تحليلات سياسية

الثلاثاء - 30 أبريل 2019 - الساعة 02:08 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/ خاص:


تقرير:أحمد زين مسعود:

مع مرور الذكرى الاولى لمقتل رئيس المجلس السياسي الاعلى لسلطة الانقلاب الحوثي في الشمال (صالح الصماد ), شهد النصف الثاني من شهر ابريل 2019 تطورات لافتة بزيادة النشاط الحوثي العسكري في المديريات المحاذية للحدود الجنوبية في البيضاء وشمال محافظة الضالع وعلى تخوم مناطق الصبيحة في محافظة لحج, توسعَ خلالها الحوثي في تلك المناطق بمساعدة محلية وتواطئ واضح من وحدات وقيادات عسكرية تابعة للشرعية حتى وصلت طلائع قوات الحوثي في بعض الجبهات الى بعد مئات الامتار فقط من الحدود الشطرية السابقة كما حصل في منطقة الزاهر مقابل مديرية الحد يافع في م/ لحج.
ترافقت هذه التطورات العسكرية الحوثية مع تجاهل أممي تام بعدم التعليق عليها ولو بالتعبير عن القلق الاممي التقليدي مثلما جرت العادة ومثلما حصل مع معركة مديريات حجور في محافظة حجة.. وفي نفس الوقت كان التواطؤ لقوات الشرعية حاضرا في هذا المستجد مثلما كان في مسالة اسناد المقاومة في حجور بالمدد العسكري اللازم, حيث استولى الحوثي على اللواء 30 التابع للشرعية في مناطق شمال محافظة الضالع بعملية اشبه بالاستلام والتسليم وانشقت قيادات شرعية عسكرية وامنية كبيرة في محافظة البيضاء (مدير امن المحافظة وقائد محور البيضاء) وانظمت للحوثي بدلا عن قيادة المقاومة ضده في تلك المحافظة.
مقابل ذلك استنفرت مختلف اصناف المقاومة الجنوبية قواتها على طول جبهات التماس في ابين ولحج والضالع واعلنت الاستعداد التام لصد اي اعتداء حوثي جديد على مناطق الجنوب.. بل دفعت بقوات جنوبية مساندة من قوات العمالقة والحزام الامني الى العمق الشمالي لدعم المقاومة الشعبية هناك في شمال محافظة الضالع وجنوب محافظة اب لدحر القوات الحوثية عن تلك المناطق وحققت انتصارات جوهرية في وقت قصير.
هذه التطورات العسكرية الطارئة دفعت بالكثير للتساؤل عن كنه هذا النشاط الحوثي جنوبا؟ وهل نحن على اعتاب محاولة حوثية جديدة لغزو الجنوب ؟ ولماذا؟. وما هي القيمة الاستراتيجية لذلك بالنسبة للحوثي؟ وما مقدار توفر الغطاء السياسي الاقليمي والدولي لها؟ وما الذي يملكه الحوثي عسكريا الان افضل مما كان لديه في 2015 حتى يكرر المحاولة ؟ مع الاخذ بالحسبان ان قوة الجنوب العسكرية اليوم وقوة تحالفاته الاقليمية ليست كما كانت في 2015 بدرجة لا تحتمل المقارنة اطلاقا.
لا يمكن لأي متابع نفي الرغبة الحوثية (والرغبة لدى بقية مراكز القوى في الشمال) بالعودة للجنوب والسيطرة عليه مثلما ساد الامر للفترة 1994 - 2014م.. لكن الرغبة السياسية لوحدها لا تكفي اذا لم تتوفر لها الشروط الذاتية والموضوعية لإنجاحها , واذا كان اصلا في سلم الاولويات لدى الحوثي مهام اكثر الحاحا في الشمال يجب انجازها قبل التفكير بالمحاولة لفتح جبهات الجنوب مع طرف جنوبي اصبح اكثر استعدادا اليوم للتعاطي العسكري بندية واضحة تجاه اي عدوان .. ليس ذلك فحسب , بل امتلاك المقدرة الجنوبية لنقل المعركة الى خارج حدود الجنوب وهذا ما يحصل فعلا منذ اكثر من عامين في الساحل الغربي.
الامر الاخر.. لا تتوفر الان لدى اي قوة عسكرية شمالية مباشرة (سواء قوات الحوثي او القوات المتحفزة في مأرب) الحجج السياسية المقنعة للداخل وللخارج او الفرص العسكرية السانحة لشن هجوم عسكري واضح ومباشر على اي محافظة من محافظات الجنوب, واي عمل من هذا القبيل يعتبر انتحاراً سياسياً ومغامرة عسكرية خاسرة تماما, واي راسم للسياسات لدى تلك الاطراف يدرك هذا الامر بشكل معمق.
