كتابات وآراء


الأحد - 08 ديسمبر 2019 - الساعة 10:03 م

كُتب بواسطة : بدر قاسم محمد - ارشيف الكاتب


المواقف السياسية عرضة للتغيير حسب مقتضيات لحظتها الراهنة , بينما المواقف العقائدية ليست كذلك , لأن السياسي متغير لكن العقائدي ثابت !.

فشلت الوحدة اليمنية بين الشمال و الجنوب , وأنتجت حرب صيف العام 1994م ليعلن النظام الحاكم جنوبا على إثرها فك أرتباطه الوحدوي بالشمال , أنتهت حرب 1994م , حرب "الردة و الانفصال" كما أسمتها صنعاء , بهزيمة الجنوب الذي عاش بعدها تحت ظرف احتلال سُمي شكليا بالوحدة اليمنية , الظرف الذي وصفه نائب الرئيس اليمني الحالي : علي محسن الأحمر , في خطاب شهير له ابان الثورة الشبابية مطلع العام 2011م بالقول :
لقد حكم علي عبدالله صالح , الشمال بالاستبداد و الجنوب بالاستعمار !.

من أثار حرب اجتياح الشمال للجنوب في 7 يوليو 1994م المدمرة , تركها مناطق جنوبية بعينها ساحة للفكر العقائدي يمرح فيها ويسرح , بينما كانت باقي محافظات الجنوب ساحة للفكر الوطني الجنوبي .

على ذكرنا سيرة الثبات العقائدي و التغير السياسي في البدء , من المفترض أن تتسم الساحة المتروكة جنوبا للفكر العقائدي بثبات موقفها العقائدي من الحرب الشمالية الأخيرة على الجنوب , خصوصا و أنها جاءت معلنة من قبل جماعة الحوثيين الطائفية بعقيدتها الصدامية مع عقيدة الجنوبيين و بالأخص من هم في مناطق الساحة المتروكة للفكر العقائدي ! ... لكن ما الذي حدث ؟!

حدث العكس تماما , لقد دخلت مليشيا جماعة الحوثيين الطائفية ببرد و سلام إلى مناطق ساحة الفكر العقائدي جنوبا , وهو الفكر الذي عُرف بتطرفه , في نفس وقت انتفاض مناطق ساحة الفكر الوطني جنوبا , أنتفض الجوار العربي ليتدخل عسكريا بإعلانه عن ماسمي حينها ب"التحالف العربي" واطلاقه عملية عاصفة الحزم , ثم بعد ان حققت مناطق الفكر الوطني أول انتصار لها على مليشيا الحوثيين , أتسعت رقعة الإنتصار الجنوبي لتشمل العاصمة الجنوبية عدن .

رؤية الانتفاضة الجنوبية و العربية معا , أربكت المشهد في مناطق الساحة العقائدية جنوبا , لقد بدا الارتباك واضحا في التدخل المرتبك لعناصر التنظيمات الإرهابية أخيرا لدحر مليشيا الحوثيين , التدخل الذي يُراد له أن يأتي تحت الرايات السوداء للتنظيم , لتحل سيطرة التنظيم بديلا عن سيطرة الحوثيين و تعود ذات المناطق الجنوبية كما كانت ساحة للفكر العقائدي المتطرف.. بينما الذي حدث هو , أن عناصر تنظيم القاعدة أختلطت بعناصر المقاومة المحلية وبحاضنتها الشعبية الجنوبية في مهمة دحر المليشيا الحوثية تحت راية الدولة الجنوبية ونكست راياتها السوداء انتصارا لعقيدتها الدينية التي بدت لهذه العناصر أنها تعرضت للتلاعب السياسي الشمالي طوال الفترة الماضية !.

