كتابات وآراء


الأحد - 20 سبتمبر 2020 - الساعة 11:17 ص

كُتب بواسطة : مروان الغفوري - ارشيف الكاتب


استعاد الوادي، كل الوادي، تاريخ الشيخ طه. وقيل إنه كان ولداً شقياً لأب صالح، وأنه ترك الوادي في صباه لأنه أحب ابنة كبير الشيوخ. لم يعرفوا له طريقاً. قيل إنه كان يمشي بين المنازل والغيطان كأنه الخضر، وكان الرعيان يدركون، بما لأرواحهم من شفافية، أنه مرّ ليلة أمس. ويومَ وقف على النهر وسأل قيل له إن ابنة كبير الشيوخ ستزف إلى ابن عمّها، فصرخ صرخة جعلت العروس، وكان اسمها مريم، تطير من الشبّاك. أخذتها الرياح السعيدة إلى النهر، وطارت معها الجن والملائكة ونساء الروم. منذ ذلك اليوم أصبح طه شيخ الشيوخ، وربما أكثر من ذلك بكثير. ولا تزال مريم تطير مع الملائكة ونساء الروم، تجمع حبّات المطر من السحب الكسولة، وتزاوج بين الأشجار. وفي ليالي الأعياد تسيل روح مريم، التي ماتت منذ زمن بالحمى، في مياه النهر وتتدفق معه حتى يبلغه منتهاه. ولا يعلم منتهى النهر سوى الله والجن. إنه لمن المحزن أن الشيخ طه - الذي أحب مريم كأنها شجرة وأحبته كأنه ريح - لم يفكّر قط بمعرفة أين ينتهي النهر. وبرغم أن هذه القصة باتت معروفة لكل الناس في الوادي إلا أن امرأة وحيدة فقط، امرأة جعداء وفطساء وسمراء، تجرأت وقالت إن الشيخ طه لم يكن يستحق كل ذلك الحب. أما باقي النسوة فكنّ يقلن إن تلك المرأة التي تطير مع الجن لم تكن قط جديرة بالشيخ طه، الشيخ الذي لفرط كرمه كان يفرش الأرض للغمامة. أما هو فكان يجلس إلى نفسه في الليالي حالكة السواد ويستمع إلى ذلك الصوت الذي لا يزال يهوي في روحه. تقول له مريم "أنت شجرة الخلد" ويقول لها "أنت المُلْك الذي لا يفنى". يا لها من أيام لو عادت لما غفل طه عن مريم لحظة واحدة، ولمات معها بالحمى.

ــــ

م. غ.

من حكاية عن الشيخ الذي لا نعرفه، وعن حروبه التي لا يعرفها سواه