تحليلات سياسية

الإثنين - 09 أكتوبر 2017 - الساعة 07:13 م بتوقيت اليمن ،،،

((المرصد))خاص:

بات رئيس الحكومة اليمنية المعين من هادي أحمد عبيد بن دغر يقدم نفسه كرئيس بديلا لهادي الرئيس الشرعي والمعترف به دوليا، في اعقاب وعود تحصل عليها بن دغر من بعض الاطراف الدولية واليمنية وكذا من الانقلابيين الذين يرون بن دغر الرجل المحايد ان لم يكن رجل صالح الأول الهارب الى حضن الشرعية.

من حضرموت شرق العاصمة عدن، قال بن دغر في حضور جماهيري ورسمي "اهديكم تحيات فخامة الرئيس علي عبدالله صالح"؛ وحين ضجت القاعة بالصراخ عاد ليبرر "لا يزال معشعش في رؤوسنا". سرب الحضور الكلمة الى الخارج فسرعان مع تحولت عشعشة صالح في رأس بن دغر الى مادة ساخرة، أكد مغردون وناشطون على ان تلك التصريحات كشفت عن ما يخطط له بن دغر. 

اطراف دولية ومحلية رشحت بن دغر لخلافة هادي في منصب رئاسة اليمن، فهادي الذي تراه السعودية بالرجل الفاشل الذي تمكن الاخوان من الاستحواذ على القرار الرئاسي لا يستطيع عمل اي شيء على الأرض، فيما يقدم بن دغر نفسه كرجل مؤتمري مناهض للإخوان وقطر ويقترب أكثر من التحالف العربي بقيادة السعودية أملا في الحصول على تزكية ليكون رئيسا توافقيا للمرحلة المقبلة، الى ان تتم انتخابات رئاسية جديدة، يعتقد المخلوع صالح انها الفرصة الأخيرة لاستعادة الحكم. 

وترى العديد من المصادر ان وصول بن دغر الى رئاسة اليمن يعني عودة الحكم لصالح، فالقيادي المؤتمري الذي ظل ملازما لصالح طوال حكمه ووفيا معه في اثناء الانتفاضة الشعبية التي اجبر الخليج على التدخل لإزاحة صالح من رئاسة اليمن. ففي التاسع من مارس أذار  من العام 2015م، هدد صالح باجتياح الجنوب في خطاب حرب كان في حضرة العشرات من ابناء مدينة تعز، وحين كان يتوعد صالح الجنوبيين بطردهم عبر البحر، كان بن دغر يضحك منتشيا بما قد يحقق صالح من انتصارات. 

وفجأة وبدون سابق انذار وجد بن دغر نفسه بعيدا عن معسكر الانقلابيين بعد ان نجح في الخروج من صنعاء صوب العاصمة السعودية الرياض، معلنا الولاء للرئيس هادي الذي سرعان ما اهداه رئاسة الحكومة اليمنية كتشجين للقيادات الموالية لصالح باللحاق بالشرعية المعترف بها دوليا. 

اتى هادي ببن دغر الى منصب رئاسة الحكومة خلفاً لرئيس الحكومة السابق خالد بحاح الذي شعر هادي ان الرئاسة في اليمن قد تذهب له فهو ايضا نائب للرئيس هادي، وهو القرار الذي اعتبره موالون لهادي بان الضربة التي وجهها هادي لبحاح في انها طموحه في رئاسة اليمن. 

اذن الرئاسة المقبلة قد تمنح لحضرموت للعديد من الامتيازات من بينها ترك الفرصة للحضارم لإدارة اليمن الموحد والجديد والذي من الاستحالة ان يطبق فيه مشروع الدولة الاتحادية، خاصة في ظل الرفض العارم لها شمالاً، لكن بن دغر يحاول تطبيقها في الجنوب وذلك من أجل القضاء على شيء اسمه قضية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، فالحكم الجديد مهمته نسف حدود الدولة بمشروع مرفوض جنوباً. وحتى الاقليم الذي اعلن انه سيتم فيه منح حضرموت حكم ذاتي بعيدا عن عدن، اعترفت الحكومة ان نصيب حضرموت من ثرواتها  20 % فقط، مع ذهاب منفذ الوديعة الى مارب وهو المنفذ الذي عائداتها تغطي احتياجات مأرب من كل شيء. 

يقيم بن دغر في قصر معاشيق بالعاصمة عدن، لكنه يتحرك في العديد من المدن الجنوبية بغية الحصول على مكاسب سياسية وشعبية، تجول بين الاحياء والتقاء بالمواطنيين وسلم عليهم، مقدما نفسه في صورة سالمين الذي حكم الجنوب واطيح به من الحكم بفعل تقاربه مع الخليج. 

في قاعة الاتحادية بقصر معاشيق،اعترف رئيس الحكومة اليمنية بأن مهمة القوات العسكرية التي يجري اعدادها في مأرب  بدعم قطري، ليست تحرير صنعاء وإنما اجتياح الجنوب للمرة الثالثة والسيطرة عليه، بعد الحرب التي نجح الجنوبيون وبدعم التحالف العربي من تحريرها بعد اجتياح ثانِ كان الهدف منه ليست السيطرة على الجنوب وباب المندب وساحل بحر العرب بل وتهديد الجوار في الخليج. 

وأكد بن دغر خلال احتفال بثورة 26 سبتمبر اقيم في قاعدة مغلقة بقصر معاشيق ان الحكومة تسعى لإعادة جيش مأرب الى عدن بدعوى توحيد الجيش اليمني، الأمر الذي ثار موجة من الجدل في الاوساط الجنوبية. وعد سياسيون وناشطون جنوبيون تصريحات بن دغر بأنه تؤكد رغبة صالح والقوى الانقلابية والإخوانية في اعادة احتلال للجنوب ونهب ثرواته. بن دغر الذي اعترف بأن صالح لا يزال معشعش في رأس يريد اكمال المهمة، فما فشلت فيه قوات الحوثيين وصالح يسعى لان تنجح فيه قوات الأحمر ومليشيات الإخوان في مأرب، والهدف مواصلة نهب ثروات الجنوب.   

وعبر ناشطون وسياسيون عن رفضهم تلك الخطوة التي تقوم بها الحكومة اليمنية، مؤكدين ان حصار عدن وحرمان اهلها من الخدمات الاساسية الهدف منها اجبار الشعب على القبول بمشروع الدولة الاتحادية المرفوضة شعبيا في الجنوب. وقال مصدر عسكري  "إن نائب الرئيس الأحمر بات يمتلك قوات عسكرية بالفعل في عدن وأغلب جنودها (شماليين)، اما الحديث عن قوات عسكرية في مأرب فالمهمة ليست صعبة.  وأكد "أنه سبق ووصلت قوات عسكرية وأسلحة ومركبات إلى عدن خلال الأشهر الماضية إلى عدن".  واثارت التصريحات ردود فعل جنوبية واسعة، عبرت عن رفض شعبي لأي قوات شمالية قد يتم جلبها إلى عدن. 

وقال الصحافي ياسر اليافعي رئيس تحرير يافع نيوز " دعوة بن دغر عودة القوات الشمالية الى عدن، امر خطير وكارثي وتجاوز فيه كل الخطوط الحمراء ، الرجل صدق نفسه وما جعله يتمادى هو غياب المجلس الانتقالي الجنوبي عن المشهد حالياً ووقف التصعيد ".  وقال اليافعي "إن دعوة بن دغر خطير للغاية ومن يبررها ساذج ولا يعي خطورة مثل هذه الدعوات، او انه شريك في عودة الجنوب الى احضان الشمال مرة أخرى ".. مشددا على أهمية التصعيد الاعلامي والشعبي امر ضروري جداً للحفاظ على تضحيات الشهداء والانتصارات التي تحققت". 

واعتبر الصحافي باسم محمد الشعيبي " تصريحات بن دغر التي تتحدث عن حل القوات الامنية الجنوبية واعادة تشكيلها بدمجها مع قوات شمالية وتشكيل قوة يمنية موحدة هي جس نبض وفي حالة الصمت ستدشن الاجراءات العملية لذلك ".  وقال الكاتب والباحث الجنوبي سعيد بكران "بن دغر عينه على قوات النخبة في كل من شبوه وحضرموت، هذه القوات يريدون تحطيمها تحت ذريعة الدمج ويريدون الاستيلاء عليها تركيز الجزيرة خلال الأيام الماضية على نخبة شبوه ليس مجرد عمل اعلامي، وهو دشن بالفعل اثناء زيارته الأخيرة تحركات لدمج النخبة في قوات منطقة طيمس". 

