اخبار وتقارير

الجمعة - 08 نوفمبر 2019 - الساعة 08:25 م بتوقيت اليمن ،،،

تقرير/ حسين حنشي

وقّع أمس الأول الثلاثاء اتفاق بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي أنتج وضعًا جديدًا في علاقة الشمال بالجنوب لم تكن موجودة منذ تحقيق الوحدة عام 1990م.

وانتزعت القيادة الجنوبية من القوى اليمنية التي تمثلها الشرعية الحالية ومثل الاتفاق انكسارًا حتى لسيطرة المركز المقدس في الهضبة الشمالية على اليمن الأوسط لقرون وعلى الجنوب منذ تحقيق الوحدة.

الاتفاق كان سابقة، حيث هي المرة الأولى أن يحدد فيها الجنوب شروط اللعبة وخطوط المشهد السياسي في اليمن عبر فرض شروطه بعد أن كانت الهضبة ترسم والكل ينفذ!

بينما تراجعت القوى العتيقة في اليمن المسيطرة منذ قرون إلى الخلف حتى على صعيد العلاقات مع الإقليم والعالم!



مكاسب الانتقالي والجنوب

دائما السياسة هي فن الممكن والواقعي، ومن يعمل بغير ذلك لا يحقق أي انتصار سياسي، وما تحقق للجنوب بهذه الحسابات وفي هذا الوضع من يقول: يعني نعيد الحكومة؟ ما إعلان استقلال اليوم؟ هل هناك إجراءات عسكرية وأمينة ليست لصالح الجنوب؟.. قد يجد البعض صعوبة في فهم المكاسب الكبيرة العميقة التي كسبها الجنوب!

بعيدا عن لغة الدعم المعنوي التي تتبع قبل التوقيع حتى تبقي الشعب في معنوية عالية وبكل واقعية، الآن بعد التوقيع يمكن قول التالي:

1)كان بإمكان التحالف الوقوف ضدنا عسكريا واعتبارنا متمردين وأن يقصف بطائراته قواتنا ومقراتنا ولن يحاسبه أحد، وسيدمر كل شيء بنيناه وينتهي الأمر!

2)كان بإمكانه ترك القوى الشمالية والجيش المكدس بمأرب لخوض حرب لمدة سنة سنتين ضدنا حتى ينهينا عسكريا ويسيطر على كل شيء ولن يلوم التحالف أحد إن أراد ذلك من العالم!

حقيقة لم يكن لدى الجنوب ترف المناورة عسكريا وسياسات، وكان بالإمكان أن ينتهي كل شيء بناه عسكريا وسياسيا ونخبويا وإعلاميا وأن تأتي الحكومة بحدها وحديدها مثل عام94م ويدخل الجنوب في سبات عقود حتى نستطيع العودة!

الصدق وبكل شفافية لم تكن قوى الشمال مضطرة لحوار جدة أبدا وليس في صالحها لكنه فرض بأمر التحالف وهذا أهم مكسب ناتج عن علاقات المجلس بدول الإقليم.



الحوار أنتج التالي للجنوب:

1) حافظ على قوات الجنوب، وباتفاق يحميها من أي مس بل ويرسمها.

2) حافظ على كيان المجلس الانتقالي وباتفاق يرسمه.

3) فرض شروط الجنوب رغم انه عسكريا وسياسيا لم تكن مؤهلين لفرض شيء حقيقة وغير الحكومة وأدخل الانتقالي فيها.

4) والأهم من كل ذلك فرض الانتقالي طرفًا في مفاوضات الحل النهائي مع الحوثيين مع حق الاعتراض على أي شيء يمس قضية الجنوب.

وحتى النخبة وشبوة التي خسرناها ستعود بفضل الاتفاق ويبعد خصوم الجنوب.

أي قائد حقيقي يشرف على التفاصيل في المرحلة الماضية ويعرفها يعي أن الجنوب والانتقالي كان على أعتاب مرحلة خسارة كل شيء وضياع كل شيء؛ لهذا أي تفاصيل عادية كتنازلات تعتبر منجزاً طالما أبقى لنا الاتفاق مكتسبات ما بعد الحرب.

