كتابات وآراء


الخميس - 06 يونيو 2019 - الساعة 05:41 ص

كُتب بواسطة : بدر قاسم محمد - ارشيف الكاتب


أقود السيارة بمفردي عائدا من أبين إلى عدن بعد ان أتممت مناسك معايدة الأهل والأحباب .. لأني وحيد كانت لدي طفرة في صنع المعروف وإيصال أحد القابعين على قارعة الطريق يبغي الركوب إلى عدن .. كما أني أبغي الصحبة و الدردشة , من بداية جولة " محطة الكوز " أفتش عن راكب و أتلفت يمينا وشمالا .. :
عيدٌ , لقد خلى الطريق من أي أحد .. أوشكت على اقصاء اخر مربع سكني لمدينة الكود - أبين .. إذا بفتية ثلاثة يلوحون لي بأيديهم مبتسمين وقد أدركوا نيتي الوقوف , من ابتسامتي و هدأة السيارة , كان بيد أحدهم كيس أزرق من أكياس الاعلانات التجارية , من هيئته يبدو ان بداخله جسمين اسطوانيين موضوعين فوق بعض .. وقف بمحاذاتي ومن نافذة الراكب الأمامي يحدثني وهو يرفع الكيس كي أراه :

- ياطيب لو تكرمت : ممكن توصّل الكيس معك إلى محطة باشافعي ..
- قاطعته : كيس أيش .. ولمن ؟!
- كيس فيه غداء .. باتلاقي مقابل محطة باشافعي على الخط واحد " قصير سمين " اسمه :محمد ... , اعطه اياه .
- " اوكي " تمام , مافي مانع ... فتدلى الفتى من نافذة الراكب فوضع الكيس على مقعد الراكب تماما .. بدا الكيس على المقعد وكأنه الراكب رفيق الرحلة الذي طلبت , رفيق صامت يحدق بي و أحدق به .. ريثما انطلقت أدركت أنه يجب علي ان أحدق بالكيس أكثر لأعرف محتواه .. حدثتني نفسي : ماذا لو بداخله متفجرات ؟! .. أااخ .. يالسذاجتي: كيف لي ان أثق بكلام فتى يافع لا أعرفه ولايعرفني .. ؟!

التحديق في الكيس عن بعد لايكفي !.. ما إن قررت ان أتحسس بيدي ما بداخل الكيس حتى اقتربت مني نقطة " دوفس " الأمنية ..

أهااا .. ما أردت ان أفعله سيفعله العسكري الواقف في منتصف النقطة الأمنية , سيتكفل بتفتيش الكيس و معرفة ما بداخله !..

لقد خذلني العسكري بقوله , بعد ان سألني :
من أين أتيت ؟!
فاجابته : من أبين , :
- حَن .. الله يفتح عليك ....

انطلقت مرة اخرى مصطحبا معي شكي وظني في محتوى الكيس :

- أيعقل ان يثق أحدهم بشخص لايعرفه ؟!
يثق الفتى بشخص لايعرفه في ايصال حاجته ! .. و أثق أنا بشخص لا أعرفه في سلامة حاجته ! ..

مازلت أرمق الكيس المستوي بجانبي على مقعد الراكب بنظرات الشك والريبة .. و يدي اليسرى ممسكة بمقود السيارة , هويت بيدي اليمنى نزولا إليه كي أتحسسه .. فهوت السيارة و انحرفت عن الخط وكادت ان تنقلب ! .. لو لم أسارع إلى العودة لوضعية القيادة الصحيحة وبحركة خاطفة اعدتها للمسار الصحيح ..

" أاووه " : أطلقت زفرة حمد و شكر لله ..
" تبا " كان هذا من أجل تحسس الكيس اللعين ! .. إنه لعين حقا فما ان قررت ان ألمسه فقط حتى شارفت على الموت !.. لقد تأكدت من انطواءه على موت ما ! ..

قلت لنفسي : يابدر , بعد هذا الذي كاد ان يحدث , بسبب هذا الكيس اللعين :
لاتستسلم لأي فكرة من أفكار الكشف عنه لمعرفة مابداخله , حتى و إن كانت فكرة ركن السيارة جانبا كي تتفحصه !..

عزز عامل الإيمان الغيبي بكونه وجبة غداء لأحدهم .. و أنت صاحب معروف ليس إلا ..
قُد سيارتك فحسب , سَمِّر نظرك و رأسك على الطريق الأسفلتي بمطرقة التركيز .. لا تسمح لشجن التحديق مرارا في الكيس ان يشدهك ..

دقائق معدودة و إذا بمحطة الشافعي تلوح من بعيد .. هل سيلوح لي أحدهم " قصير سمين " اسمه : محمد .... , كما وصف الفتى , إن لم يظهر أحدهم سأرمي بالكيس اللعين امام محطة الشافعي في الصحراء ...

أقتربت من المحطة و إذا ب: محمد ... يتوسط الطريق واقفا قصيرا سمينا كما وصفه الفتى " , بادرته بفرح السؤال :
أنت : محمد .... ؟!
بادرني بفرح الإجابة :
نعم أنا هو ... , معك غدائي ؟!
أجبته وأنا أنزع الكيس من مقعد الراكب و أتحسسه بكلتا يدي :
- معي هذا الكيس الذي قد يظنه الغريب الجاهل متفجرات !..

ضحك الرجل القصير السمين وهو يشكرني ويعزمني كي أشاركه وجبته .. فشكرته و ودعته و لسان حالي يردد :

لقد كاد غدائك ان يودي بحياتي .. بعد تفكير عميق , رجعت عن هذا الاستنتاج و استقريت على استنتاج اخر :

لا تصنع معروفا لست على ثقة منه !
............
بدر قاسم محمد , بعد ظهيرة ثاني أيام العيد , يوم الأربعاء الموافق : 5 /6/ 2019م

-