آخر تحديث :الأحد-13 أكتوبر 2024-01:17ص

الاستطلاعات والتحقيقات


تقرير يكشف كيف يتجسس الحوثي على اليمنيين

تقرير يكشف كيف يتجسس الحوثي على اليمنيين

السبت - 28 نوفمبر 2020 - 03:44 م بتوقيت عدن

- (المرصد)اندبندت عربية


إذا ما سولت لميليشيات الحوثي نفسها، أن تضع ذات يوم رمزاً لـ “الجندي المجهول” في سيطرتها على السلطة في صنعاء، فإن ذلك الجندي قد يكون على الأرجح “شرائح الجوال”، التي لعبت دوراً بالغ التأثير في الحرب الضروس بينها وبين حكومة الشرعية المعترف بها دولياً، بوصف شرائح الجوال، الوسيلة الأشد فتكاً في معظم ترسانة الجماعة العسكرية، في الإيقاع بالخصوم وتجنيد المحايدين من المواطنين اليمنيين، المنقسمين طوعاً أو كرهاً بين طرفي الصراع، في أرض اليمن الذي كان لقبه “السعيد”.
ومع أن أطرافاً يمنية اعتادت تبادل التهم في استئثار طرف من دون آخر على مؤسسات الدولة، التي جرت العادة أن يكون ارتكازها في العواصم، إلا أن ملف الاتصالات اليمنية ظل ولا يزال أكثر الملفات الشائكة، وأحد الأدوات التي ترفد الميليشيات مالياً واستخباراتياً وإعلامياً وتعمل على بقائها متماسكة. فما هي الحكاية؟ كانت تلك مهمة “إندبندنت عربية”، التي تقصت القضية عبر دهاليزها المختلفة، بين شهادات الضحايا، ووثائق الفرقاء من رجال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وجُند زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي.
أرضية السيطرة
كان فرض السيطرة على صنعاء، في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، بداية العد التنازلي لخطوات الهيمنة على مفاصل الدولة، إلا أن نصيب الاتصالات، انطلق بإشارة من الرجل الأول في الجماعة عبد الملك، الذي تقول المصادر إنه وقف على تشكيل لجنة لـ “تنظيم التجسس على اليمنيين”، في 2016، مكونة من جهاز الأمن القومي اليمني، وبحضور ممثلين للحوثي شخصياً، نظراً لحساسية الموضوع، وهما ضيف الله زبارة، وعبادي العويري، جميعهم وقفوا على تعيين 7 قيادات على رأس وزارة الاتصال، بينهم 3 ضباط، عقيدان ورائد (تحتفظ الصحيفة بأسمائهم).
فور تكوين اللجنة، قامت بإنشاء وحدات من خبراء تم تأهيلهم في إيران والعراق ولبنان، توزعت مهامهم على كل قطاعات الاتصالات. بعد ذلك، عملت اللجنة الرئيسة، بحسب مصدرين أمنيين تحدثا إلى “إندبندنت عربية”، في سياق “غرفة عمليات مشتركة بين وزارة الدفاع والداخلية في صنعاء، مهمتها البحث والتحري عن كل قيادات وضباط حكومة هادي (الشرعية)، ومعرفة أرقامهم التي لم تكن مسجلة بأسمائهم، وكذلك رصد أرقام الأشخاص المناوئين للجماعة من الوجهاء والتربويين ومشايخ القبائل وذوي النفوذ، وذلك باستخدام سجلات شركات الاتصالات السرية للشركات اليمنية، مثل “يمن موبايل” و”سبافون” و “أم تي أن”، والبدء في مراقبة نشاط المستهدفين”.
إحدى الفرق التي انبثقت من لجنة التجسس، تولت مهمة اختراق حسابات في منصات التواصل الاجتماعي، أبرزها “فيسبوك” و “واتسآب” و “تليغرام”، بعضها ينشط من خلالها ضباط وقيادات النظام اليمني الجمهوري، ممن كانوا مع الحكومة الشرعية أو الذين التزموا الحياد في منازلهم.
أكد المصدران الأمنيان، اللذان تحتفظ “إندبندنت عربية” باسميهما، أن العناصر التابعة للجماعة، قامت ما استطاعت بالسيطرة على الحسابات والتجسس على شرائح الجوال ما أمكنها ذلك، وطورت تقنية استطاعت بفضلها رصد كل تحركات المطلوب مراقبتهم، عبر تتبع “الشريحة” من دون توقف ما بقيت متصلة بالبطارية.
