كتابات وآراء


الأربعاء - 17 يناير 2018 - الساعة 09:29 م

كُتب بواسطة : قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب


من وحي زيارتي للمعرض الوطني الأول للإبداع والإختراع في ديوان الجامعة اليوم.

رغم قساوة الحياة وسطوة المحن التي تعيشها حورية البحار وأميرة المدن عدن منذ ٢٣ عاما الا أنها لم تستلم لمشيئة الحروب والحصار وكل صنوف العذابات والفتن، فهاهي تقتنص لحظات الهدوء العابرة في مهب العاصفة لتعاود الحلم والأمل بالحياة التي تستحقها وتبوح بما يختلج في أعماقها من أشواق وآمال إبداعية علمية أكاديمية وثقافية متقدة للإنطلاق في فضاءات المستقبل الأجمل. إنها عدن حورية البحار وأميرة المدن القديمة والجديدة المسكونة بالنار الأبدية، التي لم ولن تخمد أبدا منذ أن صنعها الخالق الباري المصمم العظيم بهذه الهئية الطبيعية الباذخة السحر والجمال، فمن يشبهك من؟! عدن عبقرية المكان وذاكرة الزمان، هي المدينة المتفردة بجمالها الطبيعي، حيث يتعاشق البحر والبر والجبل بتناغم يضفي عليها أهاب الجلال والرهبة؛ فشواطؤها ليس لها مثيل برمالها الفضية والذهبية في خورمكسر وجولدمور والبريقة والغدير. وميناؤها كان وسيظل ثاني أهم موانئ الدنيا قاطبة، فكم هي المدن التي مررت بها في بلاد الله الواسعة ولم أجد مدينة تشبه عدن من حيث التصميم والتشكيل والموقع والروح والفن؛هنا في عدن الاسم والمعنى تحضر الجغرافيا بوسائل شتىء ولكن الإنسان صانع التاريخ والقيم هو من يمنحها الروح والمعنى، ففي حين فُرضت الحرب على تلك المدينة المسالمة- التي لم تعتدي على أحد طوال تاريخها التليد- هب رجالها وشبابها ونساءها هبة بركانية بوجه جيوش وجحافل الغزاة المعتدين فاحلوها الى جحيم تحت أقدامهم وهنا في عدن فقط لقوا حتفهم بينما عجزت ١٢ دولة عربية وجيوش الشرعية اليمنية عن تحرير مدينة صنعاء من القوى الانقلابية! وبعد تحرير عاصمتهم منذ ثلاث سنوات تنفس الناس الصعداء وحلموا باستئناف حياتهم الطبيعية في مدينتهم فخابت أمالهم بمن كانوا يظنون أنهم حلفاءهم في المعركة الذين سرعان ما نكثوا بوعودهم وتركوا عدن الباسلة تواجه مصيرها وتتدبر أمر جراحها لوحدها
بعد أن تركتوا وخصومهم أثر بعد عين ! ولم تستسلم، حاصروها وعذبوها بالماء والغذاء والدواء والكهرباء والبترول والإرهاب والاغتيالات والمرتبات وتخريب المؤسسات والخدمات والطرقات والمواصلات والاتصالات والمليشيات وغياب السلطات فقاومت وصمدت ولم تستلم. ولازالت تقاوم بطاقاتها الشابة وبكل ما تمتلكه من إرادة حياة وكرامة وحرية وبتنويعات مختلف الألوان واﻷشكال وحاول ابناءها وبناتها البحث في كل الممكنات التي تجعلهم يتناسون أوجاعهم وتمنحهم بعض السلوى والأمل، بإبداع تقنيات مختلفة لمقاومة القهر والعجز والموت الذي يريدونه لها فتنوعت أساليب وأدوات المقاومة بالكتابة وتأسيس مراكز الدراسات وعقد الملتقيات الفكرية والثقافية والأدبية والعلمية فضلا عن المظاهرات المليونية وتأسيس أشكال جديدة من الفعل النضالي ومنها المجلس الانتقالي الذي لازال