الفن والأدب

الأربعاء - 17 مايو 2023 - الساعة 08:59 م بتوقيت اليمن ،،،

متابعة


التبراع هو شعر نسائي غرضه الغزل، تعبر المرأة الصحراوية من خلاله عن عواطفها ومشاعرها الكامنة دون إفصاح صريح تجاه الرجل، ولايقتصر على هذا الجانب، بل هناك نماذج تعبر فيها المرأة عن تفاعل مع قضايا اجتماعية وإنسانية وسياسية أيضاً، ويعكس في لغته ومعانيه جوانب عدة من الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمع البيضاني، لذلك تحاول مجموعة من شاعرات هذا الجيل إحياءه، والحفاظ عليه من الاندثار.
وفي ظل إطلاق السعودية على العام الحالي (2023) عام الشعر العربي، واحتفاءًا بدوره الحضاري وقيمته المحورية في الثقافة العربية، سيدتي تحدثك بالسياق التالي عن شعر التبراع من خلال لقاء الباحث في التراث مجدي نعمان، وهو باحث وشاعر وأديب شاب.
يقول نعمان لسيدتي : التبراع هو إبداع شفوي نسائي محض، وهو لون أدبي خاص بالمرأة، وهو شعر عربي منظوم تبدعه النساء الحسانيات تغزلاً في الرجال، وهذا النوع من الشعر تحديدا يسمى بالغزل العفيف، يجلس النساء في أجواء خاصة من السرية والكتمان والحرص الشديد على عدم التداول والانتشار نتيجة للحشمة والوقار والرقابة التي تمارسها الطقوس البدوية في الصحراء، وقد وجدت المرأة الصحراوية متنفسا عبر التبراع وقول مشاعرهن بعيداً عن سلطة المجتمع الذكورية.

التبراع.. بوح في مجالس نسائية
يقول نعمان، إن التبراع عبارة عن شعر غنائي خاص بالنساء الحسانيات، ويمثل جزءاً من الثقافة الحسانية، ولا يوجد إلا في منطقة بني حسان جنوب المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي، ومصدره في الغالب مجهول، وهو يعني ذلك الشعر الحساني الذي تنتجه المرأة الشعبية في الليل، عندما يتجمعن حول صينية الشاي في مجالس نسائية، بطقوسها الصحراوية معبرة عن مشاعرها وأحاسيسها تجاه المحبوب المجهول سواء بشكل فردي أو جماعي، يتجمعن فيرتجلن بالتتابع أبياتاً من الشعر تكون متنفساً لعواطفهن الجياشة، وفق نظام مجتمعي محافظ ، يتنفسن بهذا الشكل لاقتلاع جزء من حرية أعراف مجتمعية ودينية مغلقة، ويطغى عليها الطابع الذكوري لا يعترف بحق النساء، ويتحررن فيه من كل القيود والأعراف المجتمعية، حيث تتغزل فيه المرأة بالرجل، وتعلن فيه عن حبها وولعها بمعشوقها المجهول، وهو يعتبر شعراً منظوماً تبدعه النساء الحسانيات تغزلاً بالرجال، وبعيداً عن أعينهم، ويتميز بالاقتضاب والكثافة والقصر، وإذا اضطرت المرأة للتعبير عن حالات نفسية ذات صبغة حميمية، فتنزوي بعيداً عن الأعين ليتغنّين بالمحبوب، فإنها تتخذ السرية والحديث خلف الستار وسيلة للترويح عن آهاتها الغرامية وأمام هذه الحالة من الكبت استطاعت المرأة أن تفتح ثغرة في سور العادات والتّقاليد مكّنتها من البوح بمكنونات قلبها، وإبداع لون أدبي جديد له خصائصه الفنية.

نماذج من الشعر الحساني

كَيْفَ أنْســــــــــــاهُ ... ذلٍّ في الجَفْنٍ سُكْناهُ (المصدر: pexles)
التبريع عبارة عن بيت شعري من شطرين في نفس الوزن والقافية وأي كسر أو خطإ بسيط في الوزن يسمع نشازاً في الإلقاء وخصوصاً في الغناء، ولمجلس التبراع طقوسه الخاصة التي تؤثثها مجموعة من الفتيات المجتمعات للسمر، فتبدأ الواحدة منهن بالإنشاد في موضوع أو مغزى معين، قد يعنيها وقد يكون عاماً، المهم أن يكون داخل إطار الغزل، فتطفق الواحدة تلو الأخرى في التَّبَرُّعْ ويستمر الأمر على شكل مساجلة أو محاورة تبراعية، وعادة ما تكون التبريعة الافتتاحية وهي دائما تكون على شكل مقدمة يذكر فيها اسم الله، وتبرز فيها مكانة رسول الله صلي الله عليه وسلم عند المتبرعة، فيقال مثلاً:
لايلاه إلا الله ياخوتي لايلاه إلا الله
لايلاه إلا الله مغل علي رسول الله
مَغْلَ عْلي : ما أغلى عندي، والمعنى طبعا في حب ومكانة رسول الله (ص) عند المتبرعة.

• تقول إحدى النساء العاشقات غزلاً في حبيب أسمر
أُلا يَكْدَرْ يَنْعــــــــــافْ
لَخْظارْ فْعيمانْ الجفافْ
والبيت بالمعنى الفصيح يقول : لا يمكن أن نكره منظر الخضرة عموماً، فما بالك بأيام الجفاف وهنا تبدو التبريعة مجرد صورة طبيعية ساذجة، ولكن إذا علمنا أن لَخْظارْ في اللهجة الحسانية هو السمرة أي اللون الأسمر، فإن المعنى الخفي يصبح غزلا في حبيب أسمر، وكيف لا أحبه وهو الخصوبة في عز الجفاف.

• رومانسية التبراع ما بين بين الشكوى واللوعة والسهر وهجران الحبيب والنسيان
كَيْفَ أنْســــــــــــاهُ ... ذلٍّ في الجَفْنٍ سُكْناهُ
ذَلٍّ : هذا الذي
كيف أستطيع نسيان من يسكن أجفان عيوني .
عَــــنْـــدُو تَبْسٍيمَة ..... تُحْيي الْعِظَامْ الرَّميمَة
يبقى الطابع الرومانسي هو الغالب أكثر على شعر التبراع، حيث تقول المتبرعة أن ابتسامة حبيبها تحيي العظام وهي رميم... أي تعيد الحياة، وهي هنا تمتح من القرآن الكريم والمعجم الديني حاضر بقوة في التبراع ولكن دائماً لخدمة الغرض الرئيسي وهو الغزل .

• وتقول إحدى الفتيات في التّبراع:
لا ترقد عني ... حمة ذ السقم الماكني
(معناها أنّها أصيبت بالحمّى من شدّة الشّوق إلى حبيبها)

• وتقول فتاة حين تشتاق الي حبيبها :
ما نكدر نصبر... أشهر شهرين اثلت أشهر
أي أنها لا تسطيع الصبر على فراق حبيبها شهراً ولا شهرين ولا ثلاثة أشهر.

• وتقول إحدى الفتيات وقد شاهدت من تحبه وفي فمه مَسْواكًا أو سٍواكا على عادة أهل الصحراء ... فالتفتت إلى صديقاتها قائلة :
لُو كَنْتَ لْ هُو.... ما نَحْرَكَ لُو جاتْ القٌوَّة
والمعنى : لو كنت أنا ، هو( أي المسواك) لما تحركت (من فمه)حتى ولو بقوة الجيش...