الشأن العربي

الجمعة - 11 أكتوبر 2019 - الساعة 01:38 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/ متابعات

في العشرين من يونيو الماضي، استيقظ الشارع التونسي على حزب جديد انضم للمشهد السياسي، وحمل اسم "السلم الاجتماعي" لمؤسسته هدى الكناني، وبعد 5 أيام من إعلان تأسيسه تغير اسمه إلى "قلب تونس" وأصبح المؤسس الجديد هو رجل الأعمال المشهور نبيل القروي، مالك قناة "نسمة".

وعبر "قلب تونس"، حقق نبيل القروي ما لم يستطع تحقيقه في حزب "نداء تونس" الذي كان عضوا فيه قبل أن ينسحب منه، فأعلن في الشهر التالي لتأسيس حزبه الجديد خوض الانتخابات البرلمانية، ثم ترشح هو في أغسطس للانتخابات الرئاسية.

وقوبل الصعود السريع والمثير لـ"قلب تونس" في المشهد السياسي بتهمة غسيل أمول، ومنع من السفر وتجميد ممتلكات واجهت رئيسه القروي، والسبب قضية قديمة تعود لعام 2017.

وقبل 10 أيام من بدء الحملة الانتخابية الرئاسية (23 أغسطس) اعتقلت السلطات القروي، الأمر الذي أثار تساؤلات القيادي في حزب "قلب تونس" حاتم المليكي بشأن تأثير السياسة على القضاء، قائلا: "التداخل بين ما هو سياسي وما هو قضائي في هذه القضية واضح جدا".

وأضاف المليكي، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية"، بمقر الحزب في تونس العاصمة، أن "كل المنظمات والأحزاب السياسية في تونس نددت بسجن القروي كمرشح للانتخابات الرئاسية خلال الدور الأول إلا حركة النهضة"، في إشارة ضمنية إلى أن الحركة تقف وراء سجن رئيس الحزب.

هل كسب من "المظلومية"؟

يقول البعض إن التوقيت "المريب" لاتهام وتوقيف القروي بقضية قديمة كان شاهدا فيها، وليس متهما، أكسبه وحزبه نوعا من التعاطف، الأمر الذي جعله يحل في المركز الثاني بالجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الشهر الماضي.

ومن المقرر أن يواجه في جولة الإعادة المرشح قيس سعيد أستاذ القانون المتقاعد الذي حل في المركز الأول، حيث حصل القروي على 15.6 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى، مقابل 18.4 بالمئة لسعيد.

وفي الانتخابات التشريعية، احتل حزب "قلب تونس" المركز الثاني بحصوله على 38 مقعدا.

ويقول المحلل السياسي خالد عبيد إن "إقبال عدد كبير من التونسيين للتصويت لصالح القروي وحزبه نابع من التعاطف والتضامن تجاهه (..) هم يشعرون بظلم واقع على الرجل لأنه يريد أن يحقق الرفاه للمهمشين والفقراء".

لكن المليكي ينفي استفادة القروي أو الحزب من هذه "المظلومية"، قائلا إن "المكسب السياسي الوحيد من وجود نبيل القروي في السجن كان لصالح خصومه، ولتقليص فوزه وحزبه في الانتخابات. إنها قضية سياسية وليست قضية فساد كما يروج لها".

وأضاف: "نبيل القروي كان متقدما على قيس سعيد طيلة أشهر. لكنه وصل للدور الثاني وهو الثاني في الانتخابات الرئاسية، وخسر ما لا يقل عن 7 نقاط، كما خسر إمكانية المشاركة في الحملة التشريعية لحزبه".

توجه اقتصادي

وعلى النقيض من ذلك يرى حاتم المليكي أن العوامل الرئيسة وراء "نجاح المشوار القصير لقلب تونس" التي مكنته بالفعل من التقدم في الانتخابات الرئاسية، تتلخص في برنامجه الذي يركز على "التوجه الاقتصادي".

ويركز حزب "قلب تونس" على الفقر باعتباره القضية الرئيسة التي تعانيها البلاد.

وقال: "نحن نؤمن بمبدأ تحسين الأداء والخدمات، وربط الديمقراطية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخلق فرص عمل، الموضوعات التي طرحها الحزب لم تكن سياسية لكنها حياتية، وهو الأمر الذي قوبل بإيجاب من قبل الناخبين".

وفي طريقنا إلى مقر الحزب الواقع في عمارة شمام نهج بحيرة أناسي الطابق الثاني ضفاف البحيرة تونس، ضللنا الطريق، فسألنا بعض المارة عما إذا كان حزب "قلب تونس" يقع بالقرب منا.

لم يتعرف أحد على اسم الحزب، لكنهم ميزوا اسم صاحبه، فسألوا: "تقصدين حزب نبيل القروي؟".

يقول المليكي إن شخصية نبيل القروي كرئيس للحزب كانت عاملا مهما في تصدر "قلب تونس" للمشهد السياسي، موضحا: "هو شخص معروف وناجح بين المواطنين، بالإضافة إلى عمله الكبير في مجال الإعلام وتجربته في المجال السياسي من خلال تأسيس حركة نداء تونس".

ويصف المليكي الصورة التي يحملها المواطنون عن "قلب تونس" ونبيل القروي بـ"الإيجابية"، قائلا إن رئيس الحزب لا ينتمي للعائلة الحزبية التقليدية التي أظهرت نتائج الانتخابات تراجع شعبيتها في الشارع التونسي وعدم التصويت لصالحها، وهو ما سمي بـ"التصويت العقابي".