يراوح في المجال الخطابي! وفِي خضم المخاض الجديد لميلاد الجنوب الجديد كانت الحاجة تحث الأفئدة والعقول للتفكير بهذا الحال والمآل وما الذي بوسعنا عمله؟! فظهرت مبادرات إبداعية شبابية رائعة منها مشروع ( عدن تقرأ) إذ لم تشهد عدن في تاريخها حالة حراك ثقافي أدبي وفني وعلمي وإبداعي فردي وجماعي للنوع الاجتماعي كما هي اليوم، وهذا ما يمكن رؤيته في المعرض الوطني الأول الذي افتتحته جامعة عدن في ديونها بعنوان ( المعرض الوطني للإبداع والإختراع ) منذ يومين حلقت فينيقية الحلم والأمل بأجنحة الإبداع والإختراع وحفل المعرض الذي ينظم في حضن الانقاض والهشيم بمشاركات إبداعية وإخترعات علمية وتقنية بالغة الأهمية والقيمة.
صباح اليوم وجدت الفرصة سانحة لزيارة معرض جامعة عدن للإختراعات والإبداعات إذ تجولت في أجنحة المعرض فادهشتني معروضات المخترعين المتنوعة في مجالات التقنية الصناعية والطبية والعمرانية والجغرافية وغيرها،وحينما شاهدت العربة التي اخترعها الشاب ذو يزن الحالمي تذكرت الحكمة الأثيرة ( الحاجة أم الاختراع) فهذا الشاب النحيل تمكن من اعادة توظيف واستخدام خردة الحديد وصنع منها سيارته الجميلة التي تحمل أسمه.كما سعدت بمشاهدة اختراع الدكتور البوفسيور ثابت العزب استاذ الهندسة المعمارية بكلية الهندسة ورئيس اللجنة التحضيرية للجمعية العلمية الوطنية.إذ اختراع بمساعدة بناته المهندسات ثلاث انواع من الطوب البديل( البردين) من مواد عالية الجودة والرشاقة والخفة، وهو بذلك يسجل براءة أختراع عالية القيمة والجدارة في مجال الإنشاء والتعمير. ووجدت صديقي العزيز الدكتور وائل مصطفى شكري يعرض مخترعاته في الطب البديل فسعدت بمشاركته الرائعة بالمعرض وهو من العلماء الشباب الواعدين . وفِي الدور الثاني وجدت الفنان الحضرمي من تريم المبدع يرسم لوحاته التشكيلية بالضوء والرمل فقط فأعجبني هذا النمط الإبداعي. كما اطلعت على تجربة الشباب المبتكرة في الصناعة الورقية بادوات بسيطة ومستخدمة. وكان مسك الختام اختراع الكرسي المتحرك بقوة الدفع الهوائية فقط. خرجت من المعرض بمشاعر تختلف عن المشاعر التي دخلته بها إذ شعرت وانا أتجول بين طاولات المخترعين بسعادة غامرة، وقلت في نفسي رغم كل شيء فمازلت العقول قادرة على التفكير والإبداع والإختراع! وفِي المعرض كان لكليتنا الفقيرة ( أقصد بالدخل والموارد) كلية الآداب حضورا ولديها ما تفخر به وتقوله بمشاركة متميزة للاستاذ الدكتور محمد أحمد سعيد حداد عن مخاطر التفجيرات الصخرية
على المياه والبيئة. وهكذا هو الحال مع العلم والحياة لا نكتشف الإ موجودا ولا نخترع الإ ممكنا! ولا شيء يأتي من العدم وعدن رغم الجراح والالم لازالت خصيبة وولادة لكل جديد ومفيد وممتع، فماذا اخترعت المدن التي تتلذذ بعذبان عدن وتمعن في تخريبها؟! أنها عدن ياسادة بنت البركان وعاشقة البحار تضيء كالقمر في كل العصور والأزمان ! تهانينا للمبدعين والمخترعين المشاركين بالمعرض وشكرا لجامعة عدن لتنظيمه وغدا الاختتام والإعلان عن الفائزين

واليكم بعض الشواهد