آخر تحديث :الجمعة-06 يونيو 2025-02:01م

مجتمع مدني


"زواج خارج القبيلة".. وثيقة تبرؤ تشعل الجدل في اليمن وتفتح ملف التمييز الطبقي

"زواج خارج القبيلة".. وثيقة تبرؤ تشعل الجدل في اليمن وتفتح ملف التمييز الطبقي

الخميس - 05 يونيو 2025 - 02:07 ص بتوقيت عدن

- المرصد_خاص:



في واقعة أعادت إلى الواجهة الجدل حول التمييز الاجتماعي في اليمن، أصدرت قبيلة "آل السباعي" بمحافظة حجة وثيقة رسمية تتبرأ فيها من أحد أبنائها، بسبب زواجه من فتاة تنتمي إلى عائلة حلاق – مهنة تُعرف محلياً بـ"المزين" – ما أثار موجة واسعة من الغضب الشعبي والنقاش الحقوقي على منصات التواصل الاجتماعي.


قرار مثير للجدل: "الإخراج من الإخاء" عقوبة لمن كسر القيد القبلي

عقدت القبيلة اجتماعًا طارئًا في ديوان الشيخ الأمين يحيى محمد أحمد السباعي، وخلصت فيه إلى قرار "إخراج يحيى علي منصر السباعي من الإخاء القبلي"، بعد زواجه من فتاة لا تنتمي لما تصفه القبيلة بـ"المستوى الاجتماعي المناسب". وجاء في الوثيقة:


قررنا بالإجماع اتخاذ الإجراء التالي:


1. إخراج من الإخاء: يعتبر يحيى علي منصر السباعي خارجًا من الإخاء القبلي اعتبارًا من تاريخه.


2. عواقب القرار: يفقد جميع حقوقه ومزاياه كعضو في القبيلة، ويُمنع من المشاركة في المناسبات القبلية. نؤكد أن هذا القرار نهائي ولا رجعة فيه".



القرار، المؤرخ بـ1 مايو 2025، قوبل بانتقادات حادة من قبل ناشطين وحقوقيين، اعتبروه شكلاً من أشكال "العزل الاجتماعي القسري"، القائم على معايير غير إنسانية ومخالفة لأبسط حقوق المواطنة.


المهن و"الطبقات القبلية".. تركة ثقيلة من الماضي

تسلط القضية الضوء على ما وصفه باحثون بـ"التمييز المؤسسي داخل المجتمعات القبلية"، حيث لا تزال بعض المهن كالحلاقة والحدادة والجزارة تُوصم اجتماعياً. ويؤكد خبراء أن هذه النظرة تعود إلى تصنيفات طبقية متجذرة تاريخياً، تُعامل بعض المهن كـ"أدنى منزلة"، ما ينعكس سلباً على الحقوق المدنية، وخصوصاً في الزواج.

رغم أن الشريعة الإسلامية والدستور اليمني ينصّان على المساواة وحرية الاختيار، لا تزال الأعراف القبلية تلعب دوراً حاسماً في قرارات الزواج، مدفوعة بثقافة "العيب" ومفاهيم "النسب"، ما يخلق صراعًا بين الهوية الدينية والدور الاجتماعي التقليدي.


نماذج مشابهة: حكايات أخرى من التمييز الطبقي في اليمن

ليست حادثة "آل السباعي" الأولى من نوعها، بل تكررت حوادث مشابهة خلال الأعوام الماضية، أبرزها:

قضية الشاب "محمد القاسمي" في محافظة ذمار: تعرّض للتهديد والنفي الاجتماعي بعد تقدّمه لخطبة فتاة من أسرة قبلية ذات "مكانة اجتماعية أعلى"، رغم كونه حاصلاً على درجة الدكتوراه. تدخلت وساطات قبلية لوقف الزواج، وانتهى الأمر بانفصالهما تحت الضغط الاجتماعي.

قصة "الزواج المرفوض" في عمران (2022): رفضت قبيلة في عمران تزويج ابنتها لشاب من "أسرة خياطين"، رغم إعلانه الاستعداد لتوفير كافة متطلبات الزواج. أدت القضية إلى احتجاجات صامتة على وسائل التواصل، دون تدخل من الجهات الرسمية.