وأضاف: "المواطن التونسي مستاء إلى حد كبير من محترفي السياسة، والعمليات السياسية العقيمة التي تتمثل في جدال وصراع، ومستاء من حصيلة 8 سنوات بعد الثورة، وممارسة سياسية لم تسفر عن تغييرات حقيقية".

وتابع: "من هنا جاء التصويت العقابي الذي كان سيتم سواء بوجود قلب تونس أو بدونه. تقييم أداء الائتلاف الحاكم عبر عنه المواطنون من خلال التصويت مرتين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. توجه المصوتون إلى صناديق الاقتراع بفكرة تغيير الأوضاع. وكانوا يبحثون عن الطرف الذي سيتحمل تغيير الأوضاع".

يذكر أن النجاح الذي حققه حزب قلب تونس الجديد على الساحة السياسية جاء في ظل تدن في نسبة الإقبال على التصويت، حيث بلغت 45 بالمئة في الدور الأول للانتخابات الرئاسية، مقارنة بنسبة 63 بالمئة في انتخابات عام 2014.

وفي الانتخابات التشريعية بلغت نسبة التصويت 41 بالمئة، مقارنة بنسبة 61بالمئة في انتخابات عام 2014، وتوضح هذه النسب إقبال الناخبين على التصويت في الانتخابات الرئاسية مقارنة بالتشريعية.

ويرى المحلل السياسي خالد عبيد أن الصعود السريع لحزب "قلب تونس" في المشهد السياسي يعود إلى إدراك القروي "المبكر جدا" لضحايا الأزمة الاقتصادية المتراكمة والمتفاقمة في البلاد، و"هؤلاء هم المهمشون، والطبقات الفقيرة التي تزداد فقرا، كذلك الطبقة الوسطى التي انتقل أكثر من ثلثها إلى الطبقة الفقيرة".

وأضاف في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية": "الدولة التونسية بعد 2011 أهملت الجانبين الاجتماعي والإنساني، ولم تعمل على تحسين الأوضاع المعيشية خاصة المتعلق منها بالصحة والتعليم، وهذا ما عمل عليه حزب قلب تونس ومن قبله نبيل القروي الذي استغل هذا الفراغ، وتمكن من جذب شعبية كبيرة في كامل تونس".

وفي شارع الحبيب بورقيبة، أشهر شوارع العاصمة تونس، استطلع موقع "سكاي نيوز عربية" آراء عينة عشوائية عن حزب القروي.

وعلى أحد المقاهي، تحدث إلينا شاب جامعي (24 عاما) يدرس القانون، وشارك في الدور الأول للانتخابات الرئاسية والتشريعية، ويرى أن شهرة حزب "قلب تونس" نابعة من شهرة رئيسه، قائلا: "نحن نعرف نبيل القروي الذي يمتلك قناة نسمة وجمعية خيرية أيضا".

ويمتلك القروي تلفزيون "نسمة"، وهو منفذ إخباري تونسي يحظى بمتابعة المشاهدين أكثر من غيره، وتبث المحطة التلفزيونية محتوى داعما لحزب "قلب تونس"، فيما يقول المحلل السياسي خالد عبيد إن قناة "نسمة" مكنت نبيل القروي من توصيل صوته للفقراء والمهمشين.

وليس لتلفزيون "نسمة" ترخيص رسمي، لكن القروي تجاهل أوامر السلطات المنظمة لوسائل الإعلام في تونس بالتوقف عن البث، وقال إن هذه المطالب لها دوافع سياسية.

وقضت المفوضية المستقلة للانتخابات بأن من حق القروي استخدامه لتلفزيون "نسمة" غير المرخص، وأن ذلك لا يعد إخلالا يستوجب شطبه من قائمة المرشحين.

رجل متقاعد شارك في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، قال لموقع "سكاي نيوز عربية" عن حزب "قلب تونس": "مش معروف برشا (ليس معروفا على نطاق واسع) أعتقد أنه ظهر في السنة الأخيرة، لكن رئيس الحزب معروف منذ سنوات بسبب قناة نسمة. الشعب التونسي كله يعرف نبيل القروي".

ويضيف الرجل: "غالبية من انتخبوه يشاهدون دائما قناته التي أثرت بطريقة مباشرة في توجههم الانتخابي. لولا نسمة لما وصل نبيل القروي للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية".

وأسس القروي جمعية خيرية للعمل على التخفيف من الفقر، تدعى "خليل تونس" على اسم ابنه الذي توفي في حادث سير، ويقول عبيد إن الجمعية حققت بعض المكاسب للطبقات المهمشة والفقيرة.

وكانت قضية الفقر محورا أساسيا في تغطية تلفزيون "نسمة" الذي يبث تقارير تنتقد الحكومة، ويدعم أعمال القروي الخيرية.

والأربعاء أخلت السلطات التونسية سبيل القروي بعد أن قضى فترة الدعاية الانتخابية في زنزانة بالسجن بتهم تتعلق بالفساد.

ويقول المحلل خالد عبيد: "نبيل القروي اعتمد في برنامجه ودعايته على كيفية محاربة الفقر والتهميش من أجل تحسين نمط العيش في تونس، وهذا يتطلب منه أن يكون قريبا جدا من المواطن (..) هذا ما نجح فيه القروي وفشلت فيه البقية".