تحليلات سياسية

الإثنين - 11 أكتوبر 2021 - الساعة 10:10 ص بتوقيت اليمن ،،،

(المرصد)متابعات

تنظيم القاعدة في اليمن، عُرف خلال العقود الثلاثة الماضية بأنه أشد فروع التنظيم تطرفاً في الجزيرة العربية، بالنظر إلى عملياته المكثفة التي ضربت المصالح الدولية في خليج عدن وبحر العرب، وأبرزها الهجوم على المدمرة الأمريكية "يو إس إس" كول، والسفارة الأمريكية في صنعاء، وغيرها من الهجمات التي وقعت خلال العقدين الماضيين، وصولاً إلى إقامة إمارات إسلامية بالتزامن مع الانتفاضة الشعبية ضد نظام علي عبدالله صالح، الرئيس اليمني الراحل الذي قتله الحوثيون في أواخر العام 2017م، عقب انقلابه على التحالف معهم.

"قاعدة اليمن"، وهو الاسم والمصطلح الأكثر شيوعاً، الذي يطلق على الأفغان العرب الذين تم دمجهم في الجيش اليمني (قوات الفرقة الأولى مدرع)، التي يقودها الجنرال علي محسن الأحمر، بعد عودتهم من القتال في جبال تورا بورا بأفغانستان، للمشاركة في القتال ضد نظام عدن (جمهورية اليمن الجنوبية الديمقراطية) الاشتراكي، الذي كان قد دخل في اتحاد هش مع الجمهورية العربية اليمنية، (نظام صنعاء)، في الـ22 من مايو (أيار) 1990م.

وقد استغل نظام صنعاء (حماسة الأفغان العرب) في قتال الاشتراكيين الجنوبيين، بإقصاء شريك "الوحدة"، وبدأ تنظيم القاعدة بتصفيات واسعة ضد المسؤولين الجنوبيين في صنعاء، حتى وصل إلى تصفية أكثر من 150 مسؤولاً مدنياً وأمنياً، وقد أدى ذلك إلى احتجاج رئيس نظام عدن، السيد علي سالم البيض، الذي غادر العاصمة اليمنية صنعاء احتجاجاً إلى عدن.

وقد دفعت أزمة التصفيات للجنوبيين إلى تدخل ملك الأردن الراحل "الملك حسين"، في وساطة توجت بتوقيع "وثيقة العهد والاتفاق"، إلا أن تلك الاتفاقية لم تر النور بفعل مواصلة الأفغان العرب مسلسل التصفيات والاغتيالات للمسؤولين الجنوبيين، وصولا إلى الحرب التي أعلنت يوم الـ27 من أبريل (نيسان) العام 1994م، على الجنوب واحتلال عدن يوم الـ7 من يوليو (تموز) من نفس العام.

وأكسبت معركة احتلال عدن، تنظيم القاعدة قدرة كبيرة في التجنيد، مستغلاً فتاوى أصدرها شيوخ إخوان اليمن "عبدالمجيد الزنداني وعبدالوهاب الديلمي"، والتي نصت على وجوب قتال نظام عدن على اعتبار أنه نظام اشتراكي يمثل امتدادا للاتحاد السوفييتي، والفتوى الدينية نشرت في الصحافة الرسمية والاذاعات بالإضافة إلى فتوى أخرى مشابهة نشرت في الصحافة الألمانية، اعتبرت سكان الجنوب "خارجين عن الدين الإسلامي، وأجازت نهب حقوقهم على اعتبار أنها غنائم حرب".

ومنذ منتصف التسعينيات، كان تنظيم القاعدة يشكل أقوى وأشد فروع قاعدة الجهاد تطرفا في الجزيرة العربية، بفعل التحالف المرحلي بين نظام علي عبدالله صالح (المؤتمر)، والإخوان المسلمين (الإصلاح)، وهو التحالف الذي تفكك مرحليا بعد وفاة الزعيم القبلي وأول رئيس لتنظيم الإخوان في اليمن، عبدالله بن حسين الأحمر، في أواخر العام 2007م، بعد أن كان "الأحمر" داعماً لصالح، ووجه قواعد الإخوان في العام 1999م، لانتخابات علي عبدالله صالح، وحذر من الخروج على توجهات الحزب.

