اخبار محلية

الإثنين - 05 ديسمبر 2022 - الساعة 11:26 ص بتوقيت اليمن ،،،

المرصد_خاص

بقلم:ناصر الوليدي
الشاعر أبو حمدي يستحق التكريم

واجدادكم من قبلكم
دي قد مضوا باول زمن

قد أخرجوا الأزيود
والأتراك حمران الوجن

لقد عودتنا يافع أنها سباقة للمكارم مبادرة إلى عظائم الأمور ومعالي الغايات والمطالب، فلم يكن مستغربا بالنسبة لي تكريم يافع لابن دثينة الشاعر الكبير (أبو حمدي) .
وقد حرك هذا الخبر الجميل هواجسي لكي أكتب كلمتي عن يافع، والتي سوفت في كتابتها كثيرا، ومهما كتبت عن يافع فلن توفيها حروفي الكليلة حقها، فيافع هي القبيلة التي لا تغيب عنها الشمس ولها امتدادها التاريخي والجغرافي، ومشاركاتها وإسهاماتها في كل الميادين قديما وحديثا.
أما أنا شخصيا فقد بدأت لحظات التماس في حياتي بيافع عام ١٩٩٠م، حينما تخرجت من الثانوية وعينت مدرسا إلزاميا في مديرية جيشان محافظة أبين، وبعد وصولنا من مودية إلى جيشان بأيام وصل إلينا عدد من المدرسين من أبناء يافع، وقد كانوا خير من نقل لنا الصورة الجميلة البهية للشخصية اليافعية في مكارم الأخلاق والشهامة والنشامة، ومن غريب ما حصل لي أنه كان لي من هؤلاء المدرسين صديق اسمه خالد علي وكان من أقرب المدرسين إلى قلبي وتوطدت بيني وبينه حبال الحب والمودة والوفاء، ثم انصرمت السنة الدراسية وفرقت بيننا صروف الدهر، وشق كل منا طريقه في أمواج الحياة، ... ومر الزمان، وبعد سنين طويلة، وفي ليلة من الليالي رأيته في المنام ودار بيننا حديث عن الأنساب فقلت له: يا أستاذ خالد أخبرني إلى أين ينتهي نسبك؟ فقال لي: ينتهي نسبي إلى( *الهميسع ابن حمير)*.
ثم استيقظت من النوم مستغربا. وأنا - والذي نفسي بيده- حينذاك ما سمعت قط باسم ( *الهميسع* ) .
ثم بحثت ونظرت فوجدت الهمداني يقول في كتابه العظيم الإكليل وهو يذكر نسب يافع:
يافع بن قاول ابن .... ذي رعين ابن ..... بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ .
فالحديث عن يافع حديث عن جذورها الحميرية العظيمة، فهي سرو حمير، ودولة حمير التي سادت وتمددت شبيهة بدولة ذي القرنين ، ويافع هي ( دهسم ) التي ذكرت في النقوش المسندية، ومنذ تلك النقوش استحقت دهسم( يافع) أن تلقب (يافع المدد) فقد ذكر بعض المؤرخين أن سيف بن ذي يزن في مشروعه لتحرير اليمن من الأحباش كان قد استعان بقبائل *دهسم* ( يافع) حتى تؤمن طرق عبور وامداد الجيوش التي ساهمت معه في طرد الأحباش، وكان ذلك قبل الإسلام، وعلى هذا لم يكن مستغربا تقرير الهمداني لحقيقة أن يافع هم *( أنجد رجال اليمن)* كما ذكر ذلك في كتابه الإكليل.
والتاريخ منذ ذلك العمق التاريخي يؤكد حقيقة( *يافع المدد* ) فقد ذكر المؤرخون أن يافع وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع وفود إخوانهم أبناء ذي رعين وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فما غيروا وما بدلوا منذ دخل الإسلام والقرآن إلى قلوبهم، فمنذ تلك البيعة وإلى اليوم ويافع تقدم القوافل تلو القوافل لنصرة الحق وإقامةالعدل .
ومن ثمار تلك البيعة خرجت يافع للجهاد في سبيل الله مع جيوش إبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما فحين هبت جنود الله تطير في صحراء سيناء متجهة لفتح مصر وتحريرها من الرومان وإدخالها إلى رحاب الإسلام والعروبة بقيادة عمرو بن العاص كانت يافع هناك وكان قائد ميمنة الجيش هو الصحابي اليافعي (مبرح بن شهاب اليافعي) ومعه عدد كبير من رجال يافع، منهم أخوه (برح بن شهاب اليافعي) و(حسان بن زياد اليافعي) وغيرهم كثير رضي الله عنهم ورحمهم الله. وكانوا هم أول من اجتاز ضفة نهر النيل ومن تلك اللحظة سميت( الجيزة) وعندما أراد عمرو بن العاص أن يبني لهم حصنا يقيهم مفاجاءات العدو أبوا بشدة وقالوا كلمتهم المعبرة عنهم *( دعنا ياعمرو فإن أسوارنا صدورنا).*
