آخر تحديث :الأحد-08 ديسمبر 2024-02:34م

لا جديد تحت الشمس!

الجمعة - 10 نوفمبر 2023 - الساعة 08:43 م

ليان صالح
بقلم: ليان صالح
- ارشيف الكاتب

عندما كنتُ صغيرة كان لدي هاجس المشي على بقعة وترك الأخرى حين كنت أسير في الطريق. بمعنى أنني أتخيل أن الطريق مقسم إلى مربعات فأسير على مربع وأترك الآخر وهكذا حتى أصل. لا أعرف الآن إن كان هذا له علاقة بشيء ما في الطب النفسي أم أنه مجردُ نوعٍ من اللعب وتزجية الوقت، فقد شفيت من هذا الهاجس الغريب الآن، إلا أن ما أسعدني وأدهشني هو أنني وجدت هاجسي عندما قرأت رواية « كائن منتصف الليل » لجورج ديهايمل، فبطل الرواية يعاني من الهاجس نفسِه بالضبط وهواجس أخرى كنت أفكر فيها وأنا صغيرة. وبعد أن درسنا في العلوم أن المادة تتكون من ذرات والذرات تتكون من أنوية تدور حولها الإكترونات، بدا لي هذا الأمرُ شبيهاً جداً بأنظمة الكواكب التي تدور حول الشموس. هل يمكن أن تكون هناك كائنات حية تعيش على الإكترونات التي تمثل الكواكب بالنسبة لها، بينما تمثل الأنوية الشموس التي تدور حول هذه الكواكب؟ وهل يمكن أن تكون كواكبنا التي نعيش عليها مجرد إكترونات تدور حول أنوية / شموس تكوّن مادة أخرى أكبر حجماً بما لا يمكن تخيله، وهذه المادة بدورها تمثل مادة كواكب وأنظمة شمسية هائلة لا يمكن تخيّلها؟ كثيراً أيضاً ما أفكرُ في فكرة لقصة، وتظل في رأسي لفترة ما ثم أفاجأ بالقصة قد كتبها شخص آخر! .. نوعٌ غريبٌ من توارد الأفكار الذي يحدث على مسافات متباعدة وعبر الزمن أيضاً! فيحدث كثيراً أن يتوصّل عالمان يعيشان في مكانين مختلفين إلى اختراع واحد في وقت متزامن، دون أن يعرف أحدهما شيئا عن الآخر، ويحدث أكثر أن نكتشف أن نظرياتنا الحديثة في السياسة والفلسفة والعلوم قد راودت أذهان علماء العصور القديمة ونجدها مذكورة في كتبهم التراثية. يبدو أن السبب هو أن عقولنا مصمّمة للتفكير بالطريقة نفسها، وكما تقول القاعدة العلمية إن البدايات المتشابهة تؤدي إلى نتائجَ متشابهة، فإن عقولنا تتوصل إلى الأفكار نفسها إذا أعطيت المعطيات نفسها. لا جديدَ تحت الشمس، كل ما فكرنا فيه أو فعلناه فكر فيه الأقدمون، الأفلام تقتبس من بعضها والقصص تستنسخ التيمات نفسها والموضات تتكرر بصورة دورية، لذلك أصبحت أشك كثيراً في قول أبي العلاء المعري: وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُهُ * لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ لا أيها الشاعر، لايوجد جديد، حتى تصميمات المركبات الفضائية وملابس رواد الفضاء وجدناها على جدران الكهوف القديمة التي تعود إلى آلاف السنين، ومعظم معارفنا الحديثة عرفها القدماء بشكلٍ ما. حتى فكرة هذا المقال ليست جديدة أبداً، فربما كُتبت مرات عديدة من قبل، وكما يقول الجامعة بن داود: « ماكان فهو ما يكون وما صُنع فهو الذي يُصنع فليس تحت الشمس جديد». فعلاً.. لا جديد تحت الشمس، لذا سأتوقفُ عن الكتابة وأضع نقطة في نهاية السطر.