كتابات وآراء


الإثنين - 09 نوفمبر 2020 - الساعة 11:22 م

كُتب بواسطة : عبدالقادر القاضي - ارشيف الكاتب




بعد ست سنوات من الحرب في اليمن بشماله وجنوبه تغيرت المعطيات الجيوسياسية على الارض لتبرز ثلاثة مشاريع سياسية متباينة يمضي نحوها اليمن منذ 21 سبتمبر 2014م تاريخ انقلاب مليشيات الحوثي المذهبية السلالية على ما يسمى بمخرجات الحوار الوطني لتكون تلك المشاريع هي التي تحصل الآن .

● المشروع الأول : ( شمالاً )
مشروع عصبوي مذهبي سلالي تتبناه مليشيات الحوثي شمالاً تستنسخ فيه التجربة الإيرانية بكل حذافيرها وبكل تشيعها الاثنى عشري الذي يعادي ويقصي بقية المذاهب حتى المذهب الزيدي المتسامح والمتعايش مع المذهب السني ولا يصطدم به منذ مئات السنين هم أيضا اعداء له كمذهب ،، وقد نجح الحوثيين وبدعم متواصل من إيران في تدعيم قبضتهم السلطوية والعسكرية والأمنية خلال ست سنوات من انعدام اي مقاومة شعبية شمالية لهم في الداخل مضافاً اليها الفساد الذي ادى الى الفشل الذي منيت به قوات ما يسمى بالجيش الوطني وانحسارها اليوم الى أطراف مدينة مأرب وأطراف صحاري الجوف،
وخلال تلك السنوات عمد الحوثيين على انتهاج سياسة تغيير وتعديل المناهج الدراسية للنشىء بما يتوافق مع تغذية فكرة مشروعهم المذهبي ليقوموا من خلال التعليم إلى تجريف كل ما استقر وتعارف عليه الشعب هناك من قيم اجتماعية ووسطية الدين،، بل وصل الامر بهم الى افتتاح قسم للغة الفارسية في جامعة صنعاء وتخريج دفعة منه قبل ايام اسميت بدفعة ( قاسم سليماني) .فكانت ست سنوات من تسخير ساحات التعليم ومنابر المساجد ووسائل الإعلام ومن التغلغل في مفاصل السلطة في كل المرافق والوزارات كافية لان تلغي وتسحق كل ماكان ،، وهي سياسة مليشاوية تسمى ( قلب التربة ) ليتسنى لها زراعة ايدلوجيتها ليتم تجريف كل ماسبق،، وعام من خلفه عام يتمكنون أكثر وأكثر لإنجاح مشروعهم هذا شمالا ولم يتبقى لهم سوى بعض مديريات محافظة مأرب وشارعين في تعز ويكتمل المشهد شمالا فيما كان معروف قبل عام 1990م بالجمهورية العربية اليمنية .

●المشروع الثاني : ( جنوباً )
هو مشروع يتجدد ولا يبلى مع مرور الزمن وهو مشروع وطني جنوبي له خصوصياته ويستمد وطنيته من الحق الاصيل والمشروع للشعب الجنوبي في استعادة دولته وسيادته التي كانت إلى ما قبل عام 1990م والمعروف آنذاك بأسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ،، وهو ليس مشروع مبتدع او طارىء بل هو قائم منذ 1994م حينما قرر الجنوب فك الارتباط مع الشمال بعد أن فشلت الوحدة ،، فشن نظام صنعاء آنذاك حرباً ظالمة على الجنوب ليفرض عليهم الوحدة بقوة الحديد والنار،، واليوم يجد هذا المشروع الجنوبي ارضاً صلبة يقف عليها وشعباً صابر محتسب يلتف حوله وجيشاً مقدام يدافع عنه وقادة وساسة يفاوضون لأجله،، وهو كذلك مشروع يزيد من تضخمه وقوته ممارسات مليشيات الحوثي شمالا وهي ممارسات مرفوضة وغير مقبولة اطلاقا في جغرافيا الجنوب ولا يمكن أن تسود في أوساط مجتمعة المدني او أن يسمح الجنوبيين بالعبث في نسبجهم المذهبي لذلك لم يجد الحوثيين أرضا خصبة لمشروعهم في الجنوب الذي طردوا منه شر طردة بعد تضحيات وصمود قدمه أبناء الجنوب ،،

وبالتالي فان كل ما يقوم به الحوثيين من تمكن وكل ما نقوم به شرعية الإخوان من انبطاح وتماهي مع تلك المليشيات يجعل من المشروع الوطني الجنوبي أكثر قوة واكثر واقعية واكثر قربا من اي وقت مضى ،، فالعلاقة أصبحت علاقة طردية بين الشمال والجنوب اليوم ،، بمعنى انه كلما تقدم الحوثيين خطوة في تمكين وتثبيت مشروعهم الإيراني الاثنى عشري شمالاً تقدم الجنوبيين نحو مشروع استعادة دولتهم خطوتين بدافع ذلك التمكين الذي يرفض أن يكون الجنوب ارضاً وشعباً ومذهباً شريكاً او متوحداً معهم فيها ،،

