تحليلات سياسية

السبت - 05 مايو 2018 - الساعة 05:29 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/خاص:

المشهد اليمني يتأثر بالمشهد الإقليمي والدولي ويعكس تلك التحالفات ويمكن للانتقالي ان يضع امامه خريطة للتوازنات في المشهد اليمني والمؤثرين فيه ويخطط للاستفادة من ذلك بحسابات الاطراف المعادية للقضية الجنوبية والقابلة بالحق الجنوبي ثم التصرف بضرب جهة ونصر جهة والالتزام بالاتجاه الذي ترجح الاحتمالات انتصاره وترجح ان في انتصاره فائدة للجنوب وقضيته وشعبه.

المشهد ومحركاته

زار الرئيس الأمريكي الجمهوري قائد الادارة الجديدة في العالم الرياض واجتمع بزعماء العالم الاسلامي، تلت الزيارة ضربة زلزلت المنطقة وغيرت تحالفاتها تمثل في عقوبات متلاحقة على جماعة الاخوان المسلمين وكل من يدعمها وثبت تورط قطر في ذلك فكانت المقاطعة من قبل حلف عربي قوي تقوده السعودية ومصر والامارات وطردت قطر من الحلف العربي الذي يخوض حربا في اليمن واتهمها بيان الطرد السعودي بانها كانت تتعامل مع الحوثيين حتى بعد عاصفة الحزم التي كانت جزءا منها.
تكون حلف جديد ايراني قطري تركي وهي دول عرفت برعاية حركات الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي فايران ترعى الحوثيين وحزب والله وجماعات شيعية اخرى تتبنى فكر الاسلام السياسي والامامة والمرشد وقطر وتركيا تتبنى جماعات لاسيما حركة الاخوان المسلمين وافرعها بالدول الاسلامية كأحزاب وجماعات ومنها فرع اليمن المتمثل بحزب التجمع اليمني للإصلاح.
مقابل هذا الحلف الاقليمي تكون حلف مصر المعادية لحركات الاسلام السياسي والامارات التي تعد ابرز محارب لهذه الحركات والارهاب اضافة الى المملكة العربية السعودية التي يتصدر المشهد فيها الشاب المعادي للإخوان محمد بن سلمان، بعد ان ازاح منه رجل الاخوان محمد بن نايف.
بناء على هذا التموضع الجديد للتحالفات في الاقليم مدفوعا بتحالفات عالمية جديدة كان هناك تموضع جديد للتحالفات في اليمن، المرآة التي تعكس كل تحالفات الاقليم منذ سنين، وهو البلد الفقير الشهير بالاستقطابات الخارجية لقوى فيه بعيدا عن الدولة الوطنية، فقد خرجت الاحزاب اليسارية في اليمن وعلى راسها الاشتراكي والناصري بما سمي مشروع "المشترك الجديد" لإنهاء تكتل "اللقاء المشترك" الذي سيطر به حزب الاصلاح على الحياة السياسية في اليمن منذ عقد من الزمان بعد مشاورات في مصر ورعاية من الحلف العربي وخرج صالح بعيدا عن الحوثيين بما سمي بمبادرة مجلس النواب التي نصت على تدويل الموانئ ومصالحة شاملة وحل سياسي في وضع يسعى العالم فيه الى تحييد ميناء الحديدة كمدخل لحل شامل في اليمن وهو ما يرفضه الحوثيون، وكانت خطوة صالح وحزبه تتماهى مع حراك الاحزاب اليسارية وهو ما يعني تقارب حزب صالح مع احزاب اليسار المقربة من التحالف العربي.
في المقابل قدم الاصلاح وشخصيات فيه مبادرات للتصالح مع الحوثيين وقبل الحوثيون تلك المبادرات بترحيب كبير وتفهم وهو ما يعني تقارب الاصلاح (اخوان مسلمون) مع الحوثيين (انصار الله)، والجماعتان مقربتان من رعاة الاسلام السياسي (ايران وقطر) اللتين عاد الدفء الى علاقتهما وعاد السفير القطري الى طهران واصبحت علاقتهما اقوى وانضمت اليهما تركيا.
ثم تجلت حركة اعادة التموضعات بخروج صالح واعلانه التصدي للحوثيين وموقف الشرعية (الاخوان) التي لم تحرك ساكنا سياسيا تجاه صالح كما لم تحرك القوات المحتشدة بمارب ساكنا لاستغلال اضطرابات صنعاء تماهيا مع توجه المملكة مثلا وهي تصرفات من الشرعية كانت ستبدو غريبة لولا معرفة التأثيرات على قوى الشرعية، فالشرعية التي يعد الاخوان المسلمون بحزب الاصلاح وشخصيات كعلي محسن الاحمر نافذين فيها لزمت موقف "قطر تركيا نحو صالح" بعدم مد اليد له كما لزمت موقف "قطر تركيا" نحو الحوثيين بعد ضربهم استغلالا لاضطرابات صنعاء نتيجة علاقة ايران بقطر وتركيا.
وكان الفرز الواضح بعد ان قام الحوثيون بقتل صالح وسط ارتياح الاخوان المسلمين الذين جاهدوا لـ"وأد" ارثه السياسي والعسكري غير ان التحالف العربي تنبه لذلك فقام بدعم ابن شقيقه طارق صالح الذي اصبح يقود جيشا محترفا في الساحل الغربي لليمن ويقدمه التحالف العربي كبديل للحوثيين والاخوان في شمال اليمن.
التحالف العربي الذي يديره قائد يرى في الحوثيين انصار ايران والاخوان انصار قطر وتركيا شرا واحدا لا يمكنه القبول بهما في مستقبل اليمن خاصرة السعودية الجنوبية.