ووفقاً للمعلومات التي حصلنا عليها من المصدرين الأمنيين، فإن عام 2018، شهد تطوراً لافتاً، حين بدأت العناصر التي تم تدريبها في إيران ولبنان والعراق، بربط الأجهزة التي في حوزتهم، بأجهزة تنصت حديثة أكثر تطوراً تتصل مباشرة بغرفة العمليات الحربية والصواريخ والطيران المسير من أجل استهداف قيادة الجيش وعناصر المقاومة الشرعية بواسطتها.
وأوضحا، أنه من الأجهزة الجديدة، التي تم ربطها بالاتصالات وغرفة العمليات العسكرية، أجهزة ترصد حركة طيران التحالف، هذه الأجهزة لها رادارات خاصة بها، تم توزيعها في مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة، وهذا- بحسب المصدرين – ربما يكون أحد أسباب عدم إصابة بعض ضربات الطيران التابع لقوات التحالف العربي أهدافها، إذ ترد إلى الحوثيين البلاغات عن الهجوم، قبل عمليات الاستهداف بحوالي عشر دقائق.
ويجرّم دستور الجمهورية اليمنية أشكال التجسس والتنصت كافة، إذ تنص المادة 53 من القانون اليمني على “حرية وسرية المراسلات البريدية والهاتفية، وكافة وسائل الاتصالات مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها”، كما أكد المشرع على ذلك الحق في قانون الإجراءات الجزائية في المواد (16،14،12) منه، واعتبر المساس بهذا الحق جريمة جنائية لا تسقط بالتقادم.
عصب المعركة
في سياق بحثنا وسعينا لاستكمال الصورة حول أهمية الاتصالات ومحورية هذا القطاع الهام في المعركة الدائرة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، توجهنا بالسؤال إلى مهندس الاتصالات اليمني، رائد الثابتي، الذي أكد أن “هناك جوانب مظلمة في عملية استخدام الاتصالات، فهذا الملف يمثل فنياً عصب المعركة واستراتيجياً نصف المعركة، ومسألة التنصت والوصول إلى بيانات المشتركين بصورة غير مشروعة بكل المستويات القانونية والدينية والأخلاقية، سواء كانت هذه البيانات رسائل نصية أو اتصالات صوتية أو صوراً أو فيديو”. لكنه أبدى أسفه لأن ذلك يتم بطرق عدة، فإن “كل ما يدور عبر شريحة الاتصالات يتم تسجيله في قواعد بيانات المشتركين، كما يمكن تقنياً اعتراض تلك البيانات والتنصت عليها، وأحياناً تكون في الأرشفة الآلية، أي أن كل البيانات في عمر هذه الشريحة تحفظ داخل القاعدة ويتم استردادها في وقت الحاجة إليها”.
وأشار الثابتي في حديثه، إلى أن عملية التعقب تتم بطرق عدة، فأحياناً تكون بوسائل تقليدية “عن طريق تتبع الرقم من خلال قاعدة البيانات الخاصة بالمشتركين، وهناك قاعدة بيانات خاصة بالمعدات التابعة لهذه الشركة مرقمة بما يسمى بعملية التدوين اليأي”.
الجانب المتطور في عملية التعقب، أو التصنت، بحسب الثابتي، يكون بكلمات مفتاحيه مثل “سلاح” أو “ألغام”، وأحياناً يكون ببصمة الصوت المرصود، وبمجرد أن يسمع، يقوم المهتم باعتراضه، وفق تقنية تسمى البايومترك “البيانات البيولوجية”، التي بواسطتها تستطيع أجهزة الاستخبارات تعقب الخصوم عبر خوارزميات وتكنولوجيا، تملكها عادة شركات متخصصة بالتعقب والتتبع”.
هكذا بدأت الأسرار تتكشف
ورفضت وزارة الاتصالات التابعة للحوثيين في صنعاء الرد على إفادات مصادر “إندبندنت عربية”، لكن مغادرة شركة “سبأفون” للاتصالات العاصمة اليمنية نحو “عدن”، في سبتمبر (أيلول) الماضي، سمح بتكشف العديد من الحقائق، وأكد ما عرفناه من انتهاك القوانين اليمنية وخصوصية الإنسان في البلد المنكوب، عبر التجسس على تفاصيل حياته.
وقالت الشركة في بيانها، إنها “أطلقت الخدمات الآمنة للاتصالات بالهاتف النقال في المناطق المحررة، عبر شبكة اتصالات مستقلة عن سيطرة وتحكم جماعة أنصار الله في صنعاء”.