واليوم اي قارئ او متابع للاحداث السياسية سيجد ان الجنوب قطع شوطاً كبيراً وتقدماً ملحوظاً في مشروع لملمة شتاته وتوحيد رؤيته وأصبح العالم والإقليم يستمع إليهم،،

●المشروع الثالث : ( اليمن الاتحادي )

وهو المشروع الوسطي الذي كان يراد من خلاله تخفيف حدة مطالب الجنوبيين بفك الارتباط وكبح ذلك الجموح ،، لكنه كمشروع مات قبل أن يرى النور وانتهى عملياً في 21 سبتمبر 2014م تحت فوهات بنادق الحوثيين ،، وبعد هذا التاريخ استطاع حزب الاصلاح ( اخوان اليمن ) ان يستأثروا به وان يتفردوا به ليناوروا من خلاله متاملين انهم سينهون انقلاب الحوثيين وسيعودون إلى صنعاء ليفرضوا رؤيتهم الاحادية ليضعوا على بقية المكونات شروط الفاتحين ،، لكن هذا لم يحدث خلال ست سنوات كاملة حصلوا فيها على الدعم المالي والعسكري والسياسي من قبل التحالف ،، وظل هذا المشروع ( اليمن الاتحادي ) مشروع متأرجح متذبذب بهت لونه ومحيت خطوطة العريضة ولن تجد له اليوم ملامح واضحه او أرضية صلبة يقف عليها بعد كل ذلك التمكين للحوثيين في الشمال وكل ذلك الضعف والانبطاح والفساد لما يسمى بجيش الشرعية في مواجهتهم ، لذلك انتقل الاصلاح الى الخطة ب وقاموا بتغيير وجهتهم إلى الجنوب المحرر يريدون ايجاد وطن بديل لهم كحزب وتنظيم دولي تحت مظلة الشرعية وتحت ظلال شعارات مقاتلة الحوثيين بعد أن فشلوا وهزموا شمالا،، لكنهم اصطدموا بقوة شعب الجنوب الذي رفض تمرير هذا المشروع الاخونجي وطالب كشعب وقيادة بتصحيح بوصلة المعركة لتكون باتجاه صنعاء شمالا لا باتجاه عدن جنوبا ،، لذلك تحول مشروع اليمن الاتحادي الذي يغنون به مجرد أداة لتمرير مشاريعهم الحزبية ليكونوا هم السلطة وهم الحكام وهم كل شيء في الجنوب .
مشروع اليمن الاتحادي الفيدرالي الذي كان يفترض ان يكون هو الأقرب ليكون هو الحل قبل 2014م ،، أصبح اليوم بعد مرور ست سنوات من الحرب التي خلقت واقع جيوسياسي جديد جعلت منه هو المشروع الابعد والاصعب والمحال تنفيذه بعد كل ذلك التمكين للحوثيين شمالا وكل ذلك الإصرار في استعادة الحق جنوبا،، وكل ذلك الفشل والفساد والتماهي الذي غرقت فيه كل الحكومات المتعاقبة ورموزها وحزب اخوانها ومن لف لفها ودار في فلكها خلال تلك الست السنوات ،،

فأذا كان من الصعب اليوم على شرعية حزب الاصلاح استعادة صنعاء وعودتهم كحكومة وشرعية إليها ليحكموا ،، فان فكرة أن يكون الجنوب وطناً بديلاً لهم وعدن عاصمة حزبهم المأموله هو المستحيل بعينه ،، ولن يكون ذلك طالما هناك عرق ينبض في الجنوب ،، فمن يريد تحقيق مشروع اليمن الاتحادي فعليه أن يتوجه صوب صنعاء لإنهاء الانقلاب واستعادة الحكم لا ان يأتي إلى عدن بحجة مشروع أصبح يوما بعد يوم كأنه سراب يحسبه الظمآن ماء .

تلك هي المشاريع التي أفضت إليها ست سنوات من الحرب والتي تتضح يوما بعد يوم مكامن قوة بعضها وعدمية واستحالها البعض الآخر ،، ولك انت كامل الحرية في أن تختار مشروعك الذي يناسبك وتراه انه الأقرب لان يكون حقيقة على الأرض وواقعاً يتجسد بعد كل ماسبق من تفصيل ،


فلا إكراه في المشاريع ..
..
..

عبدالقادر القاضي
أبو نشوان