خارطة التوازنات الداخلية

أدى مقتل علي عبدالله صالح إلى تغير خارطة توازنات القوى في اليمن؛ ويمكن الإشارة إلى أبرز تغيرات المشهد السياسي اليمني المتوقعة في عام 2018 فيما يلي:
1- ترتيبات ما بعد صالح: تتنافس الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي الانقلابية على استقطاب مَن تبقى من قيادات المؤتمر المقيمين في الأراضي الخاضعة للطرفين، فيما يجاهد حزب المؤتمر لاستيعاب صدمة مقتل صالح، عبر بروز دور نجله احمد علي سياسيا ونجل شقيقه طارق عسكريا، فالأول اصبح محطة لرسم المستقبل والتقى المبعوث الدولي وسفراء دول ووزراء، والثاني اصبح يقودا جيشا مؤهلا ويخوض معارك مدعومة بقوة من التحالف.
2- انقسام حزب المؤتمر:
أ) تيار المؤتمر الاصلي، مؤتمر صالح، وهو موال للسعودية ويقوده رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر الذي قال في ابرز اعلان عن ذلك التيار "ان أحمد علي عبدالله صالح منا ونحن منه، وعفا الله عما سلف"، وقال ان "الرئيس هادي ليس الا ناخب عادي في الحزب"، في تصريحات لصحيفة (اليوم السابع) المصرية في ديسمبر 2017. كما وجه رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر نداء إلى كل متردد أو حائر أو مصدوم من أعضاء حزب المؤتمر- على حد تعبيره- بأن يفيق من الصدمة، وينضم لركب المؤتمر الشعبي العام الموحد لمحاربة الحوثيين، وهذا التيار يدعمه التحالف العربي بقوة ويراه بديلا نزيها ومأمونا عن الحوثيين والاخوان في شمال اليمن.
ب) تيار المؤتمر المؤيد للإخوان وهادي وهو تيار يريد الاخوان ان يستخدمونه عبر الرئيس هادي لضرب اي محاولة لعودة اولاد صالح والتيار الاصلي للحزب ويقوده في الشمال علي محسن الاحمر مع من انضم من الحزب للسلطات في مأرب ابرزهم علي عفاش الذي عينه هادي قائدا لقوات الاحتياط (الحرس الجمهوري بعد الهيكلة) لقطع الطريق على طارق واحمد علي ويعمل له في الجنوب وزير الداخلية احمد الميسري الذي عقد مؤتمرا للحزب في عدن وأعلن تعيين هادي رئيسا له، بينما يقف خلف كل ذلك علي محسن الاحمر والاخوان.
جـ) تيار المؤتمر المؤيد للحوثيين وهو تيار يريد الحوثيون استخدامه ضد اولاد صالح والتحالف العربي، ويقوده صادق امين ابو راس وفيه عبدالعزيز بن حبتور رئيس حكومة الانقلاب.
3- تراجع الحوثيين: من المتوقع أن يشهد عام 2018 تراجعًا وضعفًا للحوثيين لعدة أسباب، منها: تحول أغلب قيادات المؤتمر إلى معارضين للحوثيين ورغبتهم في الثأر منهم والانتقام لزعيمهم متى سنحت الظروف، بالإضافة إلى أن دول التحالف قد حسمت أمرها بأن استخدام القوة هو الحل الوحيد لهزيمة الحوثيين وإفشال المشروع الإيراني في اليمن لما يمثله ذلك من تهديد حقيقي لدول المنطقة، خاصة بعد إطلاق الحوثيين الصواريخ على العاصمة السعودية الرياض.