وعليه, اعتقد ان تأمين الجبهة الداخلية شمالا في هذه المرحلة هي اهم كثيراً لدى الحوثي من قضية الاسترسال في توسيع الجبهات خارج الحدود الشطرية جنوبا واستحضار مقارعين اشداء جدد له هو في غنى عن الانشغال بهم.
تمثل المعركة السياسية والعسكرية لميناء ومدينة الحديدة حجر الزاوية التي تبنى عليها كل الحسابات في تحديد مستقبل الحوثي العسكري والسياسي من عدمه وفي رسم سيناريوهات الحرب بشكل شامل باليمن.. وتمثل الحديدة (مدينة وميناء) ومعركة السيطرة عليها مركز الثقل في ملف الحرب والتسوية السياسية باليمن بحسب تأكيدات صريحة للمبعوث الاممي جريفيثس في احدى افاداته الدورية لمجلس الامن الدولي.
الحديدة هي الميناء الرئيسي للشمال وهي شريان التجارة وبوابة التهريب للنفط والاسلحة والمصدر الإيرادي الاكبر لحكام صنعاء الحاليين بعد ان زاد الحصار البحري والبري عليهم بتكثيف الرقابة البحرية على السواحل الجنوبية وشطر كبير من البحر الاحمر وتوسع قوى النخبة الشبوانية شمال المحافظة بما يعني امكانية التحكم والرقابة الفعلية على خط الامداد الحوثي القادم من الشرق بالمهرة مرورا بوادي حضرموت وصولا لمأرب.
استطاع الحوثي في مفاوضات السويد تحقيق نصر سياسي تمكن من خلاله وقف العمليات العسكرية في الحديدة وحرمان المقاومة من تحقيق انجاز عسكري واضح لم يتبق له يومها الا ساعات فقط لدحر الحوثي والسيطرة التامة على الحديدة ومينائها.. حيث اُستخدم الدهاء السياسي يومها من قبل الحوثي والاطراف الداعمة له في اتفاق السويد لغرض ترويض المقاومة المقاتلة في الحديدة من خلال اعلان تنازلات اسمية من الحوثي جهة اعادة الانتشار واضافة مينائي الصليف ورأس عيسى في سلة الترضيات (وهما ابعد من ان يكونا في متناول اي قوة عسكرية ضد الحوثي.. وليس لهما اهمية كبيرة بمقدار اهمية ميناء الحديدة) وبالأخير لم تحصل المقاومة لا على ميناء الحديدة ولا الصليف او راس عيسى.
لقد كان ذلك انجازاً مرحلياً هاماً بالنسبة للحوثي في عدم خسارة ميناء الحديدة تماما.
اذ لم يخسر الحوثي ميناء الحديدة بفضل هذا الاتفاق, لكن بالمقابل لم يكن ذلك كافيا لعودة الحركة التجارية كاملة الى ميناء الحديدة وهذا هو مربط الفرس والهدف الاستراتيجي الحوثي غير المعلن الذي يسعى لإنجازه بطرق مختلفة ومركبة الان.
ويمكن تفسير النشاط العسكري الحوثي الاخير لغرض انجاز هذا الهدف الاستراتيجي وفي سياق الجهد المبذول لتوفير الشروط السياسية والاقتصادية الضاغطة على التحالف العربي والمقنعة للمجتمع الدولي لعودة النشاط التجاري لميناء الحديدة تحت ذريعة تقطع سبل الاغاثة الانسانية للملايين بالشمال عن طريق ميناء عدن فقط بواسطة الطرق التجارية التي حولها الحوثي الان الى جبهات مشتعلة وغير امنة لنقل البضائع بين الشطرين.