التمييز ضد "المزاينة" في الحديدة: رُفض تسجيل أحد الأطفال في مدرسة حكومية بحجة أنه "من أسرة حلاقة"، في حادثة وثّقتها منظمات مجتمع مدني. تراجعت المدرسة لاحقاً بعد ضغط مجتمعي.

تشير هذه الحالات إلى أن التمييز الطبقي في اليمن ليس ظاهرة فردية، بل جزء من بنية اجتماعية قائمة تتطلب معالجة قانونية وتربوية وثقافية.


ردود فعل غاضبة: مواقع التواصل تتحول إلى ساحة تضامن ورفض

أشعلت وثيقة التبرؤ عاصفة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تصدّر وسم #بنت_المزين، مع مئات التعليقات الرافضة لما وصفوه بـ"العنصرية القبلية".

كتب الصحفي أحمد ماهر: "بنت المزين قد تكون أطهر من مائة قبيلة تؤمن بالتفوق العرقي والمهني. نحن أمام بقايا عقلية جاهلية."

أما الكاتب ووزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان فقال: "الله أجاز الزواج من غير المسلمة، فكيف بمن تعمل بالحلال؟! هذه القرارات وصمة عار اجتماعية وسياسية."

وذهب ناشطون إلى المطالبة بمقاطعة القبيلة اقتصادياً واجتماعياً، ووصفوا ما حدث بأنه "نموذج معاصر للفصل العنصري".


غياب القانون وصمت الدولة

تُثير هذه الحادثة تساؤلات حول دور الدولة والمؤسسات القانونية في مواجهة التمييز الطبقي، إذ لا توجد حتى اللحظة قوانين واضحة تُجرّم "العزل القبلي" أو التفرقة على أساس المهنة. كما لم تُصدر أي جهة رسمية تعليقًا على الوثيقة أو تداعياتها، رغم تصاعد المطالبات الحقوقية بإلغاء مثل هذه القرارات.

تشير تقارير محلية إلى أن مثل هذه الممارسات لا تزال تحدث في محافظات شمالية، خصوصاً في ظل سطوة القبيلة وضعف مؤسسات الدولة.


رواية غائبة.. وأصوات مطالبة بالإنصاف

لم تصدر عن الشاب "يحيى" أو خطيبته أية تصريحات رسمية، ويبدو أن الضغط الاجتماعي والخوف من العواقب يلعبان دوراً في التزام الصمت. ناشطون طالبوا بتأمين الحماية القانونية لهما، ومساعدتهما على إتمام الزواج دون خوف من الانتقام القبلي.

كما دعت منظمات حقوقية يمنية ودولية إلى فتح تحقيق في ملابسات الوثيقة، واعتبارها خرقًا لحقوق الإنسان، وانتهاكًا لحرية الأفراد في اختيار شريك حياتهم.


تقاليد أم عنصرية؟ المجتمع على مفترق طريق

بين من يرى أن "لكل قبيلة خصوصيتها وأعرافها" ومن يعتبر أن "الكرامة الإنسانية لا تخضع للتصنيف الطبقي"، تقف هذه الواقعة كمرآة لواقع اجتماعي مضطرب، تعاني فيه فئات واسعة من العزل والتمييز فقط لأنهم ينتمون إلى "مهن متواضعة" أو "أسر غير قبلية".

ويشير بعض الباحثين إلى أن حوادث مشابهة حصلت في دول مجاورة، مثل التمييز ضد "البدون" في الخليج أو "الطبقات الدنيا" في الهند، لكن مع محاولات إصلاحية وتدخلات قانونية، تمكنت بعض الدول من الحد منها تدريجياً.


هل تنكسر الحلقة؟

المراقبون يرون أن هذه القضية قد تكون نقطة تحول في السردية الاجتماعية داخل اليمن، إذا ما حظيت بتفاعل مجتمعي ورسمي حقيقي. فهل تصبح قصة "يحيى وبنت المزين" رمزًا لكسر التمييز الطبقي؟ أم أنها ستُضاف إلى سجل طويل من القصص المنسية؟

في بلد تتشابك فيه القبيلة بالدين، والعرف بالقانون، والتاريخ بالحاضر، يبقى السؤال مفتوحًا:

هل يُحاكم الناس بأخلاقهم أم بمهن آبائهم؟