بإمكاننا وصف ما حدث في مناطق الفكر العقائدي بين عناصر تنظيم القاعدة الجنوبية و قيادات اللعبة السياسية الشمالية بالمنعطف التاريخي الذي أعلن قطع الحبل السري الواصل بينهما و أنهى علاقتهما ببعض .. يُعلل هذا بسبب ارتباك المشهد الشمالي عموما الذي ألقى بظلاله فأربك الفكرة العقدية لعناصر تنظيم القاعدة خصوصا ودفعها لإعلان تمردها الجنوبي عن مركز قرارها الشمالي , وعلى إثر تمردها تم التخلص منها عبر تمكين الطيران الأمريكي المسير من تصفيتها !.

لقد مثلت لحظة الانكشاف الشمالي الكبير لحقيقة اللعبة السياسية التي أديرت على ساحة مناطق الفكر العقائدي جنوبا منذ حرب الاجتياح الشمالي في صيف 1994م و إلى يومنا هذا , بداية الفترة الزمنية المؤقتة لخروج تلك المناطق عن السيطرة التي شهدت زخما وطنيا جنوبيا توزع على كل جبهات القتال ضد الحوثيين (لكن ينبغي الإشارة إلى ان آثار الفكر العقائدي التي انطبعت في الذاكرة الجمعية كان مازال يعبر عنها الانخراط في قتال الحوثيين على أساس عقائدي في جبهات خارج السياق الوطني الجنوبي , فتوزعت تضحيات طابور طويل من النشء و الشباب في كل مكان وذهبت هباءا منثورا) , لكن سرعان ما أنقضت هذه الفترة , فبعد أن التقط الشمال أنفاسه ورتب أوراقه , هاهو اليوم يعود جنوبا عبر بوابة الحكومة الشرعية وذريعة السيادة الوطنية و شماعة الاحتلال الأماراتي إلى ذات المناطق لالتقاط بعض عناصر الفكر العقائدي المتطرفة وينجح في تجنيدها ضد التواجد العسكري الأماراتي و قوات الأحزمة الأمنية و ألوية المقاومة و النخب الجنوبية (ففي الفترة الأخيرة سمعنا بعض من هذه العناصر الإرهابية المتطرفة تجتر الفتوى العقائدية التي تجيز قتال هذه القوات و تحل قتل منتسبيها ).

كيف استطاع الشمال الخروج من وعكته السياسية و فضيحة انكشاف علاقته بالتنظيمات الإرهابية في هذه المناطق سابقا ؟!

إجابة هذا السؤال في اعتقادي أنها لاتكمن في الإقرار بدهاء الشمال , فليس ثمة دهاء في تكرار الأسلوب و الوسيلة .. بل اعتقد أن ثمة تورط أوصله إلى نقطة اللاعودة !.
كما ان قولنا :
ليس ثمة دهاء في تكرار الأسلوب و الوسيلة يأخذنا إلى ان ثمة غباءا جنوبيا لايأخذ العبرة والعظة من تجارب سابقيه من عناصر التطرف و الإرهاب !.

نستنتج مماسبق أيضا :

- ان الفكر العقائدي المتطرف في تلك المناطق جنوبا ماهو إلا صناعة سياسية شمالية للتلاعب بالجنوب أولا و الأقليم ثانيا و العالم ثالثا , صناعة سياسية شمالية تلبس الفكر العقائدي وتنزعه عنها كما تنزع ملابسها الصيفية بحلول الشتاء و الشتوية بحلول الصيف !.

- كما أن عملية تحويل الفكر العقائدي من الثابت إلى المتغير , هي الدليل القاطع على ان الشمال لايعنيه الفكر العقائدي في شيء بقدر مايعنيه الهدف السياسي منها , فهو قادر على اعتناق الفكر الطائفي للجماعة الحوثية والتعاطي معها في سبيل تحقق السيطرة السياسية الشمالية على الجنوب !.

- هل يفهم التحالف العربي هذا ؟!
نعم يفهم التحالف العربي هذا
- هل يفهم المجتمع الدولي هذا ؟!
نعم يفهم المجتمع الدولي هذا

لكن هل يفهم بعض الجنوبيين هذا ؟!
مازلت أشك في ذلك !
.......................
بدر قاسم محمد