آخر تحديث :الجمعة-04 أكتوبر 2024-10:47ص

الاستطلاعات والتحقيقات


مقاهي عدن ملتقى الوطنيين الأحرار.. فهل كان أصحابها منخرطين في صفوف العمل النضالي ضد الأمامة ؟!

مقاهي عدن ملتقى الوطنيين الأحرار.. فهل كان أصحابها منخرطين في صفوف العمل النضالي ضد الأمامة ؟!

الأربعاء - 15 يناير 2020 - 03:56 م بتوقيت عدن

- (المرصد)متابعات:

الرجل الصومالي والباكورة ( عصا )

يخبرنا الرئيس علي ناصر في هذه الحلقة زيارته إلى بعض الأماكن التاريخية التي تحتويها مدينة وكذا يتحدث عن دور المقاهي وكيف كانت ملتقى الوطنيين الاحرار فيقول مواصلاً في سرد مذكراته :" وكان يجلس إلى جانبنا واحد صومالي وآخر واقف.

قال العم سليمان: شوفوا هذا اللحم يكبر القحر( 1) با تقع قحركم مثل قحر الصوملي هذا.

سمع الصومالي الكلام فالتفت نحونا وقال: لماذا تقولون صومالي؟ وكان يمسك عصا مكورة الرأس تسمى الباكورة وتستخدم في الدفاع عن النفس ولم نرد عليه تجنباً للشر والفتنة.

قال العم سليمان: لا سمنتوا وكبرت قحركم مثل الصوملي هذا ما عد با تطلعوا جبل ولا با تمشوا في وادي وبا تجلسوا كما النسوان في البيوت، يا عويلة خرجونا من هذا امطعم.

قال أحمد ناصر: شوفوا هذا الصومالي فهمكم وسمعكم وبدأ يحرك الباكورة حقه اتجنبوا شره لا يدقنا بهذه الباكورة.

وأضاف: الصومال متعاونين وكلهم يشتركوا في الخير والشر وبا يتجمعوا علينا بهذه البواكير.

من أبطال حمل البواكير بعدن .

ويضيف مسترسلاً بحديثه :" وكان علينا أن نخرج، تحركنا وقد أصبحت الباكورة بدعة وسلاحاً يفتخر الناس بها (2). وأكثر الذين يستخدمونها الصومال فهي سلاحهم في أي معركة في عدن. وقد تطور استخدامها بعد ذلك وخاصة في الحارات مثل حارة حسين والقاضي، ولكل حارة قائد مشهور بضرب الباكورة على الرأس. ومن أبطال حمل البواكير في عدن: صالح فضل القعر، إبراهيم حداد، الحاج مرشد الرديني، عبدالله خدشي، سالم علي زيد – الزيدان، محمد جعفر الشاذلي، على محمد عمر جرجرة الشيبة البيضاني، علي حيروه الصومالي، سعيد مسكينه، الخبارة، عبده سلامي، محمد عباس – عباسو، عبدالله أحمد صالح البيضاني، عبدالقادر حميدان، أحمد علي باشراحيل، جواد أغبري، علي الصيني، محفوظ جبل، حميدو الدب - مكاوي، محمد الطيطي، أنور مهتدي، عبدالحميد عري، عبدالله صالح المحضار، أبوبكر شفيق، عبدالله علي موشجي، عباد عراقي، الحاج عبدالرحمن نورجي، عبده حزام، والكثير منهم.

في كريتر العديد من المقاهي

ويردف في الكلام :" قلت: يا الله روحنا، ولكن ما رأيكم بشرب شاهي قبل الرجوع إلى "الشيخ عثمان"؟

وافق الجميع وعندما دخلنا المقهاية كان عدد كبير ممن فيها يلعبون "بطه"(3) ويدخنون وأحياناً يتكلمون ويتصايحون في "مقهاية" الأغبري التي تقع بالقرب من مقهاية زكو بكريتر.

وفي عدن هناك العديد من المقاهي مثل: مقهى ســيلان المشهور في كريتر او مقهى كشـر الذي يملكه السيد هاشم عبدالله السقاف وكان الناس يرتادونها بعد صلاة الفجر لسماع صوت العــرب واذاعة ال بي بي سي من راديــو القاهـــره ذي الحجر الكبير، وكان الكل منتشي بهذه اللحظات ومنصت باهتمام للمذياع ولصوت احمد سعيد وكانت بعض المقاهي تبيع اللبن البقري الطازج ودهن اللبن والخمير الحلو الذي يسمى المقصقص.