تهديدات صواريخ الحوثيين

قامت جماعة الحوثي بخلق صراع داخلي طائفي، خاصة وأنها تقوم بتنفيذ أجندة إيرانية وتسعى لخلق نظام في اليمن يشبه ولاية الفقيه في ايران، وهو ما لا يمكن قبوله في ظل أغلبية سنية. ويستخدم الحوثيون بعض الادعاءات لتعزيز موقفهم واجتذاب مزيد من المؤيدين لأفكارهم، مثل أنهم مرتبطون بسلالة آل البيت.
كما تمثل جماعة الحوثي تهديدًا خطيرًا لدول المنطقة نظرًا إلى أنها امتداد لمشروع إيران الإقليمي، بالإضافة إلى تهديدها المستمر للملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب.
فعلى سبيل المثال، تعرضت المدمرة الأمريكية "يو إس إس مايسون" لثلاث محاولات لإطلاق صواريخ عليها من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في شهر أكتوبر 2016، وفي الشهر ذاته تعرضت السفينة المدنية الإماراتية "سويفت" لاعتداء أثناء قيامها بنقل مساعدات إنسانية ونقل المصابين للعلاج في دولة الإمارات العربية المتحدة.
يضاف إلى هذا تهديدات الحوثيين المستمرة بإطلاق الصواريخ الباليستية على الدول المجاورة، ويستخدم الحوثيون الألغام البحرية الطافية والغاطسة بصورة متزايدة لاستهداف سفن التحالف والسفن التجارية، وهو ما قد يمثل كارثة بيئية في حالة استهداف إحدى ناقلات النفط.
وقد صرحت قيادة التحالف الداعم للشرعية في نوفمبر 2017 بأن تهريب الأسلحة للحوثيين يتم من الأماكن المسيطر عليها من قبل حزب الله، مرورًا بسوريا والعراق ثم إيران، وفي النهاية يتم تهريبها بحرًا إلى اليمن، ويشير بعض المحللين إلى أن إيران كانت تستغل ضعف الرقابة على ميناء الحديدة لتهريب الصواريخ الباليستية في حاويات القمح والأغذية التي يصعب تفتيشها لصعوبة تفريغها بالكامل.
ومن المتوقع أن تتراجع حدة هذه التهديدات في عام 2018 مع سيطرة الحكومة الشرعية على الموانئ الرئيسية والتحكم في شواطئ البحر الأحمر، مما يحرم المليشيا من المنافذ البحرية ومن إيرادات الموانئ.

تهديدات (القاعدة)

