في صوتها "طاقة نور" تفتح أبواب المسارح الكبرى أمام الحلم المصري، وفي ملامحها مزيج من الرقي الشرقي والصلابة الأوروبية، تجسِّد فاطمة سعيد نموذج الفنانة التي مزجت الموهبة بالتفوق الأكاديمي والإصرار على الوصول إلى العالمية.
من دار الأوبرا المصرية إلى مسرح "لا سكالا" في ميلانو، ومن برلين إلى إحياء الحفل الأسطوري للمتحف المصري الكبير مساء اليوم السبت، تمضي السوبرانو المصرية بخطى واثقة على طريق المجد الفني، حاملة اسم بلدها بصوتها إلى كل ركن من العالم.
بصوتها الاستثنائي الذي جمع بين قوة الأداء الأوروبي ودفء الروح المصرية، استطاعت فاطمة سعيد أن تصبح وجهًا مشرفًا لمصر في المحافل العالمية، هي ليست مجرد مغنية أوبرا ناجحة، بل حالة فنية متكاملة تمثل الأناقة والاحتراف والإبداع، وتجسد بجدارة المعنى الحقيقي لكونها "سفيرة الفن المصري في العالم".
صوت شاب يكتشف ذاته
وُلدت فاطمة سعيد في القاهرة عام 1991، ونشأت في بيت يقدر الثقافة والفكر، لم تكن فاطمة تتخيل أن صوتها سيقودها إلى العالمية، حتى اكتشف أحد معلميها في المدرسة موهبتها، فعرّفها إلى أول سوبرانو مصرية الدكتورة نيفين علوبة، التي احتضنت موهبتها وفتحت أمامها أبواب دار الأوبرا المصرية.
بعد ثلاثة أشهر فقط من بدء دراستها في الأوبرا، شاركت فاطمة في عام 2005 في حفل عيد ميلاد دار الأوبرا المصرية، لتكون تلك اللحظة الشرارة الأولى في مشوارها الفني الطويل.

بداية طريق الاحتراف
في عام 2009، اتخذت فاطمة خطوة حاسمة في حياتها، بانتقالها إلى ألمانيا لدراسة الغناء في جامعة "هانس أيسلر" للموسيقى في برلين، إحدى أعرق المؤسسات الموسيقية في أوروبا، وهناك صقلت موهبتها بالعلم والدراسة الأكاديمية، وتخرجت في عام 2013 حاصلة على بكالوريوس الموسيقى، بعد أن نالت منحة التميز وجائزة “Start Up Music” تقديرًا لتفوقها اللافت.
كما حصلت على منحة دراسية من دار الأوبرا الشهيرة "لا سكالا" في ميلانو، لتصبح أول سوبرانو مصرية تنضم إلى هذه المؤسسة العريقة، في إنجاز تاريخي يعكس مكانة فاطمة الفنية عالميًا.
تألق عالمي
لم يقتصر نجاح فاطمة على الدراسة، بل امتد ليشمل أضخم المسارح في العالم، تألقت في أداء أدوار أوبرالية خالدة مثل "بامينا" في أوبرا "الناي السحري" بمسرح لا سكالا، و"زيرلينا" في "دون جيوفاني" لموتسارت، كما قدّمت أعمالًا لمؤلفين كبار مثل رافيل وفوري وموتسارت.
غنت فاطمة على مسارح عريقة مثل "BBC Proms" في لندن، و"كونسيرت جيباو" في أمستردام، ودار الأوبرا الملكية في مسقط، و"جيواندهاوس" في لايبزيج، وحصدت إعجاب النقاد والجماهير على حد سواء، لما تمتاز به من صفاء صوتي ودقة في الأداء وروح موسيقية آسرة.

صوت يصدح بالمتحف الكبير
كانت فاطمة سعيد من أوائل الأصوات التي صدحت داخل المتحف المصري الكبير قبل افتتاحه الرسمي، حين أحيت في 19 يناير 2023 أول حفل جماهيري عالمي على أرض المتحف بصحبة المايسترو نادر عباسي وأوركسترا الاتحاد الفيلهارموني.
ورغم مسيرتها العالمية الحافلة، عبّرت فاطمة حينها عن خصوصية هذه اللحظة بقولها: "مبسوطة إني موجودة في مصر وبغني في مكان عظيم زي المتحف المصري الكبير، رغم إني بغني في دول كثيرة، إلا أن الغناء في مصر له طعم مختلف ومميز، وشرف كبير ليا إني مصرية وبغني على أرض بلدي".
واليوم، وبعد نحو عامين من ذلك الحفل التاريخي، تعود فاطمة سعيد لتشارك بصوتها في افتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا، بقيادة المايسترو ناير ناجي، في احتفالية ضخمة يشهدها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعدد من قادة ورؤساء الدول، لتضيف صفحة جديدة من الفخر الوطني إلى سيرتها العالمية.

جوائز وتكريمات
مسيرة فاطمة حافلة بالجوائز الدولية التي وضعتها في مصاف أبرز الأصوات النسائية في العالم، من بينها الجائزة الكبرى في مسابقة "جوليو بيروتي" الدولية للأوبرا، وجائزة "فيرونيكا دون" في دبلن، وجائزة "ليلى جينسر" في إسطنبول، إلى جانب لقب "أفضل فنانة شابة لعام 2021" من جائزة "أوبوس كلاسيك" الألمانية المرموقة.
كما كرمها الرئيس المصري خلال المؤتمر الأول للشباب، تقديرًا لإنجازاتها وتمثيلها المشرف لمصر في المحافل الدولية، ونالت عام 2016 "جائزة الإبداع" من المجلس القومي للمرأة، كأول مغنية أوبرا تحصل عليها.
من "النور" إلى العالمية
أطلقت فاطمة أول ألبوماتها بعنوان "النور" الذي لاقى إشادة نقدية واسعة، ورشحتها مجلة BBC Music لجائزة "أفضل صوت لعام 2021"، لتواصل مسيرة التألق الفني التي جعلتها رمزًا للأوبرا المصرية الحديثة.
وغنَّت فاطمة على أهم المسارح في ميلانو ونابولي وبرلين ولايبزيج والقاهرة ومسقط وبون، كما مثلت مصر في يوم حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف، بأداء مؤثر غنّت فيه من أجل حق الأطفال في التعليم والكرامة الإنسانية.