وأبلغ المتحدث الرسمي باسمها، عبدالله العواضي، “إندبندنت عربية”، أن الأنباء عن تجسس الحوثيين على اتصالات اليمنيين عبر شركات اتصالات البلاد كافة، ثابتة بالبراهين، وقال: “أود التوضيح في البداية أن جماعة الحوثي استولت على جميع مؤسسات الدولة العامة والخاصة، وكانت شركة “سبأفون” من أكبر الشركات التي نالها أذاهم، حتى أنهم غيروا الإدارة الشرعية للشركة ونصبوا إدارة تتبع لهم، بالتالي من يفعل هذا فهو غير مؤتمن على اتصالات المشتركين وتتحمل الجماعة المسؤولية الكاملة عن كل هذه الجرائم”، بحسب قوله.
أما في ما يخص آلية التجسس، فإن الحوثيين “عمدوا بعد الاستيلاء على الشركة إلى تركيب أجهزة تنصت وتجسس على جميع شركات الاتصالات. وهكذا نجحوا في تحويل الشركة إلى وسيلة للتجسس بعد الاستيلاء عليها، عبر تركيب ودمج أجهزه وبرمجيات ضمن أنظمة الاتصالات، ليتمكنوا من التنصت وتحديد المواقع؛ كما أنهم يستخدمون بيانات العُملاء المتوافرة لديهم لهذا الغرض أيضاً”.
معرفة الحوثيين غير المعترف بحكومتهم دولياً في صنعاء، باستخدامهم غير القانوني للاتصالات، دفعهم إلى مطالبة الشركات المحلية، التي لا تزال تحت سيطرتهم بفك ارتباطهم الاتصالي والمعلوماتي بجناح “سبأفون” المنشق عن الرئيس الموجود في صنعاء. وذلك وفقاً لوثيقة حصلت عليها الصحيفة، وجهها نائب وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، الدكتور هاشم محمد الشامي، إلى كل من “سبأفون، ويمن موبايل، وأم تي أن يمن، وشركة واي”، دعاهم فيها إلى قطع ارتباطهم بالجناح المنشق من “سبأفون” نحو المناطق المحررة في جنوب البلاد.
وقال: “تعقيباً على بلاغاتنا المتكررة واجتماعاتنا معكم، يمنع منعاً باتاً الربط البيني مع الشركة المزعومة “سبأفون”، والتي قامت أخيراً، في تاريخ 20/9/2020 بقطع شبكة التواصل بين محافظات الجمهورية، مما يعتبر عملاً تخريبياً، الغرض منه زيادة المعاناة والفرقة بين أبناء الشعب الواحد. وكذلك عدم قبول أو تفعيل أي فئات رقمية جديدة تم استحداثها للشركة المزعومة من دون موافقة وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات- صنعاء، المرخص الوحيد”، على حد قوله.
مرحلة الإيقاع والتجنيد
بعد أن أصبح التجسس عبر رقائق الشرائح، سياسة ممنهجة لدى الحوثيين، صارت مهمتنا البحث عن الخطوة التالية، والكيفية التي يتم بها التعامل مع الأشخاص سيئي الحظ الذين يقعون تحت دائرة اهتمام الجماعة، وهم لا يزالون في مناطق سيطرتهم. إما لقرابتهم بأحد فرقائهم، أو لسبب آخر، مثل الاعتقاد بأن صاحب الهاتف يمكنه الحصول على معلومات يمكن البناء عليها في خدمة أهداف المؤسسة العسكرية والأمنية في صنعاء.
تشير المعلومات التي حصلنا عليها، إلى أن جماعة الحوثي تحرص عبر مخبرين أمنيين، نشرتهم في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها، بل وفي المناطق التي تقع خارج سيطرتها. مهمة هؤلاء المخبرين، هي جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والبيانات والأرقام، ثم إرسالها إلى غرف العمليات التابعة للجماعة، والخاصة برصد تحركات اليمنيين، وخصوصاً غير الموالين للجماعة.
إلى جانب ذلك، كلف الحوثيون عناصر نسائية، ضمن ما يسمى “الزينبيات”، بجمع معلومات عن عوائل الشخصيات المناوئة للجماعة، وكل من تقوم الجماعة بالشك فيه لمراقبته، ومهمة تلك العناصر هي التقرب من تلك العوائل وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، عبرها.
وبعد جمع المعلومات اللازمة، يتم رفعها إلى الجهات المختصة، بجهاز الأمن والاستخبارات، وهو الجهاز الذي أنشأه الحوثيون على أنقاض جهازي الأمن القومي والسياسي. بعد ذلك، يتم تحديد ما إذا كان الشخص المستهدف يمثل خطراً فيحتاج إلى متابعة ورقابة، أو استهداف، ليقوم الجهاز بتكليف جهات تنفيذية، إما باعتقال الضحية، أو تصفيته، أو الاستمرار في مراقبته.
