كتابات وآراء


الأربعاء - 10 يناير 2018 - الساعة 02:03 م

كُتب بواسطة : حسين الأنعمي - ارشيف الكاتب


لم أستغرب يوماً من حملات التشويه التي شنتها بعض وسائل الإعلام اليمنية تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي، بما فيها تلك الأقلام المأجورة والتابعة لبعض نافذي الشرعية، كاستغرابي الشديد من حملات التخوين التي يطلقها الجنوبيين لبعضهم البعض، أو بالأصح، لقيادة وأعضاء ومؤيدي المجلس الانتقالي، إذ لا يوجد أي مبرر لذلك الاستهداف غير اللهث وراء المصلحة الشخصية أو ربما الانحراف المخيف عن مسار القضية الجنوبية التي ضحى لأجلها الشعب بالغالي والنفيس، وهذا ما لا أتوقعه من كل جنوبي حر - همه الأول والأخير عودة الوطن واسترجاع الدولة - ولا يحق لي أن أحكم به على كل من يعارض مشروع المجلس الانتقالي من بني جلدتي، وهذا ليس إلا درساً واحداً من عشرات الدروس الأخلاقية التي تعلمناها - ولا زلنا - من قيادة الانتقالي والشعب الجنوبي عامة، سواءً في رحلة الانتقالي الآنفة، أو سفر القضية الجنوبية برمتها، أو حتى في رحلتي الشتاء والصيف.

لا يختلف اثنان على أن المجلس الانتقالي قد أحرز تقدما سياسياً وميدانياً - داخلياً وخارجياً - وجاء رافداً ومعززاً للحركات الجنوبية التحررية قبله، ومكملاً لنضالات شعب الجنوب، بل ومترجماً لها من ساحات النضال إلى خنادق المكاتب السياسية وأروقة المحافل الدولية، على الرغم من أنه لا يزال حديث العهد وبدائي النشأة، وحقق ذلك الإنجاز في ظل أمواج ضاربة من الاتهامات والانتقادات التي توجه له من معارضيه، لكنها لم تعيق تقدمه، ولا أظن بأنها ستكون قادرة على فعل ذلك لأن خلفه إرادة شعب لا يعترف بالهزيمة ولا يقر بمصطلحات الاستسلام.

ولعل أبرز ما حققه المجلس الانتقالي لإثبات وجوده وفاعليته هو (النقلة النوعية) للمكون، إذ أنه انتقل من مرحلة النشأة الأولى في طور التأسيس الشكلي إلى مكوناً فعلياً على أرض الواقع، ليفرض وجوده بكل ثقة واقتدار من خلال إعلانه للجمعية الوطنية وتدشين فروعها في كل المحافظات الجنوبية، وما تلاها من قرارات، وأخيراً إعلانه تشكيل مركز دعم (صّناع القرار)، والذي يعد بمثابة مرجعية سياسية اجتماعية اقتصادية متكاملة، يمكن العودة إليها قبل الإقدام على اتخاذ أي قرارات، وذلك من أجل السير بمشروعية تامة ومباركة إقليمية دولية، وتحاشياً لأي عقوبات قد تقوَّض آمال وتطلعات شعب الجنوب نحو نيل استقلاله.

إن المجلس الانتقالي هو المكون والحامل السياسي الذي طالب به شعب الجنوب قيادته، منذ تفجر الشرارة الأولى للنضال الثوري السلمي، وصولاً إلى شرفة الكفاح المسلح والعراك السياسي الذي نعايشهما اليوم، والذي يخوض فيها هذا المجلس الحرب السياسية - رغم قذارتها وخطرها - بكل شجاعة وإقدام، فيما تتكفل مقاومته الباسلة بالوقوف خلف المتارس لصد هجمات العدو وإيقاف تحرّكاته على خطوط التماس، مسجلة أبرز التحديات الفدائية والمعارك البطولية - رغم بساطتها وتواضع إمكانياتها - في الوقت الذي تغط به جبهات الشرعية في نوم العسل خلف خنادقها المكتظة بالعتاد الحربي والتمويل العسكري القويم.

لن نكون مخطئين لو قلنا بأن المجلس الانتقالي هو من يجسد مشروع "القضية الجنوبية" الأول والأخير، وهو السبيل الوحيد لعودتها في ظل انسداد وتضِّيق كل مخارج الحل، وأقولها هنا دون تحيز أو مبالغة أو رياء، والشواهد على الأرض تثبت ذلك، وتدحض كل الاتهامات الباطلة والملفقة التي توّجه له، وتنسبه تارة بالتبعية لدول الخليج وتكريس سياستها وأهدافها، وتارةً أخرى تصّنفه كمشروع مناطقي، وتحذر من كونه خطراً قادم، سيستأصل شأفة الجنوب ويطّوخ بأي آمال قائمة لعودة دولته، قولاً منها بأنه يخدم مخططات العدو، وهذا ما لا يقبله العقل ولا يقّره المنطق، ولا يصدقه حتى مجرد مراقب ومتابع للساحة الجنوبية وأوضاعها عن كثب، ولو كان من غير أبناء ( الديرة )، أو البلد اليمني بمفهوم أوسع.

نتمسك بالانتقالي لأننا نرَ فيه مشروع الوطن الذي ننشده، لأنه المكون الوحيد الذي يرسم بتحركاته ملامح الدولة الجنوبية الحديثة وتتجسد فيها خارطة المستقبل المنتظر، نقف اليوم مع المجلس لأننا اعتدنا أن نقف دوماً في صف الباحثين عن الوطن لا صف الساعين إلى مصالح زائلة لا تتوافق مع مصالح الشعب، نتمسك بالانتقالي كحل أخير وفرصة لن تعوض إن لم نستغلها بالشكل الصحيح، نؤيد الانتقالي لثقتنا في نزاهة ووطنية قيادته في زمن كثر فيه المتاجرون بالأرواح والمتسَّلقون على أكتاف المساكين، فهل آن للجنوبين أن يقفوا معه ويوحدون الصف، للسير على خطى النصر في درب الحرية والكرامة الذي بدأ مشواره الشهداء والجرحى، ودفعوا ضريبته دمائهم الطاهرة توَّاقون لأهداف الثورة التي انطلقت ولن تتوقف - بإذن الله - إلا في محطة التحرير والاستقلال.