آخر تحديث :الأربعاء-25 يونيو 2025-12:20ص

اخبار وتقارير


دكتور قلب شهير يكتب:هكذا تفعل اذا اصيب احدهم بجلطة لانقاذه

دكتور قلب شهير يكتب:هكذا تفعل اذا اصيب احدهم بجلطة لانقاذه

السبت - 11 يناير 2020 - 09:57 م بتوقيت عدن

- كتب:د.مروان الغفوري

لا تزال التنبيهات تأتيني من صفحة قناة الجزيرة، لأرى التعليقات على ما كتبته بكل اللهجات، من المغرب إلى البحرين.

بالأمس نشرت القناة على صفحتها الرسمية ڤيديو لشيخ فلسطيني يموت فجأة في حفل زواج. شاهدت الڤيديو، كان الشيخ يتحدث ثم توقف فجأة ومال رأسه إلى الخلف.
قام الناس يتصارخون: لا إله إلا الله. تجمعوا حوله، ولم يفعلوا شيئاً أكثر من الدعاء والحوقلة. مات الرجل، رحمه الله. وكان الناس سعداء بتلك الخاتمة السعيدة. ويبدو أن أهله، بعيداً عن حفلة السعادة تلك، لم يروا في ما حدث سوى كارثة مرة.

كتبت تعليقاً واحداً مختصرا. قلتُ لو أن رجلاً واحداً من كل ذلك الحشد، وكانوا في حفل زواج، قام بعملية انعاش أولية، الضغط على القفص الصدري، لحين وصول الإسعاف لكانوا أنقذوا الرجل [غالبا].

السيناريو الإكلينيكي الأكثر احتمالاً هو أن:

أحد شرايين القلب انغلق فجأة [جلطة/احتشاء]، وبسبب الضربة المفاجئة توقف القلب عن النبض [تنشأ ذبذبات قلبية متسارعة قد تصل إلى ٤٠٠ في الدقيقة، ما يعني عملياً أن القلب توقف عن النبض ..> يكف الدم عن الوصول إلى الدماغ وتتوقف وظائفه تباعاً ..> خلال 6 دقائق [يجري الحديث، حالياً، عن زمن أطول قليلا] يموت الدماغ، بشكل نهائي، إذا حرم من الدم/ الأكسجين كل تلك الفترة. هذا هو الشلال فائق السرعة لما نسميه تاريخياً بموت الفجأة.

الطريق الآخر:

الضغط على الصدر بقوة [إذا سمعت قرقعة الضلوع فتلك علامة جيدة]. يعمل الضغط اليدوي نفسه كمضخة تدفع الدم إلى الدماغ. تتعلق العملية برمتها، هنا، بإنقاذ الدماغ أولاً.

مع وصول الإسعاف سيربط المريض بجهاز موينتور لمعرفة نوع الذبذبات التي أصابت القلب، وعن طريق صدمة كهربائية أو أكثر من صدمة سيعود القلب للعمل. ...>

في الطريق إلى المشفى سيحقن بعلاجات معينة تحافظ على مستوى معين من الضغط الدموي حتى الوصول.

إذا كان السبب جلطة قلبية ستجرى له عملية فتح للشرايين عن طريق القسطرة هذا ما نفعله يومياً. [بيانات حديثة نسبيا تتحدث عن 330 ألف حالة توقف قلب في أوروبا في العام].

إن كانت جلطة دماغية سيكون ممكناً، إلى حد كبير، إذابتها بأدوية معينة أو عن طريق القسطرة التداخلية. كذلك الحال مع الجلطة الرئوية. هذه هي الأسباب الممكنة لما حدث، بالنظر إلى سن المريض وملامحه. أما السيناريو الأكثر احتمالاً فهو أن الرجل أصيب بجلطة قلبية، كما نعرف إحصائياً ومن خلال مراقبتنا للسيناريو العام للقصة.

الأمر يستدعي التالي: وضع المريض على ظهره والبدء بالضغط على صدره. يقوم آخر بالاتصال بسيارة إسعاف.

طبعاً احتمالات أن تفقد المريض قائمة، لكن احتمالات إنقاذه كانت أكثر حضوراً كون عملية سقوطه شوهدت من قبل حشد كبير. كان محظوظاً لأن قلبه توقف أمام الناس. ولكنه لم يكن محظوظاً بنوعيتهم.

قصة شخصية:
قبل أشهر كنا، ساره ياسين وأنا، نشاهد العرض الأول لفيلم "حياة بيرتولد بريشت" في سينما ليشتبورغ، السينما الأكبر والأقدم في ألمانيا. عرض الفيلم بحضور المخرج والممثلين. في الدقائق الأولى من العرض صاحت امرأة من الخلف: نريد دكتوووور. نطت ساره ياسين من مكانها، وكنا نجلس في صفوف متقدمة، وصاحت وهي ترفع يدي: هناااا. ركضت إلى الصفوف الخلفية، كان أكثر من طبيب وممرضات قد سبقوني إلى السيدة العجوزة التي فقدت وعيها. لكي أتمكن من الوصول صحت: أنا طبيب قلب وعناية مركزة، فأفسحوا المكان لي. أنقذنا المريضة، ونقلها الإسعاف، الذي وصل خلال دقائق، إلى المستشفى .. وعدت إلى الفيلم، وكان جزؤه الأول قد شارف على النهاية..

لحسن حظ الشيخ الفلسطيني أن قلبه توقف أمام الناس، أي أن فرصة إنقاذه كانت عالية، وهذا ما لا يحدث عادة مع موت الفجأة. تخيلوا السيناريو وهو يحدث أثناء النوم، في الحمام، في غرف مغلقة، في الحقل، في السيارة. ما من أمل في مثل هذه السيناريوهات، فالوقت المتاح [٦ دقائق لحياة الدماغ، أو أكثر قليلاً Hypoxie- Zeit] هو المعضلة الوجودية الكبرى.

يشبه الأمر السقوط إلى بركة أمام الناس وفريق الغوص. تماماً. كان الشيخ محظوظاً بذلك السقوط، لكن الناس حوله تركوه يغرق معتقدين أنهم يتمثلون لأمر الله.

متابعو قناة الجزيرة من البارحة حتى الآن يصبّون علي جام غضبهم. تمنوا لي المصير ذاته، وقالوا أشياء أخرى مريعة ولذيذة في آن.

أولاً لأني اعترض على قرار الله، ثانياً لأني اعتقد أن بمقدور البشر إيقاف حكم الله، ثالثاً لأني أسخر من حسن الخاتمة، رابعاً لأني [مجرد] يمني رافضي.

لم أكتب سوى رد واحد، على الرجل الذي وصفني باليمني الرافضي وطلب من المعلقين أن يتجاهلوا كلامي لأني كذلك.
لذلك الرجل فقط كتبت:
شوية اليمنيين الروافض قلبوا كرامتكم رأساً على عقب.

وجدت نفسي مضطراً لكتابة تلك المداخلة التي أراها غير مناسبة، وغير متحضرة، ولا قيمة علمية لها. ولكنها، بطريقة ما، استحقت أن تُكتب.

العقل العربي معقد للغاية،
وتبدو محاولة إنقاذه كما لو أنها حكما بإهلاكه.

م. غ.