ووفقاً للوثائق الحصرية التي حصلنا عليها والمصادر التي تحدثت إلينا، فإن الخطوة التالية تكون بوضع رقم الشخص المستهدف تحت العناية الفنية. وفي حال لم يتمكنوا من الحصول على رقم الشخص المستهدف يتم وضع الشخص الأقرب له بدلاً عنه. “ومن خلال العناية الفنية برقم الضحية أو زوجته أو أبنائه يتم التوصل إلى كل معلوماته وأرقامه الخاصة وتفاصيل حركته، يعقب ذلك تحليل البيانات واستخراج الذي يعنيهم منها”. بهذه الطريقة، يقول المصدر، يستطيعون جمع كم هائل من المعلومات بواسطة الأرقام.
الاعتقال والابتزاز
على الرغم من عدم مراعاة القوانين في عمليات التجسس المتبعة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، فإن التوصل إلى الشخص المستهدف لا يزال مهمة صعبة في بلد وعر التضاريس واسع الأرجاء، لذلك كان الاعتقال والاختطاف بمجرد الشبهة أو خيط رفيع، أمراً شائعاً في شمال اليمن. أو هذا على الأقل ما تؤكده وثائق الحالات التي بين أيدينا، مثل هذه الواقعة، المؤرخة في 3/3/2016 وحملت إشارة، بأن “مستخدم الرقم 32*****73 أرسل إلى صديق له يقيم في مناطق خارج سيطرة الجماعة طالباً مبلغاً من المال ليتمكن من مغادرة صنعاء بسبب أولاد الموشكي (مشرفون حوثيون) قاموا بمضايقته وأنهم عملوا على إذلاله ولا يمكن له البقاء”، بعد ثلاثة أيام من هذه الرسالة توقف الرقم ولم يسجل من بعد هذا التأريخ أي نشاط.
وفي هذا السياق، حصلنا على معلومات، تفيد بأن الحوثيين حاولوا استخدام الأشخاص الأكثر تردداً على محافظة مأرب شرق اليمن للتجارة للضغط عليهم واستخدامهم جواسيس لنقل الأخبار، ووضعت أرقامهم تحت المراقبة وتم احتجاز العشرات منهم بتهم كيدية، بينها “التعاون مع قوى العدوان”، ويعنون بها “قوات حكومة الشرعية اليمنية والتحالف العربي” الذي يدعمها.
لدى الحديث مع ضحايا مروا بالتجربة، وجدنا أن الرعب لا يزال مسيطراً عليهم، أحدهم يروي لنا قصته، قائلاً: “أوقفوني في إحدى النقاط التابعة لهم في صنعاء، واقتادوني إلى أحد أماكن الاحتجاز السرية، وحققوا بخصوص كل رسالة واتصال لي، حتى الرسائل العائلية للأرقام التي استخدمها، وهي يمن موبايل وأم تي أن”.
وأشار، إلى أنه جرى التحقيق معه لمدة خمس ساعات، كلها حول رسائل تتعلق بعملية إرسال واستقبال البضائع، مضيفاً أنه “عند الانتهاء تم نقلي إلى مكان آخر. في المكان الجديد فوجئت بوجود أحد أصدقائي لديهم قرابة 12 يوماً، وهو مثلي لا يعرف ما الغرض من التحقيق معه حتى الآن. أثناء التحقيق معي قال لي أحدهم بالحرف الواحد باللهجة اليمنية ما معناه، “هل تريد الخروج أو البقاء هنا”؟ قلت له: بالتأكيد أرغب بالخروج، فقال: “سنطلق سراحك الآن إن وافقت على العمل معنا وموافاتنا بكل الأخبار من “مأرب” (مدينة وسط اليمن)، ونحن سنقدم لك تسهيلات”. بعد رفض الضحية مطلب “التعاون”، أرغموه على تسجيل فيديو يقر فيه دعمه مشروع الحوثي، ليبتزوه به في أي ظرف يستدعي ذلك، “أما عشرات الضحايا فلم نتمكن من الوصول إليهم حتى الآن، بسبب وجودهم في مناطق سيطرة الجماعة، لأن من رفض منهم التعاون لا يزال يقبع في السجون، ومنهم قضى نحبه”.
وفي هذا السياق، حصلنا على قائمة تضم 200 شخصية تم رصد أرقام هواتفهم، ومن لم يتمكنوا من التوصل إلى رقمه أضافوا هاتف زوجته أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى، وهي قائمة على الأرجح موضوعة تحت الرقابة.
