كتابات وآراء


الخميس - 12 مارس 2020 - الساعة 01:17 م

كُتب بواسطة : مروان الجوبعي - ارشيف الكاتب



    
لم تعد العطسة رحمة ربانية كما كان يصفها الناس من قبل، ولم يعد يحظى صاحبها بالدعوات، بل صارت اليوم وكأنها قنبلة تثير الرعب والهلع.

وبلا سبب منطقي صار الناس يتهكمون على صاحبها وتنهال عليه نظرات النبذ والتقزز.

اليوم عليك أن تقمع العطسة كي تتجنب التعليقات الجارحة والنظرات المؤذية التي تستفز مشاعرك وتثير غضبك. 

عليك أن تكتمها داخلك دون أن تسمح بخروجها لأنك تعيش وسط مجتمعات عنصرية موبوءة بالعدائية المفرطة وقد وجدوا الذريعة الكاملة لممارسة سلوكهم المؤذي ولن يعذرك أحد حتى وإن كانت العطسة وليدة الصدفة! 

سواءً كنت تعاني من حساسية عادية، احمرار بالأنف، نزلة برد عابرة، ارتفاع  طفيف بدرجة الحرارة، أو من الإرهاق العادي جراء ضغط العمل.. متى ما وجدت نفسك بهذا الحال عليك أن تلزم منزلك لتتجنب الأذى الذي قد يطالك دون مراعاة لمشاعرك. 

أما إن كان وجهك بملامح صينية فهذا أمر بالغ الخطورة وعليك أن تدفن نفسك بأقرب قبو لتنجو.

وإن اقتضت الضرورة خروجك إلى الشارع فعليك أن تضع قناعا لتتمكن من التجول بالمدينة واستخدام التاكسي والمواصلات والنزول بالفنادق أو المطاعم والأماكن العامة.

كن حذرا، وقبل أن تتنبه للفيروسات الطارئة والأوبئة، قبلها عليك أن تحسب حساب الوباء المزمن الذي يسكن عقول وقلوب البشرية والذي قد يعرضك لأقسى أنواع الأذى والإهانات. 

لم تشفع لذلك الرجل الصيني تلك الأناقة التي كان يبدو بها، لمجرد نزوله ضيفا على القاهرة، كانت ملامحه سببا كافيا ليصبح عرضة للتهكم والازدراء، كانت سببا كافيا ليقذفه المارة بالبذاءات ويرميه سائق التاكسي في الشارع ويلاحقه الأغبياء بالكاميرات وكأنه ارتكب جريمة شنيعة.

كل هذا حدث بسبب ملامحه فقط، لم يكن يبدو عليه المرض ولم يعطس بعد! 

لم تشفع له عظمة الشعب الصيني وعبقريته وابتكاراته التكنولوجية وأفضال دولته التي منحت الأغبياء فرصة ليطاردوه بهواتفهم الذكية المصنوعة بأيد صينية..

يطاردونه ليصوروه وهم يتهكمون عليه ويسخرون منه ثم ينشرون تلك التصرفات القبيحة على الانترنت ليكون العالم شاهدا على حقارتهم وقبحهم، ويعتقدون أنهم بتلك السخافات يصنعون ابتسامة وينشرون مادة للتسلية!

لم يكن هذا "الفيروس" القاتل مجرد وباء عابر، بل جاء وحرك المياه الآسنة في شوارعنا فنبش تلك الروائح النتنة التي فاحت سريعا.. جاء ليعري مجتمعاتنا ويظهرها على حقيقتها.  

لم أنس بعد حينما أوقفني عسكري ذات يوم بحجة أنني لم أربط حزام الأمان، حينها وبخني قائلا "يماني وكمان تخالف!". 

لذا أنا اليوم أعيش منذ الصباح بحالة توتر وقلق، أخشى أن تباغتني عطسة على غفلة، فيوبخني الآخرون بازدراء "يماني وكمان يعطس!".

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك