الشأن العربي

الإثنين - 23 أبريل 2018 - الساعة 05:33 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/وكالات

أتفهم ما كان يحاول الرئيس دونالد ترمب قوله عندما أطلق تغريدته التي اكتسبت اليوم شهرة واسعة، السبت، وأعلن خلالها أن «المهمة أنجزت». ويقتضي الإنصاف توضيح أننا بالمجال العسكري غالباً ما نستخدم هذه العبارة للإشارة إلى الإنجاز الناجح لمهمة تكتيكية منفصلة.
ومع هذا، كان ينبغي للرئيس أن يعي أن عبارته هذه ستثير في أذهان الأميركيين صورة الرئيس جورج دبليو بوش الشهيرة بعد غزو العراق، وكان عنوانها الكبير العبارة ذاتها. وبمرور الوقت اتضح أن المهمة في العراق بعيدة كل البعد عن كونها قد أنجزت. وللأسف، فإن الضربات الجوية التي جرى شنها مؤخراً لم تقترب حتى من إنجاز المهمة الاستراتيجية الأوسع القائمة أمامنا داخل سوريا.
إن ما حققته الضربات بالفعل (التي جرت بالتعاون مع اثنين من حلفائنا المقربين: فرنسا وبريطانيا) كان إلحاق الضرر بقدرات النظام السوري بمجالات البحث والإنتاج والتخزين فيما يخص الأسلحة الكيماوية. وبالفعل، جرى تنفيذ الضربات بدقة شديدة على المستوى التكتيكي.
أما بالنسبة لما لم تفعله الضربات، فيمكن استعراضه على النحو التالي: التدمير الكامل لمخزونات الأسلحة الكيماوية لدى النظام السوري، وتدمير قدرة بشار الأسد على إنتاج مزيد من غاز الأعصاب، أو إعادة بناء قدراته على فعل ذلك، وتقليص قدرة النظام على نقل الأسلحة الكيماوية عبر الطرق أو السكك الحديدية أو جواً، وتدمير وسائل إيصال الأسلحة (القوات الجوية السورية التي تضم 250 طائرة) وتدمير منظومة القيادة والسيطرة التابعة للحكومة.
جدير بالذكر هنا أن جميع الإجراءات السابقة مسموح بها في ظل القانون الدولي، لكن الولايات المتحدة اتخذت قراراً حكيماً تمثل في شن هجوم أكثر تحفظاً (وإن كان ضعف حجم الضربة التي وجهتها العام الماضي باستخدام صواريخ توما هوك). ومن خلال اختيارهما شن هجوم أكثر تحفظاً، اتبع ماتيس والرئيس مساراً يسمح بمزيد من التصعيد إذا لزم الأمر، مع تعريض القوات الأميركية لأقل قدر ممكن من المخاطرة، وتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا أو إيران، والحد بأقصى صورة ممكنة من الخسائر غير المقصودة في صفوف القوات السورية.
ومع ذلك، يبقى ثمة تساؤل عالقاً حول ما جرى ذاك الصباح: ماذا لو أن الأسد لم يتوقف؟ كيف ستبدو الضربة التالية، وما المخاطر الإضافية؟
على صعيد العمليات، تتضمن الخطوة المنطقية التالية على سلم التصعيد العناصر التالية:
ـ حملة دبلوماسية لضم مزيد من الحلفاء (يتمثل حلف الناتو في المجموعة المحورية، مع احتمالات ضم دول عربية سنية، وربما أستراليا).
ـ الدفع بواحدة أو ربما اثنتين من حاملات الطائرات الأميركية إلى شرق البحر المتوسط أو الخليج العربي.
ـ شن هجوم سايبري ضخم لتعطيل أجزاء من الشبكة الكهربية السورية ومنظومة القيادة والسيطرة.
ـ شن هجمات صاروخية لتدمير الدفاعات الجوية السورية.
ـ انطلاق طائرات بطيارين من قواعد عبر أرجاء الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة لشن حملة قصف تمتد لعدة أيام ضد عشرات الأهداف.
ـ تركيز أصول استخباراتية كبرى ـ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والقوات الخاصة على الأرض ـ على المنطقة بهدف تقييم خسائر المعارك والمعاونة في الاستهداف الدقيق.
وبالتأكيد، ينطوي هذا السيناريو على مخاطرة أعلى بكثير عما شاهدناه خلال الضربة، وذلك لأسباب عدة: أولاً: أنه يدفع بأطقم جوية تابعة لدول حليفة في مرمى الدفاعات الجوية السورية والروسية، وربما يؤدي إلى سقوط أسرى وخسائر في الأرواح.
ثانياً: سيزيد عدد الدول المشاركة على الجانب الحليف للولايات المتحدة، ما يزيد من تعقيد العمليات على نحو بالغ. ثالثاً: من شأن ذلك توقف مفاوضات السلام الجارية بشكل كامل. رابعاً والأخطر: من المحتمل أن يسفر ذلك عن مواجهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وموسكو.
من ناحية أخرى، أمام الولايات المتحدة عدد من الأهداف الاستراتيجية داخل سوريا، على رأسها الاستمرار في السيطرة على أراضٍ من قبضة تنظيم داعش وتقليص تهديدات الإرهابيين للولايات المتحدة. ثانياً: فرض الأعراف الدولية المهمة التي تحول دون استخدام أسلحة الدمار الشامل. ثالثاً: تواجه المنطقة تهديداً حقيقياً من جانب السياسات التوسعية الإيرانية، ومن شأن ابتعاد أميركا عن المنطقة تعريض شركائها للخطر.
على الصعيد الإنساني، ينبغي أن نضطلع بأكبر مجهود ممكن للحد من المأساة الإنسانية القائمة في سوريا، التي خلفت 500 ألف قتيل، وأجبرت أكثر عن 10 ملايين شخص على الفرار من ديارهم. وتمثل هذه أهدافاً استراتيجية حقيقية، وعلى درجة كبيرة من الأهمية.
ولا يملك المرء سوى أن يأمل في أن يكون الأسد قد استوعب الرسالة الموجهة إليه، ويمتنع عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد أبناء شعبه. إلا أن الأمل ليس باستراتيجية يمكن الاعتماد عليها، وإنما تدعونا الاستراتيجية الحقيقية إلى مشاركة الولايات المتحدة داخل سوريا بالاعتماد على ما يصل إلى 5000 جندي أميركي (يبلغ عددهم فعلياً في الوقت الراهن قرابة 2000 ما يعتبر مستوى أقل كثيراً عن الـ150 ألف جندي الذين كانوا تحت قيادتي داخل أفغانستان منذ سنوات قليلة ماضية). ويتعين كذلك على الدول الحليفة لنا الضغط على المشكلات الاقتصادية التي تعانيها موسكو ـ التي لا تملك في الواقع المال الذي يمكنها من إعادة بناء سوريا تحت قيادة الأسد ـ لإجبارها على الدخول في مفاوضات حقيقية تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف فرض تسوية دبلوماسية. وتمثل البلقان منذ 20 عاماً نموذجاً جيداً يمكن الاعتماد عليه في هذا الأمر، وذلك عندما أصبحت روسيا نهاية الأمر جزءاً من الحل.
بوجه عام، يتعين على الولايات المتحدة إيجاد توازن بين القوة الخشنة المحدودة (أعداد صغيرة من القوات البرية والقوات الخاصة وهجمات سايبرية وهجمات بصواريخ طويلة المدى تصيب أهدافها بدقة)، والقوة الناعمة (الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية وبناء التحالفات للتشارك في التكاليف والرسائل الاستراتيجية). ومما سبق يتضح أن شن بضعة ضربات جوية دقيقة بعيد تماماً عن كونه إنجازاً مناسباً لإطلاق عبارة «المهمة أنجزت»، وإنما لا يزال يتحتم علينا فعل ما هو أكبر بكثير داخل سوريا.
*أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فلتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس
*بالاتفاق مع {بلومبيرغ}