آخر تحديث :الأربعاء-17 ديسمبر 2025-10:13م

اخبار وتقارير


«المكلا.. التي نجت».. رواية توثّق سرديًا سقوط ساحل حضرموت بيد تنظـ.ـيم القاعـ.ـدة

«المكلا.. التي نجت».. رواية توثّق سرديًا سقوط ساحل حضرموت بيد تنظـ.ـيم القاعـ.ـدة

الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 - 09:16 م بتوقيت عدن

- ((المرصد))خاص:

صدرت عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات رواية «المكلا.. التي نجت»، التي توثّق سرديًا التحولات العنيفة التي شهدتها مدن ساحل حضرموت، وبصورة خاصة مدينة المكلا، خلال فترة سيطرة تنظيم القاعدة عليها، من خلال مقاربة إنسانية تبتعد عن السرد الأمني والعسكري المباشر.

وتقدّم الرواية، للباحث والأكاديمي د. صبري عفيف، قراءة سردية توثّق مرحلة سقوط مدينة المكلا بيد تنظيم القاعدة، وما رافقها من تحولات نفسية واجتماعية عميقة في حياة السكان، مركّزة على أثر العنف في تفاصيل الحياة اليومية، لا على الحدث بوصفه واقعة أمنية معزولة.

وفي ظل الحاجة المتزايدة إلى توثيق التحولات التي شهدتها المدن الساحلية في جنوب اليمن خلال السنوات الماضية، تبرز رواية «المكلا.. التي نجت» بوصفها عملًا سرديًا يقدّم مقاربة مختلفة لفهم تلك المرحلة، عبر تفكيك التغيرات التي أصابت اللغة، والسلوك الاجتماعي، وأنماط الخوف والتكيّف داخل المدينة.

وقال د. صبري عفيف لـ(اليوم الثامن) إن الرواية لم تسعَ إلى تسجيل الوقائع كما تفعل التقارير أو البيانات الرسمية، بل حاولت الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر توثيق الأثر النفسي والاجتماعي لسيطرة تنظيم متطرف على مدينة ساحلية عُرفت تاريخيًا بهدوئها وانفتاحها. وأوضح أن السقوط لا يظهر في النص من خلال مشاهد الاشتباكات أو مظاهر السلاح، وإنما عبر تغيّر الفضاء العام، وانكماش الحياة الاجتماعية، وتحول الخوف إلى سلوك يومي اعتيادي، وهو ما يمنح الرواية قيمة توثيقية من زاوية غالبًا ما تُهمَل في التحليل التقليدي.

وأشار إلى أن الرواية تتعامل مع مدينة المكلا بوصفها كيانًا حيًا، لا مجرد مسرح للأحداث، حيث تتحول الشوارع، والمدارس، والأسواق، والمجالس، وحتى الصمت، إلى أدوات سرد تكشف كيف أعاد التنظيم فرض تعريف جديد لما هو “عادي”، وكيف تكيف المجتمع مع واقع مفروض دون أن يعني ذلك القبول به. ويقدّم هذا النمط من السرد قراءة أعمق لكيفية عمل التنظيمات المتطرفة داخل المدن، وسعيها إلى تطويع المجتمع عبر التحكم في إيقاع الحياة اليومية، لا عبر المواجهة الدائمة.

وفي سياق استعادة الذاكرة، تستحضر الرواية التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة الطفلة منار صالح شرارة فوق جسر خور المكلا عام 2016، بوصفه رمزًا لانتهاك العنف لحياة المدنيين، ولا سيما الأطفال. ويَرِد هذا الحدث في النص كجرح مفتوح في ذاكرة المدينة، دون استثمار عاطفي مباشر أو خطاب إدانة صاخب، ما يمنح السرد بعدًا أخلاقيًا متماسكًا ويعزّز من صدقيته الإنسانية.

ولا تتوقف الرواية عند لحظة السقوط أو ذروة العنف، بل تمتد إلى ما بعدها، متتبعة مرحلة الانسحاب، والفراغ الذي خلّفه التنظيم، ثم إعادة بناء الأمن، وعودة المدينة إلى نفسها بصورة مختلفة. ويمنح هذا الامتداد الزمني العمل أهمية خاصة، كونه يوثّق مرحلة “ما بعد التنظيم”، وهي مرحلة غالبًا ما تغيب عن النقاش العام رغم تأثيرها العميق على المجتمع.

ومن منظور بحثي، تمثّل الرواية نموذجًا لكيف يمكن للأدب أن يكمّل العمل التحليلي، من خلال توفير مادة حيّة لفهم الأثر الاجتماعي والنفسي للتطرّف، وكيفية تشكّل أنماط الصمت والتكيّف والنجاة داخل المدن. فهي لا تقدّم إجابات جاهزة، بقدر ما تفتح أسئلة حول العلاقة بين العنف والمدينة، وبين الخوف والذاكرة، وبين النجاة وإعادة بناء المعنى.

وبهذا المعنى، لا توثّق رواية «المكلا.. التي نجت» سقوط مدينة بيد تنظيم القاعدة بقدر ما توثّق كيف عاشت المدينة هذا السقوط، وكيف واجهته، وكيف خرجت منه وهي أكثر وعيًا بثمن الصمت وبقيمة الذاكرة، ما يجعل العمل إضافة مهمّة لمسار توثيق الذاكرة اليمنية الحديثة من زاوية إنسانية تستحق التوقف عندها.

من : ليان صالح