كتابات وآراء


الأربعاء - 09 مايو 2018 - الساعة 03:05 م

كُتب بواسطة : ياسين سعيد نعمان الشعبي - ارشيف الكاتب



عند توقيع الاتفاق النووي مع إيران في نهاية عام ٢٠١٥ ، كان مما أورده المتحمسون للاتفاق رداً على ملاحظات دول المنطقة على ما فيه من عيوب والتي كان أهمها عدم تقييد تخصيب اليورانيوم بقيود حاكمة ، هو أن التوقيع سيؤدي إلى تخفيض حالة الاستقطاب التي تمارسها إيران في المنطقة ، وأنه سيؤدي إلى خلق احتقانات سياسية واجتماعية داخل إيران ستتسبب في تفكيك نظام الهيمنة التسلطي مما يفتح مجالات كبيرة لعلاقات معززة بالثقة تنهي كثيراً من المشكلات التي أغرقت المنطقة في الحروب .
غير أن سنتين ونصف من توقيع الاتفاق لم تنعكس في إنهاء حالة الاستقطاب ، أو فتح مجالات بأي مستوى كان لتنهي مشاكل المنطقة .. بل بالعكس فتح الاتفاق أمام إيران الباب واسعاً لاستثمار الانفتاح الدولي عليها لتكرس منهج التوسع والاستقطاب على النحو الذي رأيناه فيما يخص القضية اليمنية ، وتوظيف شروط جديدة لم تكن متاحة لتزويد الانقلابيين بالسلاح الثقيل ومنه الصواريخ الباليستية بعيدة المدى .
لم ينعكس هذا الاتفاق في خلق شروط إيجابية تساعد المنطقة على تفكيك مشروع الفوضى الطائفي بكل ما يحمله من عوامل عدم استقرار ، فإلى جانب العيوب التي أبقت الانتاج النووي في إيران في حالة ديناميكية مستمرة ، فقد فتح الاتفاق أمامها الاسواق المالية والاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية على نحو لم تستثمره في استقرار المنطقة وإنما في تأجيج الصراعات فيها .
عندما ننظر للمسألة من هذه الزاوية نكون قد أنصفنا الموقف الذي أعلنته حكومة اليمن من الانسحاب من هذه الاتفاقية .
ما حدث في كوريا كان حافزاً قوياً للرئيس الامريكي في أن يتخذ هذا الموقف بالانسحاب من الاتفاق دون مراعاة لمخاوف حلفائه الأوربيين .. وفي نفس السياق لن تكون إيران ، في هذا الجزء الحساس من العالم ، بتلك الجرأة في أن تمضي في مشروعها النووي الذي يهدد في الاساس أمن ومصالح جيرانها في الخليج ولا أحد سواهم .
غير أن ما يجب التفكير فيه جيداً هو أن الانسحاب لا بد أن يحمل مشروعاً حقيقياً ومتكاملاً لانقاذ المنطقة من مخاطر انتشار السلاح النووي بحيث لا يتوقف عند مجرد الانسحاب والعودة إلى حالة التوتر التي أخذت اسرائيل توظفها على النحو الذي يجعل مشروع إيران النووي يبدو على غير حقيقته وكأنه مشروع مضاد أو توازن رعب .
سيكون أمام الإدارة الامريكية مهمة جسيمة وهي أن تجعل الانسحاب مشروعاً متكاملاً من الخطوات التي تقنع بها شعبها وحلفاءها الأوربيين الذي أبدوا تحفظاً ازاء الانسحاب ، وفي نفس الوقت تتحرك من خلاله عجلة التفاوض لإصلاح الخلل في الاتفاق الحالي .
أما الانسحاب مع ترك الباب مفتوحاً أمام أي إحتمالات تكون فيه المنطقة مستقطبة في مشاريع مجهولة تهدد أمنها فلا بد أن يتم الانتباه له جيداً وبقدر كبير من معرفة أن الهدف الأول والأخير هو هذه المنطقة التي تتحرك فوق ألغام كثيرة . أما خرافة المواجهة الايرانية الإسرائيلية فلن تتم إلا وقد حسب حساب هذه المنطقة ككبش فداء.