كتابات وآراء


الأحد - 22 ديسمبر 2019 - الساعة 02:00 م

كُتب بواسطة : مصطفى احمد النعمان - ارشيف الكاتب



الجواز الدبلوماسي اليمني كانت عنده ميزة الدخول الفوري في لبنان، كما غيرها من عواصم الدول "الشقيقة"، لكن انضمت بيروت إلى أخواتها.

أعلم أن البعض سيقفز إلى اتهام السفارة بالتقصير...

هذا فيه ظلم لأن الجواز الدبلوماسي، للأسف الشديد، صار مباحاً، وفقد قيمته المعنوية، وهذا من حصيلة كسل وعجز الشرعية الرخوة!

كما أن أعداد اليمنيين الذين خرجوا من اليمن كبيرة جداً، وأحوال أغلبهم المعيشية والنفسية تزداد سوءًا بمرور الأيام، وصار كثيرون يواجهون شظف الحياة وقسوتها في بلدان عربية لم ترحمهم من ارتفاع رسوم الإقامة فيها وطلب ضمانات بنكية ليست في متناولهم، وحُرمَ الكثيرون من حق العمل، وأطفالهم من حق الدراسة، وأسرهم من حق العلاج.

أغلب الذين فروا بعد بداية الحرب كان في ظنهم أن الزمن لن يطول عليهم حتى يعودوا، وكانت الغالبية العظمى بدون مهارات تساعد على العمل في العواصم التي فروا إليها، وكانت مدخراتهم تتضاءل مع الأشهر والسنوات.

قلة منهم كانوا قادرين على استمرار تحمل الأعباء كرجال الأعمال والتجار أو المسؤولين الكبار الذين كانت لهم إما مدخرات كافية أو استثمارات تدر عليهم ما يحتاجونه.

هناك طبقة أخرى طفيلية خرجت من اليمن بحثا عن المال والاستفادة من مكاسب الحرب، وهي الفئة الأكثر قلقا من انتهائها والأعلى صراخا لضرورة مواصلتها لأنهم يدركون أن عودتهم غير ممكنة ودخلهم الشهري مرتبط باستمرار الدماء والدمار.

ولأجل تدبير أوضاع بعض المحظوظين تم ابتكار مسميات وظيفية في السفارات لاستيعابهم وأقاربهم من أصحاب الحظوة والقرب من مكتب الرئاسة خصوصا، والذين ينظر إليهم بالرضا أو كانوا من القادرين على إيصال رغباتهم إلى الرئيس.. فصار في السفارات ملحقون صحيون وملحقيات فنية وموظفون لمتابعة حالة حقوق الإنسان وآخرون كعلاقات عامة واستدعي متقاعدون وتم تعيين أقارب وأصدقاء!

في الأحوال الطبيعية لم تكن السفارات قادرة على تحمل نفقات التشغيل الضئيلة ولم تكن تستطيع مواجهة كل ما تتعرض له من ضغوط ومطالبات إلا في أدنى الحدود، ولا أقصد هنا أن تتخلى عن مسؤولياتها والتي من أجلها تم ابتعاث الدبلوماسيين للخدمة فيها.

حتما إن أحوال الدبلوماسيين وأسرهم أفضل بما لا يقاس عن عشرات الآلاف الذين انقطعت بهم السبل، لكن الكثيرين يتوهمون أن السفارات لديها فائض مال تستطيع أن تقدمه لكل مضطر.

بينما الخلل الحقيقي ليس في السفارة ولا في وزارة الخارجية.. إنه في جهاز الشرعية الرخوة الذي تم اختصاره في مراسلات بين مكتب الرئاسة المنفرد بكل صغيرة وكبيرة والحكومة المنشغلة بإعداد مصفوفات وإصدار بيانات سمجة والتقاط صور ملونة!

السفارات تمت إضافة أعداد لا حاجة لهم عبر توصيات أرسلت بالواتساب أو مكالمات تلفونية أو أوامر تبدأ ب(بحسب توجيهات فخامة الرئيس حفظه الله)، والمشترك في أغلب هذه التعيينات أنها كانت مناطقية وعدم اشتراط الكفاءة في أدنى حدودها.

الخارجية نفسها بها جهاز أعجز بقدراته النفسية والشخصية من مواجهة هذا التغول عليها ولا عنده قدرة مقاومة وصار مجرد مكتب تابع لمكتب الرئاسة حتى في الشؤون الإدارية والمالية، وكبارها مبتهجون أنهم صاروا يسافرون بالدرجة الأولى وتظهر صورهم في وسائل الإعلام، وانشغلوا بترتيب أوضاع أسرهم وزملائهم السابقين تهيئة لتقديم طلبات اللجوء!

الخلاصة أن الوباء مشترك والسفارات أغلبها مظلومة وعاجزة ومفلسة، وانتقادها يجب أن يأخذ في الاعتبار أن الرئاسة والحكومة هما المسؤولتان كما ليستا أفضل ولا أقدر ولا أكفأ ووزارة الخارجية صارت ملطشة الجميع.. والكل يجمعه الفشل!