من خلال اهتمام الجماعة بتفاصيل الأشخاص الذين تم جمع أرقام هواتفهم تمكنت “إندبندنت عربية” من معرفة بعض تفاصيل الضحايا، وقامت بتوثيق شهادات عدد منهم. ومن خلال البحث الميداني التقى مراسل الصحيفة عدداً منهم، وسمع شهادتهم في مختلف المدن اليمنية، وتقصى مواطن تواجدهم في المدن المختلفة لأشهر عدة، ليتمكن في نهاية المطاف من مقابلة 40 شخصاً، تعرضوا للاختطاف والتعذيب ومداهمة منازلهم، كما تعرضت أسرهم للترويع. من بين أولئك من قضى نحبه أثناء المواجهات العسكرية، بعد أن اصطفوا مع حكومة عبد ربه منصور هادي (الشرعية)، وآخرون تمكنوا من الهرب إلى مناطق أخرى تم تحريرها.
ما معنى “البرتقال”؟
عند الحديث عن أي حرب أو معاناة إنسانية، ليس هناك أفضل من حديث الضحايا عن نفسها، وهذا ما يقوم به سمير الضبياني، الذي أصبح بعد الإيقاع به عبر مراقبة هاتفه واختطافه على أيدي حكام صنعاء الجدد، رئيساً لـ “المنظمة اليمنية للمختطفين والمعتقلين”، بعد أن كان صاحب منشأة تعليمية قبل اعتقاله وتربوياً ليس له في شأن السياسة اهتمام، بحسب ما قال في شهادته الموثقة بـ “الفيديو”، هو وآخرون آثروا كسر الصمت وإيصال صوت ما هنالك إلى أبعد مدى.
تعود قصة التربوي اليمني الضبياني، وفق روايته إلى صباح الاثنين الموافق 22/2/2016، يوم أن جاء إلى منزل أسرته ليستقل وزوجته المريضة السيارة، متجهاً بها نحو أحد المستشفيات في صنعاء لإجراء عملية جراحية. غير أنه ما إن حرك عربته حتى وجد نفسه محاطاً بسيارات من كل جانب. ظن الأمر في بداية المطاف خطأ أو ترصداً عشوائياً، لكن محاصرته وتوجيه سلاح الرشاش إليه ومطالبته بالنزول فوراً، قطعت ظنونه.
ما هي إلا دقائق حتى أخذ الحوار مجرى آخر، وصلت فيه إلى الحدة مستوى لم يوافق معه جند الحوثي منحه مهلة يوصل فيها زوجته إلى المستشفى ولا إلى البيت، كما رفضوا هم القيام بالمهمة بمعالجة موقف الزوجة الإنساني. كان الخطاب الوحيد “أنت مطلوب، اركب معنا، والتشنج سيد الموقف. عند ذلك وقف أحد المارة الذي أثار فضوله هول ما رأى، وجعل يقف في وجه الجنود يناصر موقفي من جهة إيجاد حل لزوجتي، لكن حتى هو تمت مواجهته بصرامة وتهديد، فقلت له عندما توسمت فيه الخير قم بإيصال الزوجة إلى مدرسة الأبناء لتكمل مسيرتها نحو البيت، حتى أنظر في مصيري مع هؤلاء”.
خلال الأيام العشرة الأولى من التحقيق المتواصل، كان الحديث مركزاً على رسائل الضحية الهاتفية، منذ أول يوم استلمه فيه، إذ قال إنه حين أخضعوه للاستجواب قاموا بطباعة جميع تلك الرسائل، في مهمة أخذت نحو 3 ساعات من الطابعة لكثرة المحتوى، ولم يغادروا في تلك الرسائل شاردة ولا واردة إلا سألوه عنها، بما في ذلك “تموين المنزل” الذي تطلب منه زوجته إحضارها للأسرة، وأضاف على سبيل المثال “حين ترسل زوجتي تطلب برتقالاً في رسالة من الرسائل، فإنهم يصرون على أنها تعني بذلك غير البرتقال الذي يعرفه الناس، فيأخذ التحقيق ساعات على أمر مفهوم وغير قابل للتأويل، إلا في أذهانهم”.
بعد إخفائه شهرين من دون أثر أو خبر، نقلوه إلى سجن يمني معروف يسمى “هبره”، و”كنت آخر واحد يدخل العنبر رقم 9، والحمد لله أنني خرجت منذ عامين، لكن حتى هذه اللحظة لا يزال عدد من المعتقلين في سجون الحوثيين، كنت أنا وإياهم في مكان واحد، بخلاف جميع من في السجن. على سبيل المثال الدكتور لطف الفراصي، من محافظة الحديدة – فك الله أسره – رجل طاعن في السن (تقريباً فوق 75 سنة)، وفيه كل الأمراض، ومع هذا لايزال في سجون الحوثي. كان مسؤولاً مالياً في إقليم تهامة عندما هاجمت جماعة الحوثي منزله… أخذوا كل تلفونات العائلة مثل الزوجة والبنات والأولاد وتلفوناته الشخصية، ويريدون معرفة كل صغيرة وكبيرة في هواتفهم. في السجن، كانت مسألة الرسائل النصية محل امتحان وورطة للجميع، نوقش فيها بصرامة كل المعتقلين والمختطفين الذين التقيت بهم”.
