كتابات وآراء


الخميس - 07 فبراير 2019 - الساعة 10:36 م

كُتب بواسطة : مروان الغفوري - ارشيف الكاتب




تلقيت عدداً من الرسائل حول ما كتبته بالأمس، تحديداً: حول الطبيب اليمني الذي حصل على الشهادة قبل عامين ونال كل شيء في لمح البصر. ليكن واضحاً، فأنا لا أكتب عن أشخاص بعينهم إلا من جهة ارتباطهم بالشأن العام "السياسي أو الثقافي". إذا كان طه الميموني طبيباً جيداً فهذا خبر صغير جيد، وإن كان طبيباً زائفاً فهذا ليس بالخبر شديد السوء، على وجه الخصوص في بلد يتحدث فيه "الضمين" عن الدكتوراه العليا، ويقول فيه محمد الزنداني إن والده رأى الخلية سي دي فور في يوم من الأيام.

الطبيب المشار إليه عاد من مصر إلى صنعاء، وفي وقت قياسي صار رئيساً لقسم القلب في المستشفى السعودي الألماني.

ولم يمض سوى وقت قصير حتى صار رئيساً لمركز القلب في المستشفى العسكري.
ثم .. أصبح عميداً في القوات المسلحة "الحوثية".

ثم .. فجأة حضر اجتماع مجلس قسم الباطنة، جامعة صنعاء، كأستاذ جديد لا يعرف أحد من أي جاء، ودون أن يبلغ رئيس القسم بالأمر. اعترض رئيس قسم الباطنة، بروفيسور يحيى العزي، على التعيين الفوقي، ودفع ثمن اعتراضه.

أقيل البروفيسور العزي من منصبه لأنه اعترض على أوامر "الصماد" بضم الميموني إلى أعضاء هيئة التدريس في جامعة صنعاء. يعرف الزملاء أن يحيى العزي يعد من أكثر من خدم التعليم الطبي في اليمن، داخل الجامعة وخارجها.

بعد أن صار عميداً في القوات المسلحة أصبح بروفيسوراً في الجامعة، وخلال عامين كان رئيساً لأهم مركزي قلب في صنعاء "العسكري، السعودي الألماني". وفي كل الحالات كانت "الجماعة" تقاتل نيابة عنه، وتسحق كل من يبتدي امتعاضاً حول رجلها، كما حدث مع البروفيسور يحيى العزي.

قبل أسابيع قليلة طلب مني زملاء من صنعاء، أطباء قلب، نسخة من "نظام البورد الألماني" في طب القلب. وعدتهم بتوفير النسخة ما إن أجد الوقت لذلك. غير أن الأمور تصاعدت على نحو تراجيدي:

فقد أصدر وزير الصحة الحوثي قراراً باستبعاد أحد أشهر أساتذة القلب في اليمن، البرفيسور أحمد المترب، من نظام التعليم الطبي"البورد اليمني لأمراض القلب". كان البروفيسور المترب هو الأب المؤسس للنظام، وقد كافح كثيراً حتى يتمكن خريجو الجامعات اليمنية من الحصول على فرصة دون الاضطرار إلى الهجرة. أما الرجل الذي أخذ منصب المترب وسيباشر عمله في القريب العاجل فكان اسمه، ويا للمصادفة: طه الميموني.

ما إن وصل إلى صنعاء حتى فتحت له كل الأبواب، وأصبح قادراً على ترديد كل شيء في أي وقت يريده. فهو، كما تقول لافتة دعائية للمستشفى السعودي الألماني، زميل جامعة ستانفورد. وأشياء كثيرة شبيهة بذلك.

من الرسائل التي وصلتني جاءت رسالة مثيرة من أحد طلبة السنة الرابعة في كلية الطب بجامعة صنعاء. تحدث بالتفصيل عن أول لقاء للمجموعة بطبيب السلطان قابوس، رجل المدرّات الخمسة، طيب الذكر "طه الميموني".. قال الطالب:
"كنا نقول له يشرح لنا اجزامينشن على الحاله مكنها اقروا اقروا واخذ السماعه وحطها هنا وهنا. مضت المحاضره ساعتين اتصالات وين الوزير وين نلتقي بالوزير".

رسائل أخرى كثيرة قالت إن الرجل حسن الخلق، ومهذب، وآخرون قالوا إنه دمث الأخلاق، ويبتسم للناس.

أذكّركم مرة أخرى. أنا لا أتحدث عن رجل اسم طه الميموني، إذا شئتم أن تفهموا كلامي على هذا النحو فقد أخطأتكم الرسالة.

سأختصر المسألة في كلمات قليلة:
تخرج شاب دون الأربعين من مدرسة طبية، وخلال عامين كان أصبح عميداً في الجيش الحوثي، بروفيسوراً في الجامعة، رئيس قسم القلب في السعودي الألماني، رئيس قسم القلب في المستشفى العسكري، رئيساً للتعليم الطبي في اليمن، ومستشاراً لوزير الصحة الحوثي.. وفي طريقه فقد أشهر الأطباء مراكزهم، وآلت إلى قبضته كل شيء. حتى إن وزير المالية الحوثي أبدى أسفه الشديد لأن "هذا العالم الكبير" لم يحصل بعد على ما يستحقه من الدعم.

الأمر لا يتعلق بحقيقة أنه يكتب للمريض خمسة مدرات للبول، ويقضي عليه.. وإن كانت هذه العملية لوحدها كافية للقول إن الرجل فقط أبعد ما يكون عن "عالم كبير"، بل لا علاقة له بالمهنة إجمالاً. دعك من أنه زميل ستانفورد، وعالج الرئيس مبارك والسلطان قابوس، وأنه يسافر لحل أزمات الطب في ألمانيا، وأنه تخرج من ألمانيا ومصر في الوقت نفسه .. وما إلى ذلك من الأمور التي دفعت أستاذه في جامعة القاهرة إلى القول "هتشوفوا من دول كتير"..

قلت لكم: لا يهمني، في هذا المقام وغيره، ما إذا كان جيداً أو تعيساً، فنحن "نشوف من دول كتير". الرجل أقرب إلى التعاسة منه إلى المجد، ومع ذلك فهذا أمر لا يهمنا.

يهمني هذا الفصل المظلم:
ما الذي يحدث للمهنة في صنعاء؟ ألا يكفي تلك الخرابة ما حل بها؟

م.غ.