وقال نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك"نعتبر كلام بن دغر في إعادة قوات شمالية للجنوب تهديد مباشر للجنوب وأهله، ونحذر كل الحذر من مغبة هذا التصريح المستفز وعلى التحالف تدارك الأمر". وأضاف بن بريك "‏أخرجنا الجيش الشمالي بدماء طاهرة ووصلنا أرضه ونطهر أرضنا من خلاياه الداعشية، فلا يستفزنا أحد من قدم الشهداء والجرحى فنحن مستعدون نعيد الكرة". 

وقالت مصادر سياسية مقربة من الرئيس هادي ان تصريحات بن دغر الأخيرة تعد تجاوزا لصلاحيات الرئيس هادي، وان بن دغر يقدم نفسه كقائد اعلى للقوات المسلحة. واتهمت المصادر بن دغر بالسعي للإطاحة بالرئيس هادي وتقديم نفسه له، مؤكدة ان قوى معادية للشرعية وعدت بدعم بن دغر لرئاسة اليمن. وربطت المصادر بين تصريحات بن دغر والهجوم الاعلامي على قوات الحزام الأمني التي تقاتل في أبين عناصر تنظيم القاعدة.  وقال مصدر في الرئاسة "ان هناك من يحاول اقحام الرئيس هادي في مشاكل مع التحالف العربي وخاصة دولة الامارات العربية المتحدة التي تعمل في عدن على تأمين مدن الجنوب المحررة. 

وكشفت مصادر رئاسية عن معلومات هامة تتعلق بتصريحات بن دغر حول إعادة قوات شمالية الى عدن، وعلاقة ذلك بخلافه مع الرئيس عبدربه منصور هادي، ويسعى ليكون بديلا عنه. وقالت المصادر، (وفقا لوسائل إعلام جنوبية) إن تصريحات بن دغر جاءت عقب وعود من الاخوان المسلمين بدعمه ليكون بديلا عن الرئيس هادي او يتم منحه صلاحيات رئاسية كاملة. وأضافت ان بن دغر لم يحدد بتصريحاته القوات الشمالية التي يريد ان يدمجها بمعسكرات عدن، وترك الأمر مفتوحاً، حيث يقرأ من خلال تلك التصريحات انه ربما يقصد قوات الحوثيين وصالح، وسبق ان هدد في كلمة سابقة له بأنهم لا يبعدون سوى 100 كيلوا متر من عدن. 

وأشارت المصادر، ان كلمة بن دغر التي القاها جاءت اليه جاهزة من احد قيادات الاخوان، وفيها اشارات عن علاقة علي محسن الاحمر بها، والتي تحمل أيضا احتمال ان يقصد دمج قوات الاخوان المسلمين بمأرب ويحضرها الى عدن، حيث ان تلك القوات فاشلة ولم تستطيع تحرير صرواح او التقدم بجبهة نهم، وغير مقبولة بتاتاً لدى السكان بالجنوب. وأكدت المصادر الرئاسية، ان تصريحات بن دغر التي استفزت مشاعر المقاومين الجنوبيين في كل جبهات القتال، بل استثارت كل الناس بالجنوب، انما يريد من خلالها الاثبات للإخوان بأنه سيكون معهم ضد الرئيس هادي في حال قرروا الإطاحة به، وإعلان موقف منه، بعد ان اصبح غير قادر على اصدار قرارات تغيير وتعيين اتباع لهم في عدن ومحافظات جنوبية أخرى. 

وأصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بيانا ردا على تصريحات بن دغر نشره الموقع الرسمي على لسان المتحدث الرسمي باسم المجلس سالم ثابت جاء فيه "هناك طريقان يبدو أن الأخ أحمد بن دغر رئيس حكومة الشرعية اليمنية يراهما طريقاً واحداً، ليس عن عمشٍ سياسي، لكن لأن له زاوية لا يرى العالم إلا من خلالها، هي أن كل الطرق تؤدي إلى صنعاء.   ولذلك فهو لا يرى تحرير صنعاء ومناطق اليمن الأخرى مقدماً على إعادة عدن ومناطق الجنوب الأخرى إلى باب اليمن من جديد، لأنه لا يعتبر ما حدث من تحرير جنوبي منذ 2015 تحريراً، وإنما عمليات مواجهة مع الحوثي فقط، متجاهلاً أن القوات التي كان يقاتل بها الحوثي هي ألوية الجيش اليمني الموالي للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح حليف الحوثي.   