بعد أن فقدت عينها كان هذا طلبهم
لم يكن التربوي الصنعاني الوحيد الذي لحقه الأذى على خلفية رسائل هاتفه النقال، فهنالك أيضاً الصحافي أحمد حوذان، المعتقل السابق في جهاز الأمن السياسي الذي تسيطر عليه الجماعة، مؤكداً أن كل التحقيقات فترة اختطافه، “كانت حول رسائل من “واتساب” سواء كانت شخصية أو عامة، إلى جانب الرسائل النصية “أس أم أس”، كما ركزوا أيضاً على تحويلات مالية قبل سنة أو سنتين، جاؤوني برسائل مضت عليها مدة طويلة ولم أعد أذكر محتواها، وبعد ثلاثة أيام من التعذيب والضرب في البحث الجنائي أخرجوني الساعة الثالثة فجراً، بعد تحقيقات استمرت أكثر من 12 ساعة، وتم توقيعي على أكثر من 100 ورقة لا أدري ما هي، وأكثر السجناء الذين لقيتهم في السجن كان القاسم المشترك بين أسباب اعتقالهم رسائل الهواتف الذكية بجميع أنواعها، خصوصاً أولئك الذين قادهم حظهم العاثر إلى استقبال رسائل من أطراف لها علاقة بالحكومة الشرعية، أو يعيشون في المناطق المحررة”.
أما الناشطة السياسية، الشاعرة برديس السياغي، فإنها كانت أسوأ حظاً بوصف نشاطها السابق على ما يبدو يثير مخاوف أعمدة حكم الحوثيين، ولذلك دفعت ثمناً تجاوز التعذيب العادي إلى فقد أحد أعضاء جسمها، وهو عينها. لكن على الرغم من ذلك كانت رسائل الهاتف النقال حاضرة في الأسئلة والشك والمخاوف الحوثية. بحسب روايتها الموثقة بالـ “فيديو”، والتي ذكرت فيها أن الإيقاع بها كان حيلة لم تنطل عليها، إلا أنها لم تجد بداً من

برديس السياغي
الاستجابة لها، حين أردف المتحدث إليها قائلاً: “إما أن تأتينا أو نأتيك”. وفي سجون كانت فيها وعشرات اليمنيات بحسب روايتها تحت رحمة “الزينبيات” سيئات السمعة، تقول إنها تعرضت لصنوف من التعذيب، مثل العديد من المعتقلات اللواتي تعرضن حتى للاغتصاب، في مجتمع محافظ، اشتهر سائر المختلفين فيه بتحييد الشرف جانباً بوصفه “خطاً أحمر”.
وتقول: “وصلت ووجدت كل شيء مجهز، بما في ذلك أرقام كانت مسجلة باسمي لشركات اتصال مختلفة، كنت قد نسيتها. قالوا لي: اعترفي بكل شيء إذا لم تكوني راغبة في التعذيب، وبعد أخذ ورد وجهوا لي تهمة “إرهاب دولة وخيانة وطن”، وأعطوني أسماء شخصيات لضباط سعوديين يريدوني أن أدعي معرفتي بهم، وأنا والله لا أعرفهم، لكن في النهاية وقعت على ما يريدون بعد شهرين من الاختطاف والتعذيب، بعد فقدان عيني اليمنى جراء التعذيب بسبب الضرب في الطاولة، عندما كانوا يحققون معي”.
وكان الحوثيون في صنعاء، كما تقول السياغي، اختطفوها في 2 أغسطس (آب) 2019 الساعة الرابعة فجراً “حين اقتحم البيت خمسة أطقم، يرافقهم باص من الزينبيات جاؤوا من دون أمر قضائي، فلو كان علي شيء لأتوا في وضح النهار. وما كدت أفتح أنا الباب إلا والرجال والنساء دخلوا بشكل موحش، منظر لم أستطع نسيانه لا أنا ولا أولادي حتى هذه اللحظة، واحدة تكتفني وأخرى تفتشني، وأنا نائمة بين أولادي ومجموعة من المسلحين ببنادقهم مصوبة في وجهي أنا وأولادي، حتى إن ابنتي حاولت إعطائي عباءة أستر بها نفسي، فوبخوها بقوة ومنعوها ولم يرحموها”.
لكن الناشطة اليمنية استطاعت في نهاية المطاف إيهام سجانيها بأنها أصبحت على قناعة ببرنامجهم السياسي، وستقوم بالترويج لخطابهم الفكري بين الجماهير، إلا أنها وجدت بدلاً من ذلك طريقها للهرب.
