كتابات وآراء


الثلاثاء - 31 مارس 2020 - الساعة 10:37 ص

كُتب بواسطة : بدر قاسم محمد - ارشيف الكاتب



............
لفتت نظري لهجته المغاربية سألته:
هل الأخ مغربي؟
أجاب:
- هل تقصد المغرب المسمى الجهوي أم المغرب المسمى السياسي؟
قلت:
- لما, ألا يجتمع الإثنان فيك؟
قال:
- لا,لايجتمعان, فأنا مغربي ولست بمغربي!
قلت:
- كيف للمرء أن يكون "مغربيا وليس مغربيا" في آن واحد؟
قال:
- أنا مغربي من الناحية الجهوية, أي من أحد بلدان المغرب العربي, لكني لست مغربيا من الناحية السياسية, فأنا من دولة تونس ولست من مملكة المغرب الشقيق!
ثم قال لي: ماذا عنك؟
قلت:
- أكاد أن أكون مثلك تماما, أنا يمني ولست بيمني!
ضحك مطولا ثم قال:
- كيف لأمر مثل هذا أن يحدث معك أيضا؟!
قلت:
- أنا يمني من الناحية الجهوية, أي من "اليمن" المسمى الجهوي الواقع يمين الكعبة المشرفة, وقوع تضاده التاريخي مع"الشام" المسمى الجهوي الواقع شمال الكعبة المشرفة, لكني لست يمنيا من الناحية السياسية.

فقاطعني قائلا:
- أظنني فهمت, دعني أحزر من أي بلد أنت؟
قلت له:
- تفضل, مع علمي أنك لن تستطع.

ألتفت كليا إلي وهو يقول:
سأعتبر كلامك هذا تحديا نابعا من اعتقادكم الخاطئ,ياعرب المشرق, بابتعاد واغتراب عرب المغرب العربي عن العروبة واللغة والثقافة والتاريخ, لكن سأغض الطرف عن مابدا وكأنه محاولة للتعريض بجهلي المغاربي وسأحزر من أين أنت, بشرط أن تمنحني متسعا من هامش المحاولة.

رددت عليه:
- أولا قولي(مع علمي أنك لن تستطع)ليس له علاقة بماتظنه من اعتقاد خاطئ بجهالة واغتراب الثقافة المغاربية عنا, بل على العكس من ذلك أنا ممن يعتقد بأفضلية الحركة الثقافية المغاربية وعلو كعبها على ركود المشرق العربي ثقافيا, قولي له علاقة بجهالة الأمة العربية كلها وارتباك عصبها القومي وهي تقف أمام عملية التقرير السياسي الطارئ للهوية اليمنية ..

فجأة أوقف إيماءة المنصت بإيجاب لحديثي, تماما عند سماعه جملة ".. وارتباك عصبها القومي وهي تقف..", فقاطعني متسائلا:
- ما الذي تقصده بقولك "وارتباك عصبها القومي وهي تقف إمام عملية التقرير السياسي الطارئ للهوية اليمنية؟.

أجبته:
- أنا لم أرتبك لحظة سماعي منك كيف يكون المرء "مغربي وليس بمغربي" في آن واحد, بينما أشك في عدم ارتباكك لحظة سماعك مني كيف يكون المرء "يمني وليس بيمني" في آن واحد؟!

أجاب:
- لا,لست مرتبكا, وهأنا ذا بصدد إيراد مجموعة من الاحتمالات المعقولة عن هذا.
وراح يسألني:
- بما أن سلطنة عمان تقع ضمن نطاق "اليمن" الجهوي, ولأن الإنسان العماني من الممكن وصفه ب"اليمني والغير يمني" في آن واحد, هل أنت عماني؟

لا, كانت هي إجابتي الفورية.

فراح متابعا نظرية الاحتمالات قائلا:

طالما كل الجزء الجنوبي من جغرافيا المملكة العربية السعودية يقع ضمن نطاق "اليمن" الجهوي, ولأن إنسان هذا الجزء من الممكن وصفه ب"اليمني والغير يمني" في آن واحد, هل أنت سعودي من الجنوب؟

وعندما جاءه الجواب كسابقه: لا, راح معتقدا أن الأمر أشبه بوجود حيلة قانونية في أوراقي الثبوتية عن هويتي.. فأمطرني بوابل من أسئلة شرطة المطارات:
- هل أنت حاصل على الجنسية اليمنية إلى جانب جنسية أخرى لبلدك الأم؟
- هل أنت إبن غير يمني لأب أو جد يمني أو عائلة أو قبيلة يمنية, وبالتالي أنت ترجع من نسل يمني في نفس وقت رجوع هويتك لغير اليمن؟

عندما كان الجواب (لا) هو السائد, لا أدري كيف أهتدى إلى طرح سؤال الشارع اليمني المتهكم على الجماعة الحوثية, المدعية أفضلية نسلها الهاشمي الغير يمني في نفس وقت إدعائها بأحقية مواطنتها اليمنية, دون غيرها من سلالات وأنساب القبائل اليمنية, في السيادة وحكم اليمن, السؤال القائل:

- هل أنت حوثي, بمعنى هل أنت غير يمني نسبا ولكنك يمني إنتسابا, كالحوثي؟!

ضحكت كثيرا حتى كدت أن أستلقي على ظهري وأنا ألوح بيدي ورأسي, لا,لا..

أخيرا وجدتني مضطرا لأقول له مرة أخرى:
أنا يمني ولست بيمني, بمعنى أنا يمني من ناحية جغرافية, أي من اليمن المسمى الجهوي الواقع يمين الكعبة المشرفة ..لكني لست يمنيا من الناحية السياسية, فأنا جنوبي ينتمي جزئي الغربي لأول دولة عصرية اسمها"الجنوب العربي" تركزت في عدن المطلة على بحر العرب, وينتمي جزئي الشرقي للسلطنات العربية الممتدة من شبوة إلى حضرموت ثم أخيرا المهرة حتى حدود ظفار شرقا.
باختصار أنا لم أكن منتميا يوم ما للكيان السياسي الناشئ مطلع القرن ال20 الفائت في ماسمي ب"المملكة المتوكلية الهاشمية اليمنية" ولايمكن أن أنتمي في يوم ما للكيان السياسي الناشئ مطلع القرن ال21 الحالي في مايمكن تسميته الان ب"دولة الحوثيين الهاشمية اليمنية .

رفع رفيقي المغاربي مجسات الاستغراب وحملق وقال:
- كيف,كيف ..,لم أفهم؟!
قلت :
- ستفهم أن الجنوبي "يمني وليس بيمني", مثلما فهمت أن الحوثي ,الحاكم الفعلي لليمن الان, هو في الأساس "يمني وليس بيمني"!.

وكفى الله الجنوبي شر السؤال "هل أنت يمني؟ بسؤال اخر, وهل هذا اليمن الواقع تحت قبضة الحوثي, يمني أساسا, أي هل هذا اليمن يمني أصلا؟!
............
بدر قاسم محمد. نوفمبر 2017م