خلال الخمسة اشهر المنصرمة استخدم الحوثي مختلف المناورات التفاوضية مع الطرف الحكومي والوسيط الاممي للحيلولة دون التنفيذ الفعلي لاتفاق الحديدة وتسليم ادارته لجهة ليس للحوثي عليها اي سلطان ومع ذلك لم يستفد الحوثي تجاريا من هذا التعطيل.. ويبدو ان (نصف النصر/ نصف الهزيمة) لم يعد مجديا لدى الحوثي خصوصا مع المستجدات المحلية والاقليمية الاخيرة التي بدون شك ستؤثر على القنوات التي كان يستمد منها حاكم صنعاء جزءا هاما من مصادر قوته الاقتصادية والعسكرية نفصل بعضها كالتالي:
1) تعزيز التواجد الجنوبي ممثل بقوات النخبة الشبوانية في مديريات عسيلان وبيحان وامكانية نشاطها في قطع اي امدادات عسكرية او مالية للحوثي مهربة من الخارج عن طريق المهرة –وادي حضرموت وصولا لمأرب , وهو خط امداد رئيسي رفد الحوثي بمساعدات عسكرية ومالية ثمينة خلال السنوات الماضية وتكرر في الآونة الاخيرة ضبط ومنع شحنات من الذخيرة والاسلحة في منافذ المهرة كانت متجهة اليه.
2) تحويل الانتاج النفطي لمحافظة شبوة جنوبا الى سواحل البحر العربي وحرمان جهات شمالية من ميزة السمسرة والاستفادة من نقله, ورغم ولاء تلك الاطراف الشمالية للشرعية الا ان مصالحها التجارية ما زالت قائمة في صنعاء ومرعية من قبل سلطة الحوثي هناك, بما يفسر استمرار تبادل المصالح بين الحوثي ومراكز قوى شمالية تدير مارب وتتحكم بجزء هام من قرار الشرعية.
وعليه انعدام هذا المورد من نفط شبوة يعني انعدام فوائد غير مباشرة كانت تصل للحوثي.
3) النزوح غير المعلن لكثير من رؤوس الاموال والقطاع الخاص في الحديدة وفي صنعاء الى الجنوب او الى الخارج بسبب الوضع العسكري الميداني في الحديدة وبسبب اجراءات الجباية القاسية في صنعاء ومحاولة تصفية وتدمير بعض الاسماء التجارية بالشمال والاستحواذ عليها .. بما يعني ذلك جفاف متوقع في النشاط التجاري يترتب علية ضعف مؤكد للإيراد الضريبي والجمركي والرسوم والجبايات لسلطة صنعاء.
4) اشتداد العقوبات الاقتصادية الامريكية على ايران ودخولها منعطف جديد بداية مايو 2019 في محاولة منع التصدير للنفط الايراني بشكل كامل وهو اهم مصادر الثروة للنظام الايراني واعتراف قيادات ايرانية كبيرة بان البلاد تواجه اكبر ضائقة اقتصادية منذ قيام الثورة الايرانية.
هذه العقوبات دفعت بإيران الى تخفيض الدعم المقدم منها لحلفائها في الشرق الاوسط مما اضطر حزب الله اللبناني مثلا الى تخفيض رواتب بعض منتسبيه الى النصف والغاء بدلات السكن للبعض الاخر منهم في العاصمة بيروت.
على الصعيد اليمني كان الدعم الايراني للحوثي يتمثل في منح نفطية يتم تصديرها له تحت اسماء تجارية وهمية اثبتت لجنة التحقيق التابعة لمجلس الامن ما قيمته حوالي 30 مليون دولار تقريبا يتم تصديرها شهريا للحوثي.
هذا الكشف للجنة التحقيق يجعل امكانية حصول الحوثي على دعم خارجي اخر (من ايران او اي منظمات شيعية اخرى) على شكل سلع يتم استيرادها للداخل امراً وارداً جدا.
كل تلك المستجدات في النقاط الاربع المذكورة اعلاه وفي غيرها يبين ان الدعم الايراني ربما يتوقف او ينخفض بشكل ملحوظ وان مصادر الايرادات الداخلية من النشاط التجاري وتبادل المصالح مع (تجار الشرعية) واستمرار خطوط الامداد السرية قد يتعرض للانقطاع او الجفاف.. وعليه يجب العمل على توفير بدائل ناجعة ومستدامة وفي حدود مناطق السيطرة المباشرة للحوثي.
هنا تتجلى اهمية عودة النشاط التجاري للحديدة بالنسبة للحوثي كهدف استراتيجي لا مناص من البذل بكل ما يستطيع في سبيل تحقيقه.

كيف يخطط الحوثي لعودة الزخم التجاري لميناء ومدينة الحديدة والاستفادة منه؟
يتلخص الامر في خمس خطوات يعمل عليها الحوثي بمساعدة اطراف محلية تتقاطع بعض مصالحا معه للوصول لتلك الغاية نوجزها اولا ثم نستشهد بقراءات من المشهد السياسي الحالي تشرح بالتفصيل حيثيات تلك الخطوات:
1) ارباك الوضع الداخلي في عدن امنياً وخدماتياً ..