ولا يزال إلى اليوم ( *يافع بن زيد)* هو اسم أحد شوارع العاصمة المصرية القاهرة .
وهكذا دار الزمان وتحركت عجلة القرون وتغيرت الكثير من قواعد الحياة ولكن الشيء الذي لم يتغير أن يافع ظلت (هي المدد) كما كانت (هي المدد) .
ولم ينس التاريخ اللحظات التي كادت أن تتهاوى فيها السلطنة الكثيرية المترامية الأطراف وانقض عليها الأعداء من كل جانب فما كان من سلطانها بدر أبو طويرق إلا أن يصتصرخ (يافع) لنجدته وإنقاذ دولته من السقوط، فهبت يافع أبناء ذي رعين أبناء دهسم أبناء الهميسع سرو حمير ولبوا صراخ الاستنجاد فهزموا كل أعدائه وثبتوا أركان السلطنة الكثيرية، وكان ذلك قبل ما يقارب خمسمائة سنة من اليوم، ولكن هذه السلطنة تعرضت بعد أكثر من قرن من موت سلطانها القوي بدر أبو طويرق الكثيري تعرضت للغزو الزيدي الإمامي حتى أوشكت على الانهيار والسقوط في قبضة الزيود إلا أن سلطانها بدر بن محمد الكثيري (المردوف) لم يجد من يستطيع التصدي للزحف الزيدي سوى( يافع) فاستنجد بهم كما استنجد بهم أبو طويرق من قبل، فتحرك أكثر من (ستة آلاف) يافعي راجلين يحملون أسلحتهم على أكتافهم وأرواحهم على أكفهم ينشدون الزوامل وكلهم حيوية وقوة وثبات حتى وصلوا إلى حضرموت واستقبلهم السلطان المردوف ونشبت هناك معركة *(بحران )* العنيفة في مطلع القرن الثاني عشر الهجري والتي أنهت الوجود الزيدي في حضرموت وإلى الأبد .
ولكن الإمامة الزيدية لم تنس ليافع تلك الهزيمة فقد حاول الإئمة الزيود غزو جنوب اليمن في محاولات مستمرة لم تتوقف خاصة بعد أن أخضعوا الوجود الشافعي في اليمن الأوسط، وكانت يافع هي طريقهم إلى السيطرة والتمدد في الجنوب فتصدت لهم يافع على امتداد سنين طويلة وكانت هي حصن وسور الجنوب الشافعي من المد الزيدي حتى قيل وبحق *(يافع سيف الشوافع) .*
هكذا كانت يافع وستظل بإذن الله تعالى ناصرة للحق حافظة لبيضة السنة ناصرة للمظلوم مغيثة للملهوف برجالها وجبالها وأرضها.
وفي ختام كلمتي أكرر شكري ليافع على هذه المبادرة الجميلة كجمال يافع وأهلها وهي لحظة سعيدة لنرى فيها اليد اليافعية واليد الأبينية يشد بعضها بعضا كما يشد البنيان بعضه، ولتتعانق فيها جبال دثينة الشماء مع جبال يافع الشهباء ويجتمع المددان اليافعي والأبيني مع كل إخوانهم لبناء مستقبل راشد على قواعد من الحب والإخاء والصدق والتسامح والتعايش من أجل الدين والوطن والأبناء والأحفاد .
ولا أنسى قبل أن أنهي كلمتي هذه أن أشكر الشاعر أبو حمدي الذي استطاع بشعره أن يحجز له مقعدا مع عباقرة الشعر الشعبي والذي كانت حروفه ممثلة لدثينة وضميرها ووجدانها، وتطلعاتها لحياة كريمة يسود فيها العدل والحب والخير مع بقية المحافظات، حتى نلج إلى العالم الجديد بخطى ثابتة وعقول نيرة وقلوب مفعمة بالعطاء.

*يافع*

"ويافع لم تزل تلك العروس فلن
تزف إلا لأمجاد تساميها

هي العرين لأبطال النزال وهل
تخفى مآثرها والمجد يرويها

هي الكرامة دار الأكرمين بها
ترعرع الجود غضا في نواديها

إن الفضيلة والإقدام مذ عرفت
وسرو حمير فوق الشم تعليها

فيها الرجولة في أصفى معادنها
فيها البطولة في أسمى معانيها

والصدق والبر والأخلاق قاطبة
في أرض يافع قد أرست مبانيها"


أبو زين ناصر الوليدي

أبين - دثينة
٤ ديسمبر ٢٠٢٢م