كتابات وآراء


الإثنين - 23 مارس 2020 - الساعة 10:56 م

كُتب بواسطة : بدر قاسم محمد - ارشيف الكاتب


بعد أن طُردت الحكومة الشرعية من عدن من قبل الانتقالي الجنوبي, أطلقت السعودية دعوتها للطرفين إلى الحوار التي استجاب لها الانتقالي على الفور بينما تلكئ الطرف الحكومي في الاستجابة بمحاولته تدويل الأزمة مع دولة الأمارات والحيلولة دون قبوله بندية الانتقالي الجنوبي في أي حوار سياسي ثنائي.. وبعد أن أُفشلت محاولة تدويل الأزمة باجماع المجتمع الدولي على رفض مشروع إدانة لتدخل الأمارات العسكري كان قد قدمه الطرف الحكومي لمجلس الأمن والأمم المتحدة, عاد الطرف الحكومي لإصدار بيانه الترحيبي الشديد اللهجة من مستهله القائل:
الجمهورية اليمنية ترحب..الخ.

لتصدر السعودية بيانا سياسيا اخر, لقد بدا الانتقالي الجنوبي كواضع يده في الثلج, غير معنيا بالبيان السعودي ولم يكلف نفسه عناء تفسير بعض مفردات البيان الذي يبدو وكأن وجهته قصدت الطرف الحكومي المتعنت حينها, الأمر الذي حمل الجنوبيين على اعتبار لغة البيان محاولة سعودية لترضية الحنق الحكومي ليس إلا, وتحت تأثير نشوة النصر الجنوبي وكما هي عادة الاندفاع والحماس الثوري لدى الجنوبيين, حمل الجنوبيون البيان السعودي على الأعناق وطافوا به كل مواقع التواصل الاجتماعي لثلاث ليالٍ وأيام متواصلة فرحين بوجهته التي أدارت ظهرها لهم وقصدت الحكومة, في لحظة من لحظات القطاف البكر لثمرة بازغة لم تنضج بعد, ثمرة الحاق الهزيمة بطرف الحكومة اليمنية.

في البدء شاركت في مراسم الاحتفاء والتشييع الجنوبي للبيان السعودي, كتبت هنا على صفحتي في الفيسبوك منشور أو منشورين عن وجهته التي عنت الحكومة واستثنت الانتقالي الجنوبي..

لكن ما ان عدت لتفحص مفردات البيان السعودي أكثر, حتى وقعت عيني على جملة توصيف الازمة ب"الجنوبية-الجنوبية", فرحت مفردا لها منشورا استدراكيا يشير إلى خطورة مثل هذا التوصيف كونه يذهب نفس مذهب قوى وأحزاب الشمال اليمني في توصيف جذر القضية الجنوبية في ماكان يُعرف ب"مؤتمر الحوار الوطني"عند مناقشة القضية الجنوبية بأبعادها وجذورها.

تلك الليلة وفي غمرة التشييع الجنوبي للبيان السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي الذي ساهمت فيه.. لم يلق منشوري عن مالاحظته في البيان السعودي أي اهتمام, فقلت لنفسي:
في هذه التظاهرة الفيسبوكية, مستحيل ان يسمع لك أحد خصوصا وأنت تحاول الوقوف في طريق القافلة المبتهجة التي إذا وقفت أكثر ستدوسك وستسير على جسدك.., فتذكرت حينها منشورا لطيفا للأخ صالح الحنشي عن كيفية التعامل مع هكذا موقف عندما كتب بلهجة عامية عن "التحشير والمحشرين", أي مايمكن تسميته بحالة الجماهير الثورية من الجنون والفاشية التي لاتسمع لمحاولات الطرح العقلاني المريدة إيقاف تقدمها المندفع كالقطار, يقول الحنشي:
لكي توقف مجموعة من المحشرين عليك أولا ان تُحشر وتسير معهم من ثم أثناء مسيرة التحشير تحاول بين لحظة وأخرى ان تسدي نصائحك العقلانية وأنت مستمر بالسير معهم وتنتهز كل فرصة لتمرير نصائحك لمحاولة فرملة مسيرة "التحشير والمحشرين" وهكذا إلى ان تتمكن من اقناع الجزء العاقل منهم بالتوقف.., إنها منهجية الأخ صالح الحنشي الجديرة بالدراسة والاهتمام.

حملت ملاحظتي عن البيان السعودي وطفت بها كي أعرضها على بعض الشخصيات الجنوبية المهمة بطريقتي الخاصة, لكن أحدا لم يعرها أدنى اهتمام عدا مشاركة البعض لي نفس مخاوفي من البيان السعودي.

بعد يومين عثرت في إحدى منشورات امين عام حزب التجمع اليمني للإصلاح, محمد اليدومي ما يؤكد ثقته بوقوف السعودية على التوصيف الحقيقي لطبيعة الازمة في عدن, فتذكرت التوصيف السعودي إياه الوارد في البيان.

مايضع صحة ملاحظتي في دوامة شد وجذب وحيص بيص ويعرض أهلية قواي العقلية للتشكيك هو صمت النخبة الجنوبية المثقفة والسياسية عن الإشارة والحديث عن هكذا توصيف هام وخطير, فأرجع لتخطئة نفسي وأمارس هوايتي اليومية بالسير في ركب "التحشير والمحشرين" دون أن أسدي نصيحة لأحد.

يوم أمس طالعنا السفير السعودي بتغريدة تحاول انتقاد قيام بعض الشخصيات العسكرية الجنوبية المحسوبة على طرف الحكومة الشرعية بمناورة عسكرية في منطقة "قرن امكلاسي" شقرة, وهي تحاول ان تشير إلى ان الصراع القائم في الجنوب الان هو صراع ,جنوبي-جنوبي, في الأساس, أو تحاول ان تثير ذلك, ليعود السفير السعودي ويذكرني بتوصيف البيان السعودي لطبيعة الازمة بين الحكومة والانتقالي.. الا ان التغريدة تعتبر أيضا محاولة لحرف الضغط الجنوبي المسلط مؤخرا في عدن على طبيعة أداء السعودية المريب والغير مطمئن على الاطلاق, الأمر الذي عزز من تزايد السخط الشعبي الجنوبي على السعودية واتهامها بالسعي لإشعال فتيل حرب جنوبية-جنوبية, خدمة لأهداف مشبوهة لاتخدم إلا أعداء الجنوب وقضيته العادلة.
...........
بدر قاسم محمد