كتابات وآراء


الخميس - 09 سبتمبر 2021 - الساعة 10:20 م

كُتب بواسطة : أماني سعد - ارشيف الكاتب


في وقت قديم وأنا أمشي صوب منزلنا أحمل بعض مكونات وجبة الغداء هاجمتني شاة شريرة لم تؤذيني، لكنها أكلت كل ما بحوزتي باستثناء الدجاجة المثلجة كنتُ حينها قد اطفأتُ شمعة عامي التاسع، عندما التصقت بذهني سمعة تلك الشاة كسمعة الذئب ذائع الصيت بالمكر في كل القصص حينئذٍ، لم تكن بذلك المكر لكنها كانت بنوايا فلسفة الشر الذي يتبعه الذئب، فيما بعد عرفت أنها كانت أضعف مما ظننت لكن جوعها واحساسها بضعفي الشديد بسبب خوفي جعلها تبدو لي كذئب أجبرني أن اسلم كل شيء واكتفي بالبكاء لفترة طويلة ..


أطفالنا اليوم ليسوا بذلك القدر من الضعف والخوف من الأشياء البسيطة، فعندما أرى مواقفهم الآن أشعرُ أن طفولتي كانت هشة.


قرأتُ مؤخراً عن الهشاشة النفسية عن ذوي النفسيات سريعة الإنكسار والدمار الوجداني، استخدم الكاتب مصطلح الشباب الصغير، يصف فيه الأطفال والمراهقين، وبالرغم من أن الكتاب مركز كونه المدللون وتدور حوله أفلاك المواقف والمشاهد التي بوجهة نظر الكاتب تزيد من انهاكهم النفسي.
قادني الكتاب لوضع مقارنة بين من يتحدث عنهم(المدللين) وأطفالنا هنا(في اليمن) وجدتُ أنه لا وجه للمقارنة فأطفالنا يتمتعون بمهارة القدرة على تفتيت الألآم، وإلا كيف لطفلٍ لم يتجاوز الربيع العاشر من فصوله أن يصنع حياة كفيلة ببقاء أفراد أسرته على قيد الحياة من علبة فارغة ملقاة في الشارع. أليس ذلك نضوج كافٍ كرجل!


كيف لطفل لم يتمكن من الالتحاق بالتعليم لسببٍ ما صعب أن يجيبكَ بابتسامته الكاملة: "أريد أن أصبح طبيباً أساعد المرضى" أي أملٍ وثقةٍ يمتلئ بها هذا الصغير!


كيف لثمن بسيط تدفعه لطفل أنهى النهار على الرصيف في انتظاركَ لتشتري منه بيضة واحدة، بأن تكون كفيلةً بسعادته حتى يومه التالي!


الطفولة هنا مسؤولية ورشد بل هي أعمق من كونها مجرد طفولة فقط.. ومشاهد كثيرة تؤكد أن أطفالنا أكثر صلابةً من أن تخترقهم الهشاشة النفسية في شبابهم حتى، هم أكثر نضجاً وتعافياً من أقرانهم خارج حدود الوطن، فهم بقدر ما يتأثرون ينضجون نفسياً وذهنياً يعتبرون عقبات الحياة كقشرة سرعان ما تجف لا تحتاج إلا لجهدٍ بسيط لقشرها.. رغم كل ألوان الإساءة والإهمال، وتلقي مزيج العنف والإستغلال إلا أنهم يبدون كطينٍ كل ما يحتاجه يداً لينة تؤمن به وتعيد تشكليه لتصنع حِصناً متيناً للغد،


إن تأملتَ في عيني أي طفل هنا ستجد ملخص فكرة الحياة البسيطة، والتحام المغفرة بالعقاب، صراع الأمل الممكن والأمل المستحيل، وغيرها من فلسفة البقاء بأي وسيلةٍ مهما كان الطريق مزدحماً بالأشواك، ستجد أيضاً الشكر الجزيل لكل الآلام والمعاناة التي يعيشونها وسيعيشونها مستقبلاً ..


لا أعتقد بأن العالم يدرك أن أطفالنا وجدوا الحياة في مكانٍ لا وجود للحياة فيه، وإلا لما تباهوا بأطفالهم ومالديهم من معجزات. ألا يجدر بنا أن نتباهى نحن أيضاً! بأن أطفالنا أصبحوا رجالاً قبل أن يصبحوا رجالاً أصلاً، وأنهم قادرين على تحمل المزيد من المسؤولية الحياتية وتجاوز المنعطفات الصعبة فأول أمنية تراود الطفل اليمني هي:"أريد أن أكبر".


إن مجرد محاكاتكَ لطفل هنا تجعلكَ تشعر بوجود أشياء مفقودة تحومُ حولكَ مثل ذلك الأمل الذي يراودكَ كخبزٍ تحتاجه في وجبة افطار، وحلماً تخليت عنه تكيفاً مع معيشتكَ، ووطناً فقدته في حربٍ صفرية كلا طرفيها مهزوم..
ثم إن تمكنتَ من زرع ابتسامة في وجنتي طفل اعلم أنكَ مازلتَ تحتفظ بشيئاً من إنسانيتكَ وأنسنتكَ لأنهم قطرة الضوء الوحيدة التي ستحتاجها لتُظهر خضرتكَ مهما كنتَ متصحراً من الداخل..


لأولئك الرجال الصغار اعلموا أنكم ذوي صلابة نفسية رافضة للانكسار وذوي ضجة شعورية مسؤولة عن الحفاظ على التوازن النفسي والوجداني فكل ضربةٍ تزيدكم متانة وتجهزكم لاستقبال عاصفةٍ والتصدي لاعصار، شكراً لأنكم إلهام، شكراً لأنكم تحاولون البقاء بقوة، وأسيفون لأننا عالة وثقلاً زاد ثقل الحياة على كواهلكم ..


أسيفون لأنكم تشاطرونا الأوجاع والبؤس في حين لا يجب أبداً أن نتشاطر شيئاً منها، أسيفون لأنكم ضمن وطنٍ هضم حقكم في الحياة بمقابل أن وهبكم قوة الروح، أو لربما كان في حليب أمهاتكم شيئاً يدعى بالمناعة النفسية لتكونوا بكل تلك المتانة الروحية وربما بسببها حطمنا آمال الحرب وتجارها فبدلاً من أن يُرهقوا أرواحنا نكاد نُزهق أرواحهم بقوة تحملنا فمهما خسرنا ستكونوا لنا أكبر انتصار ورغم كل شيء سيء داخل حدود الوطن لا زلنا نثبت أننا كائنات عظيمة بحق.