فموضوع الحديث وكأن الخيوط والأوراق كانت كلها بيد الجنوب، وهذا غير صحيح ويعد مزايدة سطحية على قيادة تعرف ماذا كنا نواجه عبر السياسة، وهي كما قلنا فن الممكن!

ومن المكاسب الاستراتيجية تحييد المرجعيات، فالشرعية أعلنت أن اتفاق جدة لا يمس المرجعيات والثوابت ولم ينص على إلغائها والانتقالي أعلن أن اتفاق جدة لم يمس ثوابت الجنوب ولا المبادئ العامة لثورة الجنوب والمبادئ العامة للانتقالي المعلنة، وهذا صحيح في الحالتين!

تم تحييد المرجعيات والثوابت العامة لأن هذا اتفاق مرحلي لا يناقش الأطر العامة لمستقبل البلد والسبب واقعي هو أن تحديد مستقبل البلد يعتمد كذلك على ماذا سيكون مع الحوثي؟!

نص بند في الاتفاق على: تأجيل النظر في الملفات الداخلية حتى الانتهاء من المعركة وتحرير صنعاء؛ لكن تحييد المرجعيات الآن يصب في مصلحة أي طرف من الطرفين؟

بواقعية وبحياد يصب في مصلحة الانتقالي بنسبة أكبر للأسباب التالية:

1) أي اتفاق مع طرف داخلي يحيد مرجعيات الشرعية ولا ينص عليها صراحة ويلغيها ببند فهو نسف عملي لها رغم كل النصوص.

2) أي تحييد لمبادئ الانتقالي وثوابته دون أن يكون هناك نص صريح لإلغائها يبقي القضية كما هي عمليًا فعدم الإلغاء صراحة هو (تثبيت).

3) ربط مناقشة القضايا الداخلية بنهاية الحرب بنص صريح هو ترك المجال لقضية الجنوب في نهاية المطاف حسب تلاقي مصلحة التحالف مع الجانب الجنوبي.

4) جعل الهدف الأول للاتفاق هو إدخال الانتقالي طرف له حق الاعتراض في التسوية الختامية مع الحوثيين يعني اتجاه سعودي لعدم تسليم الجنوب لإيران إذا كان ولابد من تسليم الشمال عبر الحوثي والإخوان بنهاية الحرب باتفاق سلام بضغط أمريكي.

هذه المكتسبات الاستراتيجية العميقة للجنوب. أما عن التفاصيل وهي مهمة كذلك فقد نص الاتفاق على:

عودة القوات التي (تحركت باتجاه) شبوة وعدن أبين منذ 10أغسطس. بمعنى أن تبقى القوات التي كانت في شبوة وأبين كحزام أمني ودعم وإسناد وأن تخرج القوات التي تحركت وهي هنا قوات من مأرب إلى شبوة وأبين وقوات من الساحل الغربي إلى أبين وهذا يعني عودة النخبة والحزام وخروج ما سواهما. نص على أن يكون الانتقالي ممثلا في لجنة رباعية تتكون من الإمارات والسعودية والشرعية أيضا إلى جانبه وأن تكون كل قرارات التعيين (بالتشاور معها) وهذا يعني حق الاعتراض للانتقالي على أي تغيير وظيفي أو تعيين. نص الاتفاق على أن تورد كل الموارد من جميع محافظات اليمن إلى البنك المركزي عدن وهذا يعني كسر احتكار مأرب لمواردها وتمردها على الدولة ونهب موارد الجنوب فقط. نص الاتفاق على ترسيم قوات الجنوب بحيث تصبح بعيدة عن الاستهداف القانوني المحلي والدولي كقوات خارج إطار الدولة وحفظها من الحل والتمزق وستبقى حسب عقيدتها العسكرية التي أنشئت عليها. وهذا أوجد بيئة تنتهي فيها الأحداث التي تؤثر على النسيج الاجتماعي الجنوبي طالما بقيت الصراعات داخل الجنوب خدمة لقوى اليمن حيث أن الاتفاق ينهي أي فرص صدام جديدة تنتج دماءً ودمارًا للنسيج الاجتماعي.