اختطاف في وضح النهار
أما سميرة الحوري، مختطفة سابقة، فتقول إنه لم يتم التحقيق معها بشكل رسمي من قبل ميليشيات الحوثي، ولم يتم القبض عليها، وإنما اختطفت لعدم وجود مسوغ قانوني أو أمر نيابة بإحضارها، ولذلك لم يسمح لها بتوكيل محامٍ أو بالتواصل مع أهلها أو حتى معرفة

سميرة الحوري
مكان اختطافها. وتتابع: “لم أمكث خلال فترة اختطافي في مكان رسمي، كما أن التحقيق معي كان غير رسمي، ومع ذلك فوجئت بوجود كل رسائلي النصية واتصالاتي معهم، وهذا دليل على أن كل شركات الاتصالات تخضع لسيطرة الجماعة وأنهم يتجسّسون ويراقبون الرسائل النصية والاتصالات أيّاً كان رقم هاتفك”.
وتشرح الحوري طريقة القبض عليها والتحقيق معها، فتقول: “اختطفت من قبل ميليشيات الحوثي بعدما استدرجت إلى الجوازات من جانب محمد الغشم وعبدالله الصارم، مسؤول التأشيرات في الجوازات الذي طلب حضوري، علماً أنني لم أتقدّم للحصول على أي تأشيرة، ولكنه اتصل بي وقال بعبارة مختصرة: إذا لم تأتِ سنأتي نحن، فعرفت أن هناك خطراً، وذهبت إلى الجوازات، ففوجئت بوجود قيادات حوثية عمدوا إلى التحقيق معي لمدة ثماني ساعات، وأثناء التحقيق، فوجئت بتهم معدّة مسبقاً، منها التخابر والتجسّس. وفي ما بعد، طلب مني استدراج سياسيين وناشطين بأساليب معينة تم ذكرها في مقابلات سابقة، ثم أخلوا سبيلي وأبقوني تحت الرقابة المشددة، لكي يمنحوني الوقت للتفكير، وقد حاولت أن أكسب الوقت للهروب من صنعاء والتواصل مع عائلتي، ولكني فوجئت بتاريخ 27/7/2019 بأربع سيارات عسكرية، فيها مسلحون حوثيون، إضافة إلى باص يقلّ مجموعة من الزينبيات، بقيادة سلطان زابن وأحمد مطر وأبو صلاح وأبو صقر، يقتحمون المجمع السكني في فج عطان أبراج الأنسي، ودخلوا إلى شقتي في الدور 12 الشقة رقم 48 وأتلفوا كل ما فيها من أثاث، وسرقوا المقتنيات الثمينة ومبلغاً مالياً وقطعاً ذهبية، واقتادوني إلى مكان سرّي مجهول مع عدد من الفتيات اللواتي اختُطفن في وقت سابق، وعرفت أنهن في البحث الجنائي في مكان عرف في ما بعد باسم “دار الهلال”، في شارع 1 تعز، أمام سوق الزهراوي”.
وتتابع الحوري: “لم يُحقَّق معي بشكل رسمي من قبل ميليشيات الحوثي، ولم يلقَ القبض عليّ بطريقة قانونية، وإنما اختُطفت بلا مسوّغ قانوني أو أمر نيابة، لذلك لم يسمح لي بتوكيل محامٍ أو التواصل مع الأهل أو حتى معرفة مكاني”.
مسوغات الحوثي القانونية
بعد سماع شهادات عدد من المختطفين، سألنا، محامي الصحافيين المختطفين في سجون الحوثيين عبد المجيد صبرة، عن مزاعم الوقائع التي رواها المتحدثون، فأكد أن الحكومة التابعة للحوثي في صنعاء، تستند إلى “نصوص المواد القانونية (126 و127 و128) من قانون الجرائم والعقوبات، وهذه المواد تتعلق بإعانة العدوان أو السعي والتخابر لدى دولة أجنبية، وهي في الغالب هنا السعودية والإمارات، أو نشر أخبار وبيانات كاذبة تستهدف إضعاف قوة الدفاع، كما هو حال التهمة الموجهة للصحافيين، والتي تنص عليها المادة 126 الفقرة الثانية، وأحياناً توجه للمختطفين تهمة الاشتراك في عصابات مسلحة لاستهداف أفراد الجيش واللجان الشعبية المنصوص عليها بالمادة 133 من قانون العقوبات”.