2) ادارة حملة اعلامية منظمة لإقناع الجميع بالداخل والخارج في فشل عدن (عاصمة وميناء) في ان تقوم بوظيفتها الجيوسياسية المناطة بها.
3) اشعال الجبهات بين الشطرين وتعطيل الطرق التجارية للشمال من ميناء عدن ودفع المقاومة الجنوبية لسحب اي نسبة من قواتها بالساحل الغربي لتعزيز الجبهات الحدودية لهدف تعديل الميزان العسكري بالساحل الغربي لصالح الحوثي.
4) محاولة اقناع العالم بان ميناء عدن يتعذر ان يكون منفذا رئيسيا للإغاثة والبضائع لمناطق الشمال وضرورة فتح ميناء الحديدة لذلك السبب وسحب القوات المهاجمة للمقاومة والتحالف من محيط الحديدة.
5) الاستعداد بالخطة (ب) من خلال استمرار الحشد البشري وتجنيد الطلاب من المدارس وزيادة الامداد المادي لكل الجبهات في الحديدة والساحل الغربي لخوض معركة فاصلة لاستعادة كامل السيطرة على الحديدة بعد سحب جزء من قوة المقاومة الى جبهات اخرى.

الإرباك الأمني والخدماتي لعدن
منذ تحرير عدن في 17 يوليو 2015 دأبت كل الاطراف الشمالية المعادية لاستقلال الجنوب ومعهم ادوات جنوبية محلية وتحالفات عقائدية اقليمية الى العمل الحثيث لعدم تحقيق الاستقرار وتطبيع الاوضاع الامنية والخدماتية في العاصمة الجنوبية ومحيطها, وكان الرهان الاساسي لتلك القوى هو رهان امني بالمقام الاول.. والكل يتذكر عدم اعتراف الغالبية الساحقة للنخبة المثقفة شمالا بانتصارات تحرير عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة يومها , وتأكيدهم لأي محاور جنوبي لهم (بلغة لا تخلو من الاستخفاف والسخرية) ان الجنوب اذا استطاع دحر القوة العسكرية الشمالية فلن يستطيع التخلص من الجماعات الارهابية وكذلك عناصر الدولة العميقة التي ستكون بديلا حاكماً للجنوب بدلا عن سلطة صنعاء المباشرة.
وعليه كان الربع الاخير لعام 2015 والنصف الاول لعام 2016 هو ذروة التحدي الامني الاكبر في عدن ومحيطها, بذلت فيه الجماعات الارهابية كل طاقتها القصوى لإحراق عدن باغتيالات وتفجيرات انتحارية شبه يومية استهدفت الكوادر والقيادات الجنوبية المدنية والعسكرية التي كان لها موقف واضح وصلب في عملية تحرير عدن والمحافظات الجنوبية وسقط في هذه الحرب الارهابية الغادرة اكثر من 500 شهيد جنوبي على رأسهم محافظ عدن الشهيد اللواء جعفر محمد سعد وقافلة طويلة من خيرة الرجال وعمدت تلك التنظيمات على ارسال اكثر الرسائل سواداً للمجتمع الدولي حول الجنوب من خلال رفع علم القاعدة على اهم معالم عدن وايقونتها التاريخية (ميناء عدن).
كل ذلك كان عمل مدروس لغرض التعويض عن خسارة السيطرة العسكرية المباشرة لعدن والجنوب من خلال التخريب الامني المنظم للجماعات الارهابية ومن يعمل تحت ستارها من اطراف اخرى, ورغم صعوبة تأكيد العلاقة المباشرة بين تلك الجماعات ومراكز القوى في صنعاء في هذه العجالة الا ان تقاطع المصالح بينهما في الجنوب واضحة للعيان لأبسط مراقب للأحداث مع انحسار شبة تام لنشاط تلك الجماعات في مناطق الشمال برغم انتماء بعض ابنائها الى صفها القيادي الاول.