جلب مصالح الإقليم والعالم

أصبحت إيران وتركيا وقطر كقوى إقليمية هي الخاسر إقليميا من الاتفاق وأصبحت السعودية والإمارات ومصر وبقية الدول العربية المهمة في الإقليم هي الرابح منه والضامن له كما أن الدول التي تخاصم إيران وعلى رأسها الولايات المتحدة التي رحب رئيسها بالاتفاق وبريطانيا والاتحاد الأوربي من القوى المستفيدة من الاتفاق والتي تلتقي مصالحها مع مصالح الجنوب.

واعتبرت إيران الاتفاق استمرار للدور السعودي في اليمن عبر وكلاء، في إشارة إلى الانتقالي، وهذا يجعل من المملكة ظهيرًا للجنوب لتلاقي المصالح والمملكة هي أهم لاعب في رسم مستقبل اليمن ككل.

وبكل واقعية يمكن القول إن النسبة الأكبر من إنجازات الجنوب وقفت خلفها الإمارات بكل الأبعاد وهي الحليف والوفي والصلب للجنوب ومؤخرًا ضمت المملكة لذلك.

ويمكن القول إن القيادة الجنوبية أنجزت أهم منجز للجنوب وهي العلاقة السعودية الجنوبية؛ حيث أصبحت المملكة بعيدة عن القوى اليمنية العتيقة والإخوانية قريبة من الجنوب وكل يوم تزداد المملكة بُعدا عنهم وهذا يفسر الهجوم الإخواني على المملكة والاتفاق بشكل كبير.

ويمكن شرح تلاقي المصالح السعودية الجنوبية بالتالي:

بحساب منطقي المملكة ترتب لنهاية حرب اليمن، وطبعا بضغط دولي عبر مفاوضات يمنية وأمامها التالي:

1) طالما ليس هناك حسم عسكري ينهي الحوثي ويشيطنه شعبيا مثل الحروب الستة عليه سابقا فسيبقى قوة عسكرية والأخطر (سياسية)مستغلا صموده.

2) الطرف الآخر في الشمال الإخوان في الشرعية أصبحوا عدو المملكة الأول من تركيا حتى قطر، ودعك من قيادتهم المقيمة في الرياض وهم عدو عهد محمد بن سلمان الأول.

إذن إذا التقى طرفا الصراع الحوثي والإخوان المحرك الحقيقي للشرعية في غرفة مغلقة للتفاوض برعاية دولية فالنتيجة هي صفقة مستقبل يمني قريب من حلف تركيا وقطر وإيران وعدو المملكة وسيدعم أي اتفاق مفاوضات بقرار أممي ينهي قرار 2216 وينهي تفويض المملكة بالتدخل في اليمن.

وسينتج عن ذلك مستقبلا يمنيا يفوز به الإخوان والحوثي شعبيا في أول انتخابات قادمة وبالتالي وصول حلفاء إيران إلى المكلا وباب المندب وبطريقة شرعية ويصبح وزير الدفاع حوثيا والداخلية إخوانيا وبطريقة شرعية.

إذن هل على المملكة أن تمنح حلفاء إيران وتركيا الجنوب بجانب الشمال الذين يسيطرون عليه الآن؟!

الحل هو في دعم جنوب قوي وقيادة جنوبية قوية وتأمين الجنوب وترك الشمال لحلفاء قطر تركيا إيران اضطرارًا.

العقل والمنطق يقول كذلك؛ ولهذا سيدخل الانتقالي طرفا قويا في المشهد وطرفا في مفاوضات الحل النهائي عبر اتفاق جدة والانتقالي هو الطرف الذي تثق به المملكة؛ ولهذا على المملكة أن تؤمّن الجنوب وتدعمه، وهذا الذي يحصل.

لهذا يجب أن نكون مع علاقة قوية مع التحالف والمملكة لا تسمحوا لأحد أن يخيفكم من الدور السعودي وأنا هنا لا أتحدث عن حب وعلاقة عاطفية أو قومية بل عن تلاقي مصالح، وهذا الأهم .