كتابات وآراء


الإثنين - 16 سبتمبر 2019 - الساعة 12:31 م

كُتب بواسطة : عيدروس النقيب - ارشيف الكاتب



كنا قد أشرنا في تناولة سابقة إلى أن كل ما بناه علي عبد الله صالح من قوات عسكرية كان مجموعة ألوية ووحدات وفيالق وربما جيوش، متفرقة لكنها لم تكن قط وطنية بأي شكل من الأشكال بقدرما كانت عبارة عن وحدات عسكرية وأمنية تابعة لقادتها فقط ومواليه لزعيمها الذي قدمه مريدوه وإعلاميوه على أنه هو الوطن والوطن هو.

بيد إن هذا الجيش (الجيوش) قد تفرقت به السبل بعد "ثورة صالح والحوثي" في 2014م بين غالبية عظمى انضمت إلى الجماعة الحوثية أو جرى تسليمها يداً بيد من قبل الزعيم نفسه خلال صفقتهم المشبوهة، وبين مجاميع جرى تسريحها من قبل الجماعة الحوثية، والقلة القليلة بقيت في جماعات متفرقة تحت مسمى وزارة الدفاع، لكنها عاجزة عن إحداث أي فعل مؤثر في سير المواجهة مع الجماعة الحوثية خصوصاً وأن أفرادها وبعض قادتها يلمسون ما تتعرض له مخصصاتهم وحقوقهم من عبثٍ ونهبٍ وفساد.

لكن الأهم من كل هذا هو أن هذه المتبقيات من جيش صالح قد جرى دفنها بين مئات الآلاف من القوى الجديدة التي تم انتقاء عناصرها بعناية شديدة على أساس إما العضوية في التجمع اليمني للإصلاح أو الانتماء إلى القبائل الخاضعة للوجاهات القبلية الإصلاحية، ومنهم الكثير من اليمنيين المنتميين إلى الأفغان العرب وأتباعهم، وفوقهم عشرات الآلاف من الأسماء الوهمية التي يستحوذ القادة على مستحقاتها ومخصصاتها، كما جرت العادة في التقاليد العسكرية اليمنية منذ 1978م، وعموما هذه الروافد لا تتعارض مع بعضها بقدرما تقترب من بعضها أكثر من تقاربها مع أي قوة محسوبة على الرئيس عبد ربه منصور هادي.

وبجانب هذا هناك الكثير من الجماعات التي تتخذ مسميات ألوية بعضها ذات ولاء وطني لكنها ليست محل ثقة القيادات التقليدية للجيش والجماعات الحزبية المسيطرة على توجهاته، هذا فضلا عن عشرات الألوية الموزعة بعناية في المناطق النفطية في شبوة وحضرموت والمهرة، والتي لم تمسها إعادة الهيكلة في العام 2012م، وهي لم تطلق رصاصة واحدة لا ضد الجماعة الحوثية، ولا ضد المنظمات الإرهابية التي تسرح وتأوي إلى معسكراتها وتعيش تحت كنف قياداتها، وهذه الألوية على استعداد أن تسلم زمام أمرها لمن يملك السلطة والمال.

وأخيراً هناك وحدات "حراس الجمهورية" وهي التسمية الجديدة لما تبقى من الحرس الجمهوري، لكنها تضم عدداً قليلاً من الضباط والأفراد الذين يعملون تحت قيادة نجل أخو الرئيس السابق والتي تقاوم الحوثيين في الساحل الغربي ويراهن عليها قادة التحالف العربي في تغيير توازن القوى العسكرية في الشمال، لكنها تلاقي رفضاً واضحاً من "الشرعية" وقادتها وتعاني من السمعة غير الحسنة للدور السيء للحرس الجمهوري في عهد صالح ودوره القمعي تجاه كل من تجرأ على معارضة "الزعيم"، ومشاركته في الانقلاب الحوثي في 2014م، وفي الجنوب يلاقي ذكرها امتعاضا شديدا لدى مختلف الأوساط الشعبية والرسمية.

وعموما فإن التركيبة الراهنة لـهذا الجيش المسمى "وطني" تمثلُ خليطاً من المجاميع القبلية والدينية الإصلاحية التي تمثل عموده الأساسي ممن جرى استكتابهم خلال الفترة 2012 ـ 2014م، وما بعد 2015م وهؤلاء ولاؤهم للحزب الذي ينتمون إليهم، وتقوم ثقافة معظمهم على "ولاء الطاعة وليس ولاء القناعة" كما كان يكرر د. محمد عبد الملك المتوكل الله يرحمه، ومعروف تلك العلاقات العضوية بين التجمع اليمني للإصلاح وبين نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن الذي تولى ملف الجماعات القادمة من أفغانستان وترتيب أوضاع أفرادها في القوات المسلحة والأمن.

ومع عودة أجنحة المؤتمر الشعبي العام إلى السلطة وتسليمها رئاسة مجلس النواب "المهاجر" (طويل العمر) فإن التحالف بين المتبقيات العسكرية المحسوبة على المؤتمر مع القوى القبلية والحزبية (العسكرية ) لحزب الإصلاح تصبح أقرب إلى المتانة والاتفاق ولو مؤقتاً، بعد الجفاء الطويل الذي صنعته ثورة 2011م.

والخلاصة أن الحديث عن "الجيش الوطني" يعني الحديث عن تلك الجماعات المسلحة التي لا يجمعها بالوطن سوى انتحال اسمه كما ظلت جميع التشكيلات العسكرية تفعل منذ ما يزيد على أربعة عقود، وعندما يطلب من أية جهة أمنية أو عسكرية أو سياسية الانصياع لــ"الجيش الوطني" فإن هذا لا يعني سوى الانصياع للقوة الحزبية والأيديولوجية المهيمنة على صناعة العقلية العسكرية لهذا "الجيش" والقائمين عله يعتبرون أي رفض أو مقاومة لمشاريع الطرف السياسي الذي يستهدف الاستحواذ على البلد (شمالها وجنوبها) إنما هو مقاومة لـ"الجيش الوطني".

لم يعد "الجيش " "جيشاً" ولا "الوطني" "وطنيا" مثلما لم يكن في اليمن قط جيشٌ وطنيٌ، وبالتالي فإن أي رهان على هذا النوع من الـ"جيوش" إنما هو رهان على مشاريع حزبية ضيقة لا هم لها سوى تحويل "الوطن" إلى مشروع استثماري للقوى الحزبية المهمينة عليه.

هذه اللوحة تبين لنا أسباب التفكك والتنازع والمواجهات التي تعاني منها الأجنحة المؤيدة لشرعية الرئيس هادي التي يدّعي كلٌ منها وصلاً بهادي، ومثلما نشب الصراع على مصير الجنوب ومستقبله سينشب الصراع مرات ومرات بين أصحاب المنافع المتصادمة داخل بنية الشرعية "المهاجرة".