الجمعة - 09 مارس 2018 - الساعة 04:40 م
غادرنا قبل عامين أستاذ البهجة وصانع البسمة، الرسام الكاريكاتوري "محمد سعيد" ولكن بعض المغادرين يحجزون لهم أماكن خالدة في الذاكرة الجمعية للمجتمع لأنهم عبروا عن ذلك المجتمع خير تعبير وكانوا أفضل من يمثله ويجسد همومه ويوثق لحياته اليومية ومما لا شك فيه هو أن الأستاذ محمد سعيد هو أحد أولئك الخالدين.
أتذكر تماما حينما كانت تقع صحيفة 14 أكتوبر في يدي، كنت أتجاوز كل الأخبار الرئيسية وكل التفاصيل وأسارع للصفحة الأخيرة، فالحدث الرئيس بالنسبة لي كان ما سيسلط عليه محمد سعيد الضوء اليوم، لا ما كتب في العناوين الرئيسية.
كاريكاتير الأستاذ محمد سعيد كان المرآة العاكسة للشارع العدني، كان مننا وفينا، قريبا من همومنا ومشاكلنا اليومية، كان صوت المطحونين والمعبر عن احتياجاتنا اليومية البسيطة التي افتقدناها طوال عقود من الزمن من خلال شخصياته الطريفة التي كانت تشبه أبي وأمي وأخوتي وصاحب الدكان ومعلمتي في المدرسة وصديقي في ركن الحافة.
تعتبر أعمال الأستاذ محمد سعيد توثيقا بصريا هاما لمرحلة من حياة مدينة عدن، فعندما سنعود يوماً إلى أرشيفه الغني سنتذكر ملابس هذه المدينة، لهجتها، عاداتها، تقاليدها، معاناتها، مشاكلها، الواقع السياسي والاجتماعي لهذه المرحلة واشياء أخرى كثيرة تمثل تفاصيل التفاصيل في عدن.
وأجد انه من المناسب في هذا المقام أن أقتبس جزئية هامة من رد الأستاذ محمد سعيد على أحد الأسئلة في مقابلة صحفية أجريت معه وهذه الإجابة تلخص تجربة محمد سعيد الخالدة وبلسان صاحبها:
" المأساة تحرك الوجدان العام، والفنان بشكل خاص أكثر الناس امتلاكاً للشعور والذاكرة العامة، ولابد للمبدع أن يساهم في التعبير وإبداء إمكاناته الإبداعية في أوقات المحن وهذا هو دوره الوظيفي في المجتمع، وإن لم يكن كذلك فالأولى ألا يسمى فناناً أو مبدعاً، لأن الكاريكاتير هو فن التبسيط، ومن حق الفنان أن يغير الخطوط الطبيعية من أجل أن يعبر عن رأيه، حتى إذا كان هذا سيجعله يخرج عن حدود الواقع، لآن هذا الخروج هو محور فن الكاريكاتير. وأنا من خلال اختصاصي كرسام كاريكاتير أوظف كل طاقتي وإمكانياتي للخلق والإنتاج والتميز على إبراز خصائص أعمالي بمزيج من صور الحياة التي تمور من حولي، ومن وجدان وأوجاع الناس أستوحي رسوماتي وأجعلها نماذج ولوحات تعبر عن الحياة الإنسانية العامة".
ومن هذا أقترح ان يخلد كاريكاتير محمد سعيد في معرض دائم في قلب مدينة عدن لتصبح رسومه الكاريكاتورية متاحة للجميع وشاهدا على مرحلة هامة من حياتنا ومرجعا للأجيال القادمة ولنتذكر من خلاله الرجل الذي جعل الصفحة الأخيرة في الصحيفة الرسمية أهم من الصفحة الأولى.
* مخرج مسرحي