كتابات وآراء


الثلاثاء - 17 أكتوبر 2017 - الساعة 10:14 م

كُتب بواسطة : خالد الحنشي - ارشيف الكاتب


لعل المتابع للسياسة الخارجية السعودية
الإماراتية لا يجد اختلافا أو تفاوتا بين الدولتين في كثير من الملفات الخارجية -سيّما - ملف الأخوان المسلمين في المنطقة بمختلف المسميات
الفرعية لتلك الحركات المنظوية تحت راية الإسلام السياسي .
وبالرغم من التوجس والحذر الذي تبديه كثير من الأنظمة العربية من تلكم الحركات الإسلامية ومحاولة احتوائها بما يشبه الحرب الباردة إلا إننا سنقتصر هنا على التوجه السعودي الإماراتي في هذا الشأن باعتبار هاتين الدولتين هما اللاعبتان الرئيسيتان على أرض اليمن في الوقت الراهن وهو مجال حديثنا في هذه السطور .

ولو رجعنا إلى الشأن المصري لرأينا حجم المجهود الكبير الذي بذلته الدولتان سياسيا وماليا وإعلاميا للإطاحةبالأخوان
في مصر .
لكن على الصعيد اليمني قد يرى البعض أن الدولتين تسيران في خطين متعاكسين في تعاملهما مع حزب الإصلاح بدعوى قيام المملكة باحتضان العديد من القيادات الإصلاحية وتقديم كافة أنواع الدعم لهم في سبيل مواجهة الحوثيين ؛ في حين لا نجد السياسة الإماراتية تسير بهذا الخط الاضطراري بتاتا بل هي في مصارعة سياسية وإعلاميةوقطيعة تامة مع هذا الحزب دون أدنى مهادنة قد تقتضيها اللحظة الراهنة.

ولكي لا يهرب البعض في تحليلة السياسي بعيدا عن الصواب فلا بد أن نعي أولا أن السياسة هي فن الممكن كما يسمونها وتتحكم فيها عوامل متعددة وكذا تقاطع المصالح أحيانا.

وبما أن السعودية تحمل على عاتقها ملف الشمال بكل تعقيداته فهي مضطرة لتحالف الضرورة مع حزب الإصلاح كونه المكون القوي في الشمال والذي تعقد عليه الرهان في مواجهةأعدائها الأشد خطرا وهم الحوثيون .
وليس من الحكمة والمصلحة للمملكة سلوك مبدأ القطيعة مع الإصلاحيين أو السعي لإضعافهم في الشمال كما هو الحال في مصر لأن ذلك سيصب في مصلحة الحوثيين وقد ربما يلجأ الحزب إلى الارتماء في حضن الانقلابيين ولو بشراكة هامشية معهم إذا وجد نفسه مخذولا ومستهدفا من قبل الرياض وأبو ظبي معا.

ولذا لم يكن أمام المملكة إلا أن تسلك المبدأ القائل :( بعض الشر أهون من بعض ) أي شر الأخوان أهون من الحوثيين.

وهذه القراءة للمشهد اليمني بخصوص التعاطي السعودي مع الملف الأخواني لا نستطيع إسقاطها على المشهد في الجنوب اذ لا ترى السعودية أي مصلحة لها من عودة النشاط السياسي لحزب الإصلاح في المحافظات الجنوبية المحررة ولذا ألقت بالمهمة بشأنه على عاتق الإمارات لتحجيم دور هذا الحزب وتجميد أنشطته وفضلت المملكة سياسة النأي بالنفس ورفع اليد والوقوف بعيدا مما يحدث حذرا من أي مسؤولية أو تبعات قد توقعها في حرج أمام حلفائها الإصلاحيين وربما خسارتها لأقوى حلفائها في الشمال وعمودها الفقري في مواجهة الأخطبوط الفارسي هناك.
إلا أن الإصلاح لم يكن غافلا عن فهم نوايا المملكة تجاهه في الجنوب بإعطائها الضوء الأخضر للإمارات لحلحلته وتقليم أظافره .
ولم يكن أمام الحزب إلا السكوت التكتيكي عن إدانة المملكة وتوجيه أصابع الاتهام نحو الإمارات كالعادة عدا بعض الأصوات الإصلاحية التي ظهرت من تركيا تتهم المملكة بالتواطؤ مع الإمارات بكل خطوة في الجنوب كالخطاب الذي أطلقه السياسي والإعلامي الإصلاحي يس التميمي محذرا السعودية من مغبة التماهي والتمادي مع السياسة الإماراتية في الجنوب وأشار بأن الإصلاح سيراجع تحالفاته إن لم تتوقف السعودية عما أسماها بالمهزلة وكانت الناشطة الإصلاحية توكل كرمان قد دعت قبل أيام حزب الإصلاح لسحب مقاتليه من الحدود السعودية.

وبقراءة سريعة لمجمل السياسة التحالفية في اليمن نجد الرياض وأبو ظبي على قدر جيد من المهارة السياسية عند قيامها بتقاسم المهام وتوزيع الأدوار إحداهما شمالا والأخرى جنوبا بطريقة احترافية ومتقنة وذلك بسبب وجود فريقين ومشروعين متناقظين في إطار الشرعية الفريق الأول يتمثل بالأطراف الشمالية المتشبثة بالدولة الاتحادية والثاني هو الحراك الجنوبي المنادي بالاستقلال وهذا التناقض داخل الشرعية أوقع السعودية ومعها دول التحالف في إشكالية وصعوبة في جمع المتناقضات في سلة خليجية واحدة ولذلك لجأت السعودية إلى فكرة الديماغوجيا السياسية من خلال توزيع الأدوار مع الإمارات بحيث تتمكن كل دولة منهما من استمالة أتباعها واستدراجهم من خلال العزف لكل فريق بالوتر الذي يحبه والتلويح له بالراية التي يعشقها.
وهذا النجاح لم يكن ليتحقق لو أن التحالف ظهر في المشهد اليمني كطرف واحد يدعم فريقين مختلفين في الأهداف وسيفقد مصداقيته أمام هذين الفريقين حينما يقوم بالتلويح لأحدهما براية الوحدة ويلوح للآخر براية الانفصال كما يجري الآن .
ولأن تناقضات الطرف الواحد في نفس اللحظة لا يمكن تقبلها من الناحية العقلانية والمنطقية ولا تنطلي على العقلاء وإن حدث ذلك فلا يمكن وصفه إلا نوعا من السخرية والاستغفال.
وكان الخيار الوحيد والأنسب أمام التحالف لتمرير سياسة الاستقطاب هذه دون صعوبات هو خيار التوزيع للأدوار بين قطبين هما المملكة والإمارات بحيث يظن الطرفين المختلفين داخل الشرعية بأن الدولتين على خلاف حول مسألة الوحدة اليمنية ليثق كل طرف بالدولة التي يسير خلفها دون أي حذر.
ولو فرضنا أن لدينا طرفا ثالثا قويا داخل الشرعية لديه قضية أخرى مختلفة عن الطرفين المذكورين لدفعت السعودية بالكويت أو البحرين إلى المشهد اليمني وستظهر لاعبا رئيسا ثالثا على الأرض لاستقطابه وترويضه بالتغني بشعاراته. وستبدي الأيام عما قريب أن السعودية هي المهندس الوحيد والمخطط وصانعة القرار داخل دول التحالف وهي التي توزع المهام والأدوار بين هذه الدول لما تم بيانه آنفا.