ولذلك أيضاً فهو يوالي التصريح بعد التصريح حول واحدية الثورة والوحدة ومصفوفة الخطاب الرسمي الذي درجَ على ترديده بمناسبة وبدون مناسبة، وكان آخر تصريحاته المستفزة للجنوب الحر عن إعادة القوات (الشمالية) للتموضع في عدن وحضرموت ومناطق الجنوب الأخرى بعد أن تم دحر بعضها وهي تقاتل إلى جانب الحوثي، وبعد أن فر بعضها الآخر من ساحة المواجهة لأن المعركة الجنوبية لم تكن معركته. 

إن تصريحات الأخ بن دغر بقدرما تستفز الجنوب الذي كان ثمن تحريره دماء زكية وأحزاناً في كل بيت ودمار مازالت شواهده قائمة فإنه دعوة إلى تفجير الاحتقان جنوباً، مع أن المعركة الحقيقية لحكومة الشرعية في صنعاء ومناطق الشمال وليست في عدن.   إن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي لا ينطلق من ردود الفعل والانقياد للمماحكات، حرصاً منه على التمكين الجنوبي، لا يمكن أن ينجر إلى ساحة ليست هي ساحة المعركة الحقيقية، لكنه في الوقت نفسه لا يمكن أيضاً أن يسمح بعودة قوى عسكرية (معادية) للتخندق تحت عنوان الشرعية في أي منطقة جنوبية، فإن ذلك لا يعني سوى تسليم الجنوب وإخضاعه للقوى التي تخلّص من هيمنتها العسكرية وسطّر ملحمة تحرير حقيقية مشهودة.   

وعليه فإن المجلس الانتقالي الجنوبي يعبر بشدة عن: 
 
1- رفض أي عودة لوحدات شمالية عسكرية إلى عدن والجنوب عامة وأي خطوات في هذا الاتجاه ستواجهها الإرادة الحرة لشعب الجنوب وتسقطها مثلما أسقطت مليشيات الحوثي وقوات صالح الغازية. 

2- قوات النخبة والحزام لا تهدد الأمن بل تثبته ولقد حققت نجاحاً لم تحققه محاور عسكرية وأجهزة أمنية وقوات خاصة تابعة للشرعية اليمنية عجزت عن أن تضبط مطلوباً أو تثبت الأمن في شارع. ما يعني أن استهداف هذه القوات الامنية هو استهداف لجهود مكافحة الإرهاب او هو شكل من أشكال المساندة للقوى التي تدافع عن الإرهاب. 

3- أن تكف حكومة الشرعية عن استفزاز الجنوبيين بهذه التصريحات التي تقفز على الواقع ومتغيراته على الأرض ذلك أن منح حكومة الشرعية فرصة لمراجعة أدائها لا يعني قبولنا بهذه الاستفزازات فشعب الجنوب ومجلسه الانتقالي على درجة عالية من الحرص على أمن الجنوب وتجنيبه أي صراع، فمن يريد أن يفرض أمراً ما فالأولى به أن يفرضه على الانقلابيين في صنعاء وليس في الجنوب القادر على حماية مكتسبات الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية. 

4- الإشادة بالأدوار المميزة لقوات النخبة والحزام في تثبيت الأمن ومكافحة الإرهاب، فهي الأمينة على كرامة الجنوب وشعبه، كما أنها الأمينة أيضاً على تضحيات شهداء الحراك والمقاومة الجنوبية الذين ارتقوا على درب العزة والحرية والكرامة، وليس من أجل الاتجاه عكسياً على طريق آخر يعيد الجنوب بعد تحريره إلى قوى الهيمنة اليمنية بمسميات جديدة ووجوه جديدة تجيد لعبة تبادل الأدوار بالتواطؤ حيناً وبالخديعة حيناً آخر.