وقد أطلق تنظيم الإخوان حملة إعلامية، قادها د. نجيب غانم سعيد رئيس الدائرة الإعلامية، تهدف إلى دعم انتخاب صالح رئيسا لفترة جديدة (دون شروط)، وكان الإخوان حينها يواجهون الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يطالب بتغيير صالح، على أمل إصلاح مسار الوحدة اليمنية، وقد نجح الإخوان في ذلك، وهذا النجاح مثل ضربة قاتلة للحزب الاشتراكي اليمني الذي فشل في تسجيل أي حضور سياسي بعدها.

وفاة زعيم إخوان اليمن، دفع التنظيم إلى الانشقاق عن تحالفه مع "علي عبدالله صالح"، وذهب إلى إبرام تحالفات مع أحزاب يمنية أخرى بمن فيها الحزب الاشتراكي اليمني، الذي سبق ووصف قياداته واعضاءه بأنهم "خارجون عن الدين الإسلامي"، وتوج بتحالف مرحلي أطلق عليه "اللقاء المشترك"، المعارضة لنظام علي عبدالله صالح، وعندها بدأت حرب "صالح" ضد تنظيم القاعدة، وقيادات الإخوان، حتى وضعت الولايات المتحدة الأمريكية الزعيم الديني لإخوان اليمن، الشيخ عبدالمجيد الزنداني على قوائم الإرهاب الأمريكية، لكن مع ذلك رفض صالح تسليمه لواشنطن، على أمل أن يتوقف الإخوان عن معارضته، وبالفعل استطاع (صالح) "لي ذراع الإخوان" كثيراً، لكنه منح الولايات المتحدة الأمريكية "الإذن"، بملاحقة عناصر تنظيم القاعدة في اليمن، وقد قتلت الولايات المتحدة بسلاح الدرون العديد من قيادات تنظيم القاعدة البارزين في شبه الجزيرة العربية.

وأبرز من قتلتهم الولايات المتحدة، المواطن الأمريكي "أنور العولقي"، الذي كان يصفه بالملهم الروحي لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، حين أغارت عليه أثناء تنقله بين مأرب وحضرموت في العام 2011م.

حاول الإخوان مع نظام صالح، وقف استهداف تنظيم القاعدة، ودعوا أكثر من مرة إلى وجوب الحوار مع التنظيم المتطرف وقياداته، وقاد الزنداني (شخصيا)، حوار مصالحة بين نظام صالح وتنظيم القاعدة، لكن الولايات المتحدة استمرت في قتل قيادات القاعدة، الأمر الذي دفع الإخوان إلى الخروج بتظاهرات ضد نظام علي عبدالله صالح، بدعوى أنه نظام فاسد، على الرغم من أنهم ظلوا في تحالف استراتيجي معه لنحو عقدين.

يصنف تنظيم القاعدة (محلياً)، على أنه الجناح العسكري لإخوان اليمن، ومع انقلاب المتمردين الحوثيين على نظام عبدربه منصور هادي (خلف صالح) في العام 2012، شارك تنظيم القاعدة بالقتال إلى جانب القوات الحكومية التي تتبع تنظيم الإخوان على اعتبار أنه الحزب الحاكم الذي أطاح بصالح وأتى بهادي رئيساً.

وحرض تنظيم القاعدة لنحو عام على قتال الحوثيين "على اعتبار أنهم روافض شيعة"، إلا أنه في العام 2016م، ومع وصول الزعيم العسكري الإخواني علي محسن الأحمر، إلى منصب نائب الرئيس، تراجع خطاب القاعدة المناهض للحوثيين، وتراجع فعليا القتال في العديد من الجبهات، ولم ينفذ التنظيم أي عمليات انتحارية ضد الحوثيين منذ ذلك الحين إلى اليوم.