وقفت المقاومة الجنوبية وبدعم واضح من التحالف العربي (الاماراتي تحديداً) وقفة شجاعة امام هذا التحدي الاصعب ونجحت بجدارة في الامتحان بشهادات محلية واقليمية ودولية موثّقة واستطاعت القضاء على الجماعات الارهابية وحجمت نشاطها الى درجة كبيرة للغاية ليس في عدن وحدها ولكن في عدن ولحج وابين وساحل حضرموت وبدلا من ان يكون عام 2016 عام نجاح المخطط الارهابي لتخريب الجنوب والسيطرة عليه في شكل امارات وجزر ارهابية متفرقة.. بدلا عن ذلك تم القضاء على ذلك المخطط وولد من رحم الازمة نصر جنوبي مضاعف تمثل في ظهور قوة جنوبية منظمة بسطت سيطرتها التامة في محافظات عدن ولحج وابين تمثل في قوات الحزام الامني تبعه تحرير ساحل حضرموت ثم جنوب شبوة (في 2017) وسيادة قوات النخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية على اراضيها ودحر الجماعات الارهابية.
هذا المخطط لتدمير عدن والجنوب امنياً فشل فشلا ذريعا في 2016 وحقق الجنوب فيه نصر يجوز لنا ان نطلق عليه نصرا استراتيجيا حيث ترافق القضاء على ذلك التخريب الامني ولادة قوة عسكرية وامنية جنوبية منظمة (من قوات الاحزمة والنخب) وبعدد لا يستهان به من الالوية العسكرية منتشرة ومسيطرة على معظم محافظات ومديريات الجنوب بشكل مؤسسي ممتاز وبعقيدة عسكرية واحدة لكل تلك الوحدات (الدفاع عن الجنوب ارض وهوية) وهي المدماك الراسخ لجيش الجنوب القادم.
ومن طرائف المواقف التي تكشف النوايا السياسية لحكام صنعاء ومدى التماهي وتوزيع الادوار بينهم وبين اي طرف يُنهِك او يُخرّب الجنوب وقواه الداعية للاستقلال هو الموقف الرسمي للفريق التفاوضي (الحوثي العفّاشي) في مفاوضات الكويت عند معرفتهم بخبر تحرير المكلا وساحل حضرموت من القاعدة بقوات النخبة الحضرمية نهاية ابريل 2016, فبدلا من ان يباركوا النصر على قوة ادعوا انهم يحاربونها ودخلت جحافل قواتهم عدن والجنوب في 2015 تحت هذه الذريعة (محاربة الدواعش).. بدلا عن ذلك اعلنوا استنكارهم تحرير المكلا وساحل حضرموت بقوة جنوبية تحت حجة امتهان السيادة من قوات اجنبية اماراتية شاركت جوا في هذا التحرير وكأن عناصر القاعدة كانت تحتفظ بالحق السيادي لحكام صنعاء في حضرموت امانة حتى يأتوا لاستلامه علنيا في يوم لم ولن تظهر له شمس بعد.
وعليه مثلما كان 2015 هو عام الهزيمة العسكرية لحكام صنعاء في الجنوب فقد كان عام 2016 هو عام هزيمة اي مخططات امنية تخريبية لهم او لغيرهم بالجنوب وظهور قوة عسكرية وامنية جنوبية كبيرة ومنظمة تحمي هذه الانتصارات.. ليس ذلك فحسب بل كان السبق الجنوبي الاستراتيجي الثالث هو نقل المعركة العسكرية الاساسية الى خارج حدود الجنوب منذ بداية عام 2017 في الساحل الغربي وصولا الى قلب مدينة الحديدة الميناء الرئيسي للشمال.. وتشكل قوة جنوبية اضافية اخرى هي قوات العمالقة الجنوبية.
سقط جيش صنعاء عسكريا في عدن وانهزم عناصر الجماعات الارهابية التي كانت اعمالها التخريبية تخدمه كذلك ولم يبق من ادوات الارباك والتعطيل لصنعاء في عدن الا عن طريق عناصر الدولة العميقة في مفاصل الاجهزة الحكومية من خلال تعطيل الخدمات العامة وافشال اي محاولة للإصلاح او المساعدة الخارجية للنهوض بالخدمات الاساسية وكذلك المساعدة والدعم للجريمة المنظمة ونشر المخدرات بين الشباب بما يترتب عليها من توابع اجتماعية خطيرة... ويمكن تلخيص هذا النسق التخريبي الذكي في بعض النقاط:
• الفساد الكبير في ملف الكهرباء والحيلولة دون انجاح اي جهود خارجية لدعم القطاع واصلاحه لدرجة التعطيل المتعمد لمحطات التوليد الكهربائية الجديدة.. ففي العرف الهندسي من النادر للغاية ان تخرج توربينات توليد كهربائي جديدة عن الخدمة في السنة الاولى لتشغيلها ان لم يكن الامر بفعل فاعل وهذا ما حصل مع محطة التوليد القطرية بالحسوة (60 ميغاوات) اكثر من مرة منذ تشغيلها.