على الرغم من تفكيك عدد كبير من معاقل تنظيم "القاعدة" في اليمن؛ لا يزال التنظيم قادرًا على الحفاظ على تمركز خلاياه في بعض المناطق في جنوب وشرق اليمن. وتشهد بعض المحافظات هجمات متتابعة للتنظيم، خاصة أبين وشبوة ومأرب والبيضاء وحضرموت ولحج، وعادة ما تركز هذه الهجمات على استهداف قوات الجيش والأمن.
وقد قامت الولايات المتحدة بشن 120 غارة على الأراضي اليمنية في عام 2017 للقضاء على أفراد التنظيم وقياداته في إطار الحرب على الإرهاب التي أعلنها "ترامب" في برنامجه الانتخابي، وذلك وفقًا لما أعلنه البنتاجون في ديسمبر 2017، وبالفعل تمكنت الولايات المتحدة من القضاء على عدد كبير من أفراد التنظيم وقياداته مثل: "أبو هاجر" مسئول دعاية التنظيم باليمن في هجمة لطائرة بدون طيار شرق صنعاء في ديسمبر 2017، و"أبو خطاب العولقي" أمير تنظيم القاعدة في اليمن في يونيو 2017، بيد أن بعض هذه الغارات قد تسببت في سقوط مدنيين، إذ صرح بيان صادر عن قيادة الجيش الأمريكي في فبراير 2017 بأن "بعض الغارات ربما قد تكون أسفرت عن قتلى وجرحى من المدنيين".
كما تمكنت الحكومة الشرعية بدعم من قوات التحالف من بسط نفوذها وإخراج عناصر تنظيم القاعدة من أبين وحضرموت، حيث توارى أفراد هذه الجماعة في مناطق نائية جبلية غير مأهولة، ومن الجدير بالذكر أن هجمات التنظيم قد تراجعت في 2017 مقارنة بالأعوام السابقة، وهناك تعاون وتنسيق حكومي واستخباراتي مع الولايات المتحدة لمواجهة هذا التنظيم، وإذا ما استمرت الحملة على هذه الجماعة بنفس الوتيرة فمن المتوقع إضعاف هذه الجماعة وتحجيم دورها خلال 2018.

خيارات الجنوب والانتقالي

الواضح مما سلف ان هناك تيارا مدعوما من التحالف العربي والعالم الغربي يتمثل في المؤتمر جناح احمد علي وطارق يريد التحالف العربي ان يضعه في قيادة شمال اليمن يقف مقابلا لجماعتي الاخوان المسلمين والحوثيين المدعومتين من قطر وايران وتركيا وبغطاء دولي روسي صيني نوعا ما، وتيارين مستخدمين ضعيفين للمؤتمر، وفي كل ذلك يتجلى الصراع.
التيار المدعوم من التحالف العربي يعمل بالتماهي مع المشروع العربي ليمن خال من جماعات الاسلام السياسي السنية (الاخوان) والشيعية (الحوثيون)، والتي تمثل اذرعا لأعداء التحالف (قطر ايران)، وهو تيار لن يخرج خارج الخارطة المرسومة عربيا لمستقبل اليمن: جنوب ليس فيه اخوان وشمال ليس فيه اخوان وحوثيون.
يقابل ذلك قوى تمثل الشرعية والاخوان لها مشاريع تدعم من قطر وتركيا وتتبنى مشروعا معلنا هو بقاء السيطرة المركزية عبر نظام من ستة اقاليم يقسم الجنوب الى اقليمين.
في هذا المشهد يمكن القول استراتيجيا ان المجلس الانتقالي نجح في المرحلة الاولى في اختيار الخيار المناسب وهو جانب التحالف العربي كما سمح بدعم تيار المؤتمر الذي يقوده احمد علي وطارق صالح من خلال السماح بمرور قواتهما من اراضي الجنوب، ثم اصر على ان تكون قواتهما في اراضي الشمال بسبب رفض الشعب، وهو ما تم، فحافظ المجلس على علاقته بالتحالف ولم يخسرها وفي ذات الوقت ابعد اي قوات شمالية عن اراضي الجنوب، حسب وعد رئيسه عيدروس الزبيدي.
في المرحلة التالية، كما هو واضح من خطط قيادة المجلس سيستمر هذا التماهي مع التحالف العربي الذي يصر على الحسم في الشمال ولن يكون الجنوب شريكا في رسم المستقبل الا بالشراكة في صنع النصر في الشمال وهو ما يتم من خلال مشاركة قوات المجلس والجنوب في معارك الساحل الغربي التي حققت انتصارا استخباراتيا وعملياتيا بقتل رئيس الحوثيين، صالح الصماد، ومن المتوقع ان تكون هي الجبهة التي ستحرر منها صنعاء، وحتى صعدة.