كتابات وآراء


الخميس - 01 أكتوبر 2020 - الساعة 08:27 م

كُتب بواسطة : صالح البيضاني - ارشيف الكاتب


في السادس والعشرين من سبتمبر أحيا اليمنيون ذكرى الثورة التي أطاحت بنظام الإمامة، عام 1962، بعد أيام قليلة من إحيائهم لذكرى الانقلاب الذي أعاد اليمن إلى حاضنة المنظومة الإمامية التي يستمد منها الحوثيون وقودهم العقائدي بوصفهم امتدادا للأئمة الزيديين الذين حكموا أجزاء من شمال اليمن في فترات متقطعة قبل العام 1962.

ومع الاحتفال بهذه المناسبات مجتمعة التي تضاف لذكرى رحيل الزعيم العربي جمال عبدالناصر الذي دعم ثورة اليمن، يتجدد الجدل بين من يشعرون بالامتنان للدور المصري الحاسم في مساندة ثورة اليمنيين وهم الأغلبية، وبين عدد آخر من اليمنيين المشدودين لروايات تنظيم الإخوان الذي لا يرى في عبدالناصر سوى “الدكتاتور” الذي زج بقياداتهم في السجون، وأنهى أحلامهم بالوصول إلى السلطة.

وبينما يجد البعض تبريرا لمشاعر المنتمين لجماعة الإخوان في مصر الحانقين من دور ناصر في تحجيمهم، يشعر المتابع بحالة متأرجحة بين الاستغراب والقرف من مواقف بعض المنتمين لهذا التنظيم في اليمن الذين يهاجمون مصر ودورها في دعم الثورة اليمنية، بصورة شبيهة تماما لما يقومون به اليوم من إساءة للتحالف العربي في اليمن والتشكيك بأهدافه.

وفي الواقع إن هذه التفاعلات ليست أمرا طارئا على المشهد اليمني، فقد اتخذ قسم قليل ومعزول من ثوار سبتمبر 62 في اليمن موقفا عدائيا تجاه مصر بعد قيام الثورة بفترة وجيزة، حتى وصل الأمر إلى درجة الإساءة العلنية لمصر واتهامها بانتهاك سيادة اليمن وسلب إرادته الوطنية والطمع في سواحله والسعي لاستغلال باب المندب، وهي ذات الأسطوانة التي يرددها اليوم فريق من اليمنيين تجاه التحالف العربي مع الإشارة إلى ما خلقته ثورة الاتصالات والإعلام المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي من تضخيم لمخرجات هذه الأسطوانة المشروخة.

بينما يجد البعض تبريرا لمشاعر المنتمين لجماعة الإخوان في مصر يشعر المتابع بحالة من الاستغراب والقرف من مواقف بعض المنتمين للتنظيم في اليمن الذين يهاجمون مصر ودورها في دعم الثورة اليمنية
ولا يبدو التشابه بين ما يعتمل في المشهد اليمني اليوم من صراع سياسي وحرب وامتدادات إقليمية، تحولا استثنائيا بقدر ما هو تشابه حاد في العناصر والعوامل التي ظلت على حالها تقريبا منذ ستة عقود، وأنتجت مخرجات متشابهة للحالة اليمنية التي يبدو أنها قد تعيد تكرار نفسها أو ربما يعيد التاريخ نفسه فيها كما يقال.

ومن يستعيد ذاكرة اليمن السياسية خلال فترة الحرب الأهلية التي تلت ثورة 1962 سيكتشف تشابها مدهشا في مسارات الأحداث، حيث بدأ الأمر كثورة شعبية ضد نظام متسلط وظالم، ليتحول بعد ذلك إلى حرب استمرت لثماني سنوات تقريبا، حتى العام 1970 عندما تم توقيع اتفاقية جدة بين الجمهوريين والملكيين لإنهاء الحرب والمصالحة الوطنية، برعاية من مصر والسعودية.

وقبل وصول المشهد إلى هذه المرحلة كانت هناك اتفاقات جزئية شبيهة بما يحدث اليوم، كما كانت تفاعلات الأزمة مشابهة كذلك، من حيث الانقسامات في صفوف الجمهوريين التي عملت مصر على معالجة آثارها والحد منها، وهو ذات الدور الذي تقوم به السعودية اليوم لجمع شتات المكونات المناوئة للحوثي.

ومن يتعمق أكثر في تفاصيل الحرب بين الجمهوريين والملكيين في اليمن التي امتدت من 1962 إلى 1970، سيجد المال السياسي واقتصاد الحرب حاضرا وحاسما، كما سيقف طويلا أمام ازدواج الولاء القبلي ودوره في تأخير وإرباك مسار الحرب والسلام، حيث كانت الكثير من القبائل تمسي جمهورية وتصبح ملكية وهكذا دواليك.

مضت ست سنوات من حرب اليمن، وتغيرت خارطة المعارك والنفوذ على الأرض غير مرة، في الوقت الذي تتزايد فيه الأحاديث عن اقتراب الحرب من مرحلتها الأخيرة، في ظل رغبة متزايدة لدى العالم والإقليم في طي صفحة الأزمة اليمنية التي زادت السياسيين من الطرفين ثراء، وخلفت وراءها أكبر مأساة إنسانية في العالم كما تصفها الأمم المتحدة، وهو ما يعزز من فرضية أن التاريخ سيعيد نفسه في اليمن كما فعل من قبل، وهذه المرة باتفاق كان يمكن إنجازه من دون هذه الخسائر المادية والمعنوية الفادحة التي ستترك أثرها في نفوس اليمنيين لعقود قادمة.