• ينسحب نفس الامر الى قطاع المياه والمجاري واحداث شلل واضح في ادارة المحافظة المسؤولة عن هذه الملفات وحجب الميزانية التشغيلية اللازمة عنها لتسيير العمل رغم ان ايرادات ميناء عدن تم تحصيلها من جديد منذ سبتمبر 2015 وهي كافية لتسيير خدمات المحافظة حيث بلغ الايراد الجمركي لمحافظة عدن 55 مليار ريال لعام 2016 و65 مليار ريال لعام 2017 فيما بلغ الايراد الجمركي والضريبي معا حوالي 133 مليار ريال لعام 2017 واكثر من 160 مليار ريال لعام 2018.
• ضبط كميات كبيرة ومتكررة من المخدرات قادمة الى عدن من محافظات شمالية (نقطة دوفس ونقاط في لحج والضالع) واغتيال قائد قوة مكافحة المخدرات بعدن قبل عدة اشهر الذي حاول كشف خيوط المنظومة التي تدير هذا التخريب في عدن والجنوب.
• الحصار المستمر لعدن والجنوب في مشتقات الوقود والدعم المريب للشرعية لجهة احتكارية واحدة من القطاع الخاص تتحكم في توفير الوقود او منعه عن القطاع الخدماتي وعن والمواطنين بذرائع مختلفة في اوقات محددة تكون غالبا مترافقة مع توتر سياسي او امني بين اطراف محلية وعدم البت الحكومي القاطع في تداخل المهام بين مصافي عدن وشركة والنفط منذ 3 سنوات مضت بالرغم من استطاعة اي حكومة بالعالم باي قدر من الامكانيات ان تحل اي ملف خدماتي اقتصادي بين مؤسساتها (مثل ملف الوقود في عدن) في غضون شهيرين او ثلاثة بالكثير اذا توفرت الارادة السياسية لذلك.
• تعطيل اجهزة النيابة والقضاء من خلال تأخير مطالبهم الحقوقية والدفع بكثير من الناس بوعي او بدون وعي للتسابق على البسط العشوائي لمساحات عقارية بالمدينة والاقتتال عليها ليس لنشر الفوضى وحسب بل وتوظيف الفوضى الى اصطفافات مناطقية قذرة لتدمير النسيج الاجتماعي على مستوى عدن والمحافظات المحيطة بها.
• تحويل مسار الهجرة غير المشروعة لأبناء القرن الافريقي (التي تعتبر تجارة رائجة عابرة للدول منغمس فيها جهات يمنية منذ عدة سنوات مثلها مثل تجارة تهريب الاسلحة والمخدرات والنفط المدعوم من دولة الى اخرى غير مدعوم فيها).. تحويل ذلك المسار من خط شبوة - مارب - الجوف او المخا - حرض وبعدها السعودية الى خط شبوة عدن واغراق عدن بعشرات الالاف من الافارقة في الشوارع (منظمة الهجرة الدولية تتحدث عن اكثر من 37 الف مهاجر افريقي غير شرعي في الاشهر الماضية لعام 2019) الى جانب اكثر من مليون نازح من محافظات الشمال لزيادة العبء الخدمي والصحي والامني على عدن وهي على ابواب صيف حار مع عدم تقديم ما يلزم من دعم مادي واداري لاستيعاب كل ذلك.
• زيادة نسبة جرائم الاختطاف والاغتصاب والقتل للأطفال بشكل لم تعرفه من قبل مدينة عدن وخلق الذعر الاسري واكتشاف شبكات منظمة تقف وراء هذه الاعمال وليست حوادث فردية منفصلة.
كل هذه الاعمال والتخريب والتعطيل لتطبيع الحياة والاستقرار في عدن مكملة لبعضها لخدمة هدف واحد هو وقف عامل التنمية والاستقرار وسيكون من السخرية لأي جهة يهمها امر الجنوب ان تنظر الى كل تلك الممارسات بشكل منفصل ومعزول عن بعضها البعض وبالتالي الغرق في بحر ردّات الفعل لكل حدث بذاته بدلا من تحليل الصورة بشكل متكامل (زمانيا ومكانيا) لمعرفة الهدف العام لها والخروج برؤية واضحة يمكن البناء عليها في رسم خطوات الحل الشامل والمستدام.