسكعاً في معاناة الشعب ومتتبعاً لنفاد صبره وشكاويه.

الشرعية اليوم انقلبت على وفاء الشعب وتضحياته ومارست فيه أشد الأعمال، من افتعال أزمات وتجويع وتخوين وخلط الحابل بالنابل، ولم يكن انقلاب صنعاء إلا انقلاب على سلطة تتكون من مجموعة من الأفراد، عكس الانقلاب الحاصل للشعب الذي يعد الركيزة الأولى للوطن وحصنه المنيع، انقلبت المليشيات على الشرعية بانتهاك قرارات مجلس الأمن فانتهكت هذه الشرعية حقوق الشعب بانقلاب الحياة والسكينة والقوت اليومي، دافع الشعب عن الشرعية وضحى في سبيل عودتها وتثبيطها الكثير، بينما دافعت هي عن أهداف أعدائه بإغراقه في الأزمات وخذلانه، وتركه يقف وحيداً وهو معدوماً من كل شيء، إلا من إرادته وهمته التي لا تكسر.

الانقلاب لا يقتصر على سلطة أو حكومة تدير شؤون بلد ما، بل يعد إجحاف الشعب وتظليمه والاستخفاف بحقوقه انقلاباً من نوع آخر، وذنب لا يغفر إلا أن يكون مجلس الأمن أول الداعين إلى تهميش الشعوب واضطهادها، فكيف لا يصنف أفاعيل الحكومة اليمنية ضد الشعب انقلاباً إجرامياً إن كانت شعاراته تنعق بمنح الشعوب حقوقها وحرياتها دون انتقاص أو استمنان؟!