وتحولت عمليات تنظيم القاعدة إلى ما يمكن وصفها بالعمليات الانتقامية ضد القوات التي شاركت في القتال ضد الحوثيين في عدن ومدن الجنوب الأخرى، لكن مع ذلك كان التحالف العربي بقيادة القوات المسلحة الإماراتية يقود معركة "حاسمة"، ضد التنظيم المتطرف بداية من عدن مرورا بلحج وأبين وصولا إلى شبوة وساحل حضرموت، والأخير كان "إمارة رئيسية لتنظيم القاعدة"، منذ ابريل (نيسان) 2015م، حين اجتاح الحوثيون مدن الجنوب، أسقط "القاعدة" ساحل حضرموت الغني بالثروات النفطية والموارد الاقتصادية الضخمة، دون قتال أو مقاومة من القوات الحكومية التي تفككت بفعل الانقلاب الحوثي في صنعاء.

وفي الثلث الأول من يونيو (حزيران) 2015م، وأثناء إعلان تنظيم القاعدة عن إمارة حضرموت (الساحل)، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في قتل قائد التنظيم والسكرتير الخاص السابق لأسامة بن لادن، ناصر الوحيشي الذي قتل بغارة لطائرة بدون طيار في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت الساحلية.

احتلال القاعدة للمكلا لم يستمر أكثر من عام، حتى قررت القوات المسلحة الإماراتية (الشريك الفاعل في التحالف العربي)، خوض معركة تحريرها بالاعتماد على قوات النخبة المحلية، وسلاح الجو الإماراتي، وبالفعل تم طرد القاعدة من المكلا مدينة سيئون الخاضعة لسيطرة قوات تدين بالولاء لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، وجزء من التنظيم فر باتجاه محافظتي مأرب والبيضاء، اللتين تخضعان لسيطرة الإخوان والحوثيين على التوالي.

في العام 2017، ومع نشوب أزمة خليجية وعربية مع نظام قطر، الراعي الرسمي للإخوان في اليمن، أبرم تنظيم القاعدة في اليمن صفقة تبادل معتقلين مع الحوثيين، وقد أفرجت الجماعة الأخيرة عن قيادات بارزة في تنظيم القاعدة، قبيل استعداد الإخوان لشن حرب مضادة للسيطرة على شبوة في أغسطس (آب) 2019م، قبل أن تظهر قيادات في تنظيم القاعدة وهي تقاتل في صفوف جماعة الإخوان التي عادت للقتال في الجنوب المحرر، بدعوى الدفاع عن شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي.

سيطرة إخوان اليمن على شبوة الغنية بالثروات النفطية، ساهمت بشكل كبير في عودة تنظيم القاعدة الذي نفذ العديد من العمليات باستهداف القوات الإماراتية والبحرينية العاملة ضمن التحالف العربي في شبوة، بالإضافة إلى استهداف حواجز أمنية لقوات الحزام الأمني المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي، ومثلت مناطق سيطرة الإخوان "مناطق آمنة لتحركات تنظيم القاعدة".

في أواخر يناير (كانون الثاني) العام 2020م، تعرض تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، لضربة قاتلة، هي أشبه بعملية قتل الوحيشي، حين نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في الوصول إلى مخبئ أمير القاعدة (الخلف) قاسم يحيى مهدي الريمي الذي ينحدر من منطقة علي محسن الأحمر (سنحان).

وقد أدت عملية قتل الريمي إلى تشتت قيادة تنظيم القاعدة، بعدها انقسم التنظيم الى تيارين الأول يتزعمه السعودي خالد باطرفي، والآخر يتزعمه أبو عمر النهدي، الذي يوصف بالمسؤول الشرعي في تنظيم القاعدة.

وتصاعدت الخلافات حين نصب خالد باطرفي نفسه زعيما لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية خلفا لقاسم الريمي، الأمر الذي دفع النهدي إلى الاعتراض على ذلك، ولا يزال تيار كبير من تنظيم القاعدة يرفض خلافة باطرفي، ويتزعم هذا التيار "النهدي"، ويضم قيادات بارزة في التنظيم منهم "أبو داود الشروري الصعيري، وأبو الوليد الحضرمي".