وحول أدلة الحوثيين واتهاماتهم، أكد “صبرة”، أن المحكمة التي تقوم بمحاكمة الصحافيين، تعتمد على محاضر الأمن القومي والأمن السياسي وعلى الكشوفات التي يقدمها له على أنها “اتصالات تابعه لمختطفين، على الرغم أنهم ينكرونها وينفون صلتهم بتلك الأرقام ويطلبون مخاطبة شركة الاتصالات للتأكد من تلك الرسائل والتأكد لمن تتبع تلك الأرقام، كونها الجهة المخولة قانوناً بذلك وليس جهاز الأمن القومي أو الأمن السياسي، لكن المحكمة لا تستجيب لتلك الطلبات وتصدر أحكامها التي كانت أغلبها أحكاماً بالإعدام، وقد ترافعت في مثل هذه القضايا وقدمت تلك الطلبات للمحكمة، ولكنها لم تستجب”.
أما حول مدى قانونية هذا السلوك، فإن القانون اليمني أكد أنها “جريمة اعتداء على الحياة الخاصة للإنسان ويعاقب على ذلك عندما يقوم بها مأمورو الضبط من تلقاء أنفسهم من دون الرجوع إلى القضاء”.
من جهته، يعتبر رئيس المركز الأميركي للعدالة “أي سي جي” عبد الرحمن برمان، أن القانون القضائي هو الوحيد المخول بالتعامل مع الخصوصيات من قبيل رسائل الجوال، إذ “نصت المادة 35 من الدستور اليمني على حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية، وكافة وسائل الاتصال مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو مصادرتها أو تأخيرها، إلا في الحالات التي يبينها القانون بأمر قضائي”، مؤكداً أن ما تقوم به جماعة الحوثي وأجهزة الاستخبارات التي تخضع لسيطرتها، “أمر مخالف للدستور ومخالف لنظام الإجراءات الجزائية اليمني، الذي لا يجيز القيام بهذه الأعمال، والتجسس على المواطنين ومراقبتهم، وأيضاً إلقاء القبض عليهم والإيقاع بهم واختطافهم وتعرضهم للتعذيب ثم تحويلهم للمحاكمات وإصدار أحكام بإعدامهم.
وأوضح، أنه من الناحية القانونية “لا يجوز استخدام الأدلة التي استخرجت عن طريق التنصت والتجسس مهما كانت خطورتها ودرجة وضوحها، باعتبار أنها أخذت بطريقة غير قانونية، إضافة إلى أن الحوثيين جماعة مسلحة وليست مؤسسة أو دولة، وهناك أيضاُ مسؤولية على شركة الاتصالات التي لديها علم أو سمحت بالتنصت على المواطنين، ويمكن للضحايا أن يلجأوا للقضاء، سواء كان القضاء المحلي بعد استعادة الدولة أو القضاء الدولي للشركات ذات العلامة التجارية التي لديها فرع في اليمن، وبذلك ستكون هذه الشركات أمام مسؤولية قانونية ومدنية توجب عليها تعويض الضحايا عن الأضرار التي لحقت بهم”.
ردود منتظرة
ومع أن الحكومة اليمنية انطلاقاً من عاصمتها المؤقتة عدن جنوب اليمن، تخوض مع الحوثيين في الشمال صراعاً متعدد الجبهات، إلا أن وزير الاتصالات فيها، المهندس لطفي باشريف، رفض إيضاح أي جهود تقوم بها حكومة بلاده في سبيل سحب بساط الاتصالات من تحت أيدي الحوثيين، لكن انتقال شطر من “سبأفون” إلى الجنوب في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، يمكن أن يعني مؤشراً إلى أن باشريف وفريقه يعملون من جانبهم على هذا الملف، وفور وصول الرد الرسمي من الحكومة أو حتى من جانب جماعة الحوثي تنشره “إندبندنت عربية”، كما هي الحال بالنسبة إلى شركتي “صنعاء، وتليمن” التي رفضت هي الأخرى الإجابة عن تساؤلاتنا، لتأكيد أو نفي المعلومات التي جرى تقصيها بشأن توظيف بياناتها في انتهاك خصوصيات المستهلكين.
كانت جماعة الحوثي بزعامة عبد الملك الحوثي قامت بالتواطؤ مع الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، وانقلبت على الحكم في صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، قبل أن تبسط سيطرتها على معظم الشمال اليمني ويدب الخلاف بين شريكي الحكم، إثر ضغط التحالف العربي عسكرياً لاستعادة السلطة لحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، المعترف به دولياً. واختارت الأخيرة عدن عاصمة مؤقتة بعد تحريرها من الحوثي، الذي تخوض مع تنظيمه محادثات برعاية دولية، خلصت أخيراً إلى تبادل الأسرى، كبادرة حسن نية، لبدء المفاوضات النهائية لإنهاء الأزمة الإنسانية في البلد الذي أنهكته الحرب.