كتابات وآراء


الأربعاء - 15 نوفمبر 2017 - الساعة 02:28 م

كُتب بواسطة : قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب


(الناس بدون مؤسسة وكيانات منظمة وفعالة أشبه ذرات في مهب العاصفة)

مؤسسة، أُس، جذر، ساس أسس، اساسات، بمعنى قواعد البناء ومداميكه، والتسويس يعني البدء بالأسس الأولى للبناء أو النظام ، والمؤسسة هي صفة كل كيان أو نظام أو إطار أو هيئة مبنية على أسس بديهية بوصفها الجذور والمسلمات في الرياضات وفِي كل الأشياء التي لها نظاما ما، وكما هو حال الأسس أو الجذور في الرياضيات بوصفها بديهيات أو مسلمات ضرورية مسبقة لكل عملية رياضية ممكنة وكما في بناء المنشاءات بمختلف الأشكال والأنواع تعد الأساسات الشرط الضروري بوصفها قواعد بديهية وقبلية لكل شيء يمكن بناءه. وكما هو الحال في النظم والهيئات والكيانات الاجتماعية والسياسية والمدنية التي تتشكل وفق نظاما سياسيا محددا. فكذا لا تكون ولا تدوم ولا تستقر الحياة الاجتماعية للناس بدون مؤسسات بغض النظر عن نوعها صغيرة أو كبيرة تقليدية أو حديثة قديمة أو جديدة. حتى الحيوانات ذاتها تنتظم حياتها في انواع واجناس في مؤسسات بالغريزة الفطرية في علاقاتها مع بعضها والعالم. فالنحل مؤسسة والنمل مؤسسة والطيور مؤسسة والسلمون مؤسسة، ولولا ذلك التأسيس لما لعددت وتنوعت وتمايزت واستمرت حياة الكائنات في أشكال وهيئات وأسماء وصفات.

ويطلعنا تاريخ المؤسسة الحديثة على أن الفكرة القانونية التي تعامل فيها جماعة من الناس كأنها وحدة نسقية أو مؤسسة مستقلة هي أساس نشوء الجامعات وتطورها في القرون الوسطى؛ إذ اعتبرت المؤسسة المتحدة Universities من الناحية القانونية جماعة لها شخصية قانونية تختلف عن أعضائها فرادى. ويرى توبي أ. هف في كتابه )فجر العلم الحديث( أنه من المصادفات التاريخية أن الكلمة اللاتينية Universities التي تعني Corporation أي الجسم كله، قد احاصر معناها ليعني أماكن التعليم العالي التي تحتفظ باسم الـ Universities )أي الجامعات

ويؤكد جينز بوست "أن العلماء في جامعة با ريس كانوا مع حلول سنة ١٢١٢م على أبعد تقدير، قد تبلور وجودهم على شكل هيئة تدعى )هيئة الأساتذة والعلماء بوسعها أن تضع القوانين وأن تنفذ الالتزام بها.

ومنذ أن تم تحويل العلم وعناصره الى إطار أو كيان مؤسسي مستقل بقواعده ونظامه الخاص ظهر مفهوم الجماعة العلمية بصفتها وحدة معيارية؛ إذ لا يكفي أن ن دعي أننا علماء حتى يتم الاعتراف بنا بصفتنا علماء. أن تكون عالمًا يعني أن تنتمي إلى إطار اجتماعي مؤسسي مهني

متشكل من مجموع الفاعلين المشتغلين في النشاط العلمي؛ أي) الجماعة العلمية( بمعنى الانتماء إلى مؤسسة محددة، يمكن تمييزها عن بقية المؤسسات الاجتماعية. ويعني ثانيا أن يتم اختيارك وإدماجك في نسق يقيم فاعلوه علاقات ترابط وفق طرائق تتوافق مع مبادئ مهنية معيارية مخصوصة، وهو يعني أخيرا أنك موضوع لمراقبة اجتماعية، داخل المؤسسة، وأن عليك إتقان الدور الاجتماعي المقدر إيجابيا في الجماعة العلمية ) (. ويعني مصطلح مأسسة العلم؛ اعتراف المجتمع بالوظيفة الخاصة للنشاط العلمي وبقيمته الجوهرية، ومن جهة أخرى تشكيل مجال مهني لضبط أدوار الفاعلين بما يحقق غايات ذلك النشاط ويصون استقلاليته. وإذا ما أردنا صياغة تعريف سوسيولوجي لمعنى المؤسسة الأكاديمية فيمكننا القول: إنها المجال

المستقل المنظم بقانونه وقواعده الخاصة ذات شخصية اعتبارية ممثلة لمجموع الأساتذة ومساعديهم والطلبة بوصفهم جماعة مهنية معنية بنقل وتداول المعرفة العلمية - وظيفة التعليم - ونقدها وتنميتها وإنتاجها - وظيفة البحث العلمي - وتطبيقها واختبارها، وظيفة خدمة المجتمع وتنميته وتنويره، مجال يؤمن بيئة محمية لكل منتسبيه للممارسة نشاطهم بحرية تامة

وهكذا بعد أسبوعين أمضيتها في استئناس وترويض ومقاربة المؤسسة فكرة ومفهوما وجسدا وعناصرا وأعضاءا وعلاقة وممارسة، البارحة فقط كتبتها وصغتها دراسة، نشرتها في صفحتي وفِي مواقع الصحافة، فاحتفيت بالإنجاز مع المؤسسة

وتلكم الخلاصة: هي نظام هي كيان هي إطار هي جسد يضم جملة من الأعضاء

بينهم علاقة وهي آخير كل والكل هو أكبر من مجموع أجزاءه! المؤسسة هي إدارة هي عقار هي خيل هي سفينة هي شجرة هي امرأة، هي عرصة هي عقار، هي مدينة

هي روضة، مدرسة، جامعة، دولة ...الخ بقدر ما تمنحها تمنحك، أعطها تعطيك صنها تصونك، عزها تعزك ظلها تظلك دارها تداريك، أحمها تحميك ..الخ

وهكذا هي العلاقة بين المجتمع ومؤسساته

في كل مكان وزمان، وتلك الشعوب التي

احبت مؤسساتها العامة وصانتها وحمتها

استطاعت أن ترتقي بها وتحملها مؤسساتها الى مراتب عالية في سلم التقدم الإنساني، والعكس صحيح،

وإذا كان من الصحيح القول: أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة! فمن المؤكد أن وراء كل شعب عظيم مؤسسة عظيمة عالية الجودة والمرونة والخصب والسلاسة.

فهل فهمتوني الآن ياسادة ياكرام.

والناس بدون قانون ومؤسسات وعيونهم الى الأرض أشد فوضى وانحطاطا من الحيونات. والأشخاص يأتون ويذهبون بينما المؤسسات هي وحدها التي يمكنها أن تدوم إذا وجدت من يتعهدها بالحفظ والحماية والصون والتنمية. ونحن الذين نقوم بتشكّيل مؤسساتنا ثم تقوم هي بتشكلنا، وكيفما نشكلها تشكلنا، وكيفما كانت مؤسستنا العامة نكون. ولله في خلقه شؤون.