هذه الخلافات لم تستغل من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، فبعد انسحاب "الإمارات التي انسحبت من الملف اليمني بشكل كبير، توقفت جهود مكافحة الإرهاب تماماً، والرياض التي تقود أيضا تحالفا اسلامياً، لمكافحة الإرهاب، باتت مطالبة منذ مطلع مايو (أيار) الماضي، بالكشف عن مصير زعيم القاعدة خالد باطرفي، والذي قال تقرير للأمم المتحدة إنه تم اعتقاله في مدينة الغيظة بمحافظة المهرة في تشرين الأول/ أكتوبر العام 2020م، وقتل في تلك العملية نائبه سعد عاطف العولقي.

وكان التقرير الأممي الصادر عن الفريق المتخصص بمراقبة الجماعات المتطرفة، قد مثل أول تأكيد رسمي لاعتقال باطرفي بعد تقرير للمركز الأمريكي لمراقبة المواقع الجهادية "سايت" الذي أعلن في تشرين الأول/أكتوبر العام 2020م، أن باطرفي اعتقل على أيدي قوات الأمن اليمنية قبل أن يتم تسليمه إلى السعودية".

ولم تعلق السعودية على تقارير اعتقال باطرفي، قبل أن تبث قنوات يمنية إخوانية، تبث من تركيا، تقارير تزعم أن تنظيم القاعدة نفى اعتقال زعيمه خالد باطرفي ومقتل نائبه سعد العولقي.

وزعمت قناة المهرية الإخوانية "أن عملية المهرة (تلك) تمت بتخطيط سعودي، الهدف منه تصوير المحافظة بأنها حاضنة لجماعات إرهابية لتظفر بالدعم الأمريكي والدولي كغطاء لممارساتها ومطامعها التوسعية".

وعلى الرغم من التأكيدات بأن تنظيم القاعدة الذي تم طرده أو انسحابه مؤخرا من بلدة الصومعة في محافظة البيضاء، إلى شبوة ومارب، أصبح ضعيفا ومفككاً، الا ان مستقبله يظل مرهونا بالتحالف بين الإخوان والحوثيين، فالمصالح التي تتقاطع بين الجماعتين، ترى أنه من المهم إعادة ترتيب صفوف تنظيم القاعدة، وهو ما يؤشر على أن هناك أميرا للتنظيم قد يتم تنصيبه خلال الأشهر القادمة خلفا لخالد باطرفي، الذي يواجه معارضة شديدة من تيار النهدي.

وإذا نجح تنظيم القاعدة في إعادة ترتيب صفوفه، فالمسؤولية ستقع على عاتق "السعودية" المسؤول المباشر عن الملف اليمني، وتفكك التنظيم أو إعادة توحيد صفوفه "مسألة تحدد مستقبل التنظيم في الجزيرة العربية".

وجدية السعودية في مكافحة الإرهاب تبدأ من إيقاف الدعم المالي والعسكري لإخوان اليمن، خاصة وأن الدعم المقدم من الرياض لمحاربة الحوثيين، يذهب بشكل او بآخر إلى تنظيم القاعدة، وقد وضعت الخزانة الأمريكية مسؤولين بارزين في الحكومة اليمنية على قوائم الإرهاب بعد أن ثبت تورطهم في تمويل تنظيم القاعدة وفتح معسكرات للتدريب في مأرب والبيضاء.

وإيقاف الدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي السعودي عن الإخوان، خطوة مهمة، في فهم مستقبل التنظيمات المتطرفة، ويثبت جدية الرياض في محاربة التطرف، خاصة وأن الإخوان سبق لهم وأبرموا اتفاقية جديدة في شبوة، قضت بوقف أي مقاومة للحوثيين الذين سيطروا على أجزاء واسعة من المحافظة النفطية.

ويبقى التأكيد أن مستقبل تنظيم القاعدة في اليمن، يرتبط بشكل وثيق باستمرار اتخاذ السعودية "تنظيم إخوان اليمن"، كحليف محلي لمحاربة الحوثيين، والمبررات لفض هذا التحالف باتت متوافرة بشكل كبير، فالتنظيم لم يخض أي حرب حقيقية ضد أذرع إيران الذين تحاربهم السعودية، ناهيك أنهم سلموا مناطق وأسلحة التحالف العربي للحوثيين، بطريقة تكشف خفايا التحالفات وتقاطع المصالح اليمنية في الجنوب.