كتابات وآراء


الثلاثاء - 09 مايو 2017 - الساعة 05:31 م

كُتب بواسطة : عيدروس النقيب - ارشيف الكاتب


في القضايا الكبرى للأوطان لا يمكن أن يقوم التافهون إلا بتفاهات مثلهم، ومن المؤسف أن شرعيتنا المبجلة ما تزال تخلط بين حاجتها لمستشارين وإعلاميين وموظفين يؤمنون بمشروعيتها وحقها في استعادة الدولة التي خطفتها عصابة الانقلاب والتمرد، وبين أن يغطي هذه الحاجة مجموعة من التافهين والسطحيين والمتزلفين الذين لا يقدمون للشرعية سوى مجموعة من المدائح (لها ولسياساتها) والشتائم والبذاءات (لمن تعتقد الشرعية أنهم خصومها حتى وإن كانوا من أصدق المدافعين عنها)، ومثل هؤلاء المستشارون الذين يدفعون الشرعية إلى فتح خصومات لم تكن في حاجة إليها من خلال دفعها إلى الوقوع في مطبات وإجراءات أقل ما يمكن أن توصف بها بإنها حماقات خرقاء.

يمتلئ الفضاء الإعلامي الإلكتروني والتلفيزيوني والورقي بالكثير من الغثاء المكتظ بالبذاءات والشتائم والألفاظ الجارحة التي يعتقد (كتبتها) بأنها نوع من النشاط الإعلامي وهي ليست سوى رص عبارات تمتدح الرئيس أو رئيس الوزراء أو الحكومة، بالحق (وهو قليل )وبالباطل( وما أكثره) ولا أدري ما هو شعور الممدوح عندما يسمع عن نفسه كلاما ليس صحيحا ومدحا وتزلفا لا يمت للواقع بصلة، لكن الأسواء من هذا أن يأتي هذ من شخصيات سطحية تافهة لا تمتلك لا ثقافة الحوار السياسي ولا قوة المعلومة السليمة ولا آداب الاختلاف وطرح الحجة المؤكدة ولا تسويق البراهين المقنعة.

تساءلت مرارا عندما نشر أحد هؤلاء التافهين مقالة يمتدح فيها الرئيس هادي ويسوق فكرة أن الضالع وأبناءها إنما هم "عرب 43م" وفيها يقدم الكثير من الأكاذيب والافتراءات الصادرة عن عقلية مريضة كصاحبها تتضمن القول أن أهل الضالع إنما هم شماليين تآمروا وتسلطو على الثورة وتحكموا في تاريخ الجنوب وأوصلوه إلى الاستسلام للاحتلال الشمالي، معتمدا على اتفاقية 1943م التي قضت بضم الضالع إلى المحميات الجنوبية وخروجها عن سلطة الإمام يحي، ولست بحاجة إلى القول أن الإمام يحي قد أراد التخلص من الصداع المزمن الذي سببه له أبناء الضالع بتمردهم عليه وإبائهم الخضوع لطغيانه وهو ما واصلوه مع السلطات الاستعمارية حتى التحرير والاستقلال عام 1967م، كما لست محتاجا إلى إيراد ما في هذه التفاهات من حشو وتزييف وافتراء وأقوال مريضة كصاحبها.

ما أهالني وأثار استغرابي أن كثيرين ممن يتبوأون المواقع الإلكترونية والصحفية التي تدعي الدفاع عن الرئيس هادي هم من هذه الشاكلة، وقد تساءلت مع زميل لي أحترمه كثيرا ممن يشغلون مواقع قيادية عند الرئيس هادي وهو شخص من القلة من الشرفاء والمحترمين ممن استبقاهم الرئيس في جهازه التنفيذي عندما بعث لي بمقالة لأحد هؤلاء يتهمني فيها بتأسيس تاج وبالتحريض على الانفصال وغير ذلك من المفردات السطحية والبائسة، عندما قلت لزميلي: إنني أشفق على الرئيس هادي عندما يكون إعلاميوه على هذا المستوى من الضحالة والبؤس، هل عدم الرئيس الحيلة ليختار إعلاميين محترفين ذوي حجة قوية ولغة راقية ومنطق سياسي خالي من السطحية والتفاهة وبعيد عن الشتائم والتجريحات.

لن نقول لهادي اختر إعلاميين كما فعل عبد الناصر عندما اختار الفيلسوف السياسي المصري محمد حسنين هيكل فأمثال هيكل لا وجود لهم في هذه البلاد البائسة، ولا مثلما فعل السادات عندما اختار الكاتب والروائي المصري البارع أنيس منصور، ولا كما فعل علي ناصر عندما قرب منه كتاب أمثال أحمد سالم الحنكي وإسماعيل شيباني وزكي بركات رحمه الله وأحمد ابراهم أبكر وفريد بركات وغيرهم، لكننا نقول للرئيس هادي أن أصحاب قاموس الفقر وموسوعة البذاءة لن يقدموا لك ما يفيد حتى وإن امتدحوك، لأنه بمجرد إعلانهم أنهم من أنصارك هو إساءة لك قبل كل الإساءات التي يوجهونها لمنتقدي سياساتك، الذين ليسوا بالضرورة خصوما لك.

أما المستشارون الذين لم يشيروا عليك إلا بالقرارات الكارثية التي توسع دائرة خصومك وتضيق دائرة أنصارك فليس بوسعنا أن نقنعك بالتخلي عنهم لكننا نقول لك اجرد حساب السنوات التي وقفوا فيها فوق أنفاسك وانظر كم جنيت من الفوائد وكم جنى الوطن من الانتصارات بفضل استشاراتهم، وستعرف أن هؤلاء لا ينفعونك في شيء وإنهم إنما يغارون من الناجحين فيكرسون كل جهدهم للنيل من هؤلاء الناجحين ليظلوا وحدهم في نظرك هم المحبون والمقربون.

لا فرق بين الإعلاميين التافهين والمستشارين المتزلفين فالمجموعة الأولى يمتدح أصحابها الأخطاء ويدافعون عن النواقص فيوقعون القائد (أي قائد) في مطب التمسك بالأخطاء على إنها انتصارات، والجماعة الثانية تضغط من أجل اتخاذ قرارات ومواقف تكون لها نتائج كارثية حتى وإن اكتسبت الصفة الدستورية.

والله من وراء القصد