كتابات وآراء


الثلاثاء - 21 نوفمبر 2017 - الساعة 05:38 م

كُتب بواسطة : قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب


حينما تم تعيين الأخ عبدالعزيز المفلحي محافظا للعاصمة عدن استبشرنا خيرا لما نعرفه عن الرجل من قدرات وخبرات إدارية واستثمارية مشهودة في مجال الاقتصاد والاستثمار إذ هو ينتمي الى شريحة النخبة التكنوقراطية في بلاد مثقلة بالثورجيين والمهرجين والفاسدين والمزايدين والناهبين والنصابين والمعتوهين والخونة والعابثين وتجار الحروب ومصاصي دماء الأبرياء من كل شكل ولون.

المفلحي تكنوقراطي بامتياز وسليل ثقافة ليبرالية تقدس العمل والبناء والتنمية والإنتاج، لكنه للأسف الشديد وجد نفسه مكبلا بقيود الفساد السياسي الشرعي اليمني المستحكم في كل مفاصل الحكومة العفاشية بقيادة نديم عفاش وربيبه احمد عبيد بن دغر، رئيس الحكومة.

المفلحي مُنح إدارة محافظة عدن؛ المدينة البحرية التي ولد ونشاء بها وأحبها وكان يحلم بان يعيدها الى سابق عهدها ثالث ميناء بالعالم! إذ لا أهمية لعدن بدون الميناء والاستثمار والتنمية المدنية وإعادة بناء المؤسسات وتفعيل الإمكانيات والمجالات الاقتصادية التجارية والصناعية والسياحية البحرية.

حينما قدم المفلحي من الرياض كانت الآمال معلقة عليه بان يعيد عجلة الحياة في عدن الى السكة التي يجب أن تسير عليها؛ سكة التطبيع والتفعيل والنهوض من الهشيم وازالت أنقاض الحرب وترميم الدمار الذي طال كل شيء في عدن المحررة المدمرة! ولكن الحمل كان فوق احتمال الاحتمال كما تشف رسالة استقالته للسيد الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي كتبها بحرقة ومرارة بعد انتظار أكثر من عام على أمل أن يجد من يساعده في تحقيق حلمه. وهكذا كان لسان المفلحي بعد أن ألقي به

الى بحر الفساد الدغري:

ألقوه بأليم وقالوا له

إياك إياك أن تبتل بالماء!

واتذكر أنني كتبت حينما تم تعيينه والياً جديدا على عدن مقال بعنوان : الى الوالي الجديد : عدن عاصمة أعصمها تعصمك! وتبين فيما بعد أنه أراد التحليق بدون أجنحه، إذ من أول ما استقر به المقام في وكر الفساد الظليم معاشق- الذي لم يعد يشبه أسمه منذ زمن طويل - توافدت عليه وفود الزائرين من كل الطفيليات والزواحف والمنافقين والمتزلفين التي اعتمدتها حكومة الشرعية في كل مفاصل حياة المدينة.

وحينما شاهدت أول المستقبلين والمهنئين له في شاشة التلفزيون قرأت عليه وعلى عدن السلام. ورفضت الذهاب اليه بغرض التصوير والنفاق الكاذب رغم أنني احترمه وهو يعرفني حق المعرفة، وبعثت له رسالة مع مدير مكتبه مفادها بالمختصر المفيد: لا تغرك المظاهر أبعث عن الجواهر، لا تفرح بالغثاء العابر أبني على ما يمكن أن يبقى ويدوم! وعليك أن تعلم أن ما تراه لا يمثل عدن وجوهرها الأصيل يا صديقي! بل غثاثها وزبد بحرها الطائر في مهب العاصفة! ولكن في الجلبة لا أحد يستمع لأحد !فكانت النتائج من جنس الأسباب.

وخير ما فعل المفلحي أن كتب هذه الاستقالة التي كشف فيها عن حقيقة معدنه النقي وبرأي بها ضميره الحي! الذي كاد يندرس في ليل الفساد الشرعي الموحش، استقالة المفلحي هي أجمل عمل فعله، إذ أنه بها ومن خلالها أنقذ نفسه وحفظ ما بقى له من سمعة طيبة في الرأي العام، ومن جهة آخرى وضع الكرة في مرمى الرئيس الشرعي، وقال له حقيقة جواده الخاسر في حكومة تدار من سنحان.

استقالة المفلحي ذكرتني بحكاية الملك العاري في الأدب الحديث واليكم الحكاية:

تناقلت كتب التراث حكاية عن خياط محتال خدع أحد الملوك بإقناعه بأنه يمكن أن يصنع له ثوبا سحريا لم يسبق له مثيل ولا يراه إلا الحكماء والعقلاء. ‎اقتنع الملك بكلام الخياط. وبعد أن جرد الملك من ملابسه وأقنعه أنه ألبسه الثوب السحري! خرج الملك على وزرائه وحاشيته عاريا. وقال الملك مزهوا ومتبخترا بزيه السحري : ما رأيكم في هذا الثوب السحري الذى أرتديه.. انظروا كم هو جميل أنه لا يراه إلا الحكماء؟! خاف بعض الوزراء من غضب الملك وقالوا: “ثوب عظيم يا مولاى”. وقال البعض الآخر “ما أجمل هذا الثوب يا مولاي لم نر في حياتنا أجمل منه”، وقال آخر أنه ثوب مصنوع من كريستال الحرير الملائكي!! لكن كان من بين الحضور طفلا صغيرا صرخ مندهشاً “أين هو الثوب الذى تتحدثون عنه.. إني أرى الملك عارياً”. حاول الحراس والوزراء منع الطفل من الكلام .. لكنه ظل يصرخ “إني أرى الملك عاريا.. هو عاريا تماما كما رأيت أبي بالحمام! وهكذا هو المفلحي، بعد أن رأى عري الحكومة الشرعية وهي تتبختر بثواب فسادها الشرعي إذ لم يستطع السكوت على ما لمسه وشاهده بعيونه في عدن الجريحة، ربما شعر أخيرا بتأنيب الضمير، فقال ما كان يجب أن يقال منذ اليوم الأول لتعيينه مستشارا، وربما لحوافز وأغراض اخرى لا يعلمها إلا علّام الغيوم!

وعلى كل حال المفلحي صرخ صرخته وهذا يكفيه من تجربته الخائبة في حضن حكومة شرعية الفساد والإفساد . وللشرعية الجرباء باب بكل يد ملوثة يُدق!