وكانت مقاهي عــدن ملتقى الوطنيين الاحرار وكان بعض اصحاب المقاهي منخرطين في صفوف العمل النضالي ضد الامامة والاستعمار ودعم المقاومة الشعبية، اما اعرق مقاهي الشاي في الشيخ عثمان فقد كانت مقهاية الشجرة لصاحبها عبده مكرد عزعزي الى جانب مقهاية القميري المشهورة فمقهاية الشجرة الى جانب شهرتها في بيع الشاي وخبز الطاوه كانت ملتقى الادباء والفنانين والشعراء والرياضيين والتربويين امثال: الشاعر محمد سعيد جرادة وادريس حنبلة, وقيراط وغيرهم.

المقاهي عنوان دائم لسائقي الاجرة

ويواصل الحديث قائلاً :" واشتهرت مقاهي الشيخ عثمان بوجود كتاب "عرض الحالات" (الشكاوي) الذين كانوا يكتبون شكاوي المواطنيين باليــد, وايضا كانت المقاهي عنوان دائم لسائقي الاجرة "التاكسيات", اما انواع الشاي الذي تقدمه هذه المقاهي: المحوج الزائد الجوز، العصمــلي الثقيــــل، الجرو الخفيف اللبن، الشاي النص، نص كاس، والشاي الدبل الكاس الممتلي، وهذه طريقة تقليدية لصناعة الشاي العدني لاتزال مستمرة الى الان لم تدخلها التحديثات والايتكيت.

ومرتادو هذه المقاهي يمضون اوقات تسلية في لعب الورق والدمنو واتذكر ان الرئيس سالم ربيع علي كان مولعا بشرب الشاي في مقهى القميــري بالشيخ عثمان خاصة في المساء والفجر، وفي التواهي مقهاية الجراك ومقهاية حجازي ومقهاية محمد ومقهاية الدبعي ومقهاية عبدالجبار.

وخلال احتسائنا للشاي في المقهى سمعنا أغنية: شمسان تاج على عدن من كلمات القمندان وغناء والحان فضل محمد اللحجي مسجلة على اسطوانة حجرية (4) .

إذا رأيـت عـلـى شـمسـان فــي عـدن

تـاجـاً مــن الـمـزن يــروي المـحـل فـي تـبــنِ

قـــل للـشـبـيـبة نبـغــي هـكذا لكـم

تاجـاً مـن العـلـم يمـحـو الجـهـل قــي اليـمـنِ

فـأنتـم خـلـف الـقــوم الأولـى رفـعــوا

رايـاتِ مـجـدهـم فـي سـالفِ الـزمـنِ

سارت جـنودهـم فــي الـبـر فاتـحـة

حـتى مـلوا البحر ذا الأمـواجِ بالـسفنِ

مــازال مـنهم فـيـكـم كامـنـا قـبــس

يجـري مـع الـدمِ لـم يـوه ولـم يـهــنِ

سيـروا إلـى المجد صفا وأسـلـكــوا سبلا

وضـاء وحـيدوا عـن الأضغانِ والـفــتــنِ

أنتـم بنو الـسادة الأمجـاد مـن مـضـر

ومـن سـلالـةِ قـحطـانٍ وذي يــزنِ

حـيـاك يـاعـدن مـن منهـل عـذب

لقـاصدين حــمــاك الله مــن وطــنِ

يـا دار أهــلـة فـيـــك الكـرام لــقـد

طبـت وغـنـت لـك الـورقـاء مـن فـنـنِ

إذا سـرى من هــوى حـقات فـي عـدن

أحيـا عليل الـهـوى شـجوي وذكـرنـيِ

أهـل القـطـيع وأهـل الزعـفران ؟

حـافـة حسين من أهـل الفـضل والـفـطـن

أحبتي وأصيحابي افتكرتهم

فـي يـقـظـتـي لا يـفـارقـني ولا وسـنــي

أبعث مزاحم حي العيـدروس وصافح

فــي الـخـسـاف وعانــق ثـم وأحـتـضن

العم سليمان : حرام عليكم خروجنا من هذه المقهاية

ويتابع ويقول :" قال العم سليمان: دخلتونا عند أصحاب القمار قد سمعنا عنهم في البلاد أنهم يأخذوا فلوس حرام، حرام عليكم خرجونا من هذه المقهاية.

قال علي محمد: يا عم سليمان هم يلعبوا بطة، هم في حالهم ونحن في حالنا، با نشرب الشاهي ونسمع هذه الاغنية الجميلة للأمير احمد فضل القمندان وغناء فضل محمد اللحجي وسنخرج.. بعد ذلك طلبنا شاهي بالحليب المعلب اللذيذ بالهيل.

وقدم لنا الشاي وكان إلى جانبنا بعض الأشخاص الذين سكبوا الشاي الذي قدم لهم في الصحن "السيسر" وفي لحظات شربوه من الصحن بدلاً عن الفنجان أبو شهر (ماركه الهلال) وكأنهم متعجلون وعلى موعد، وبعدما شربوا جلسوا وطلبوا "بطة" يلعبون بها.

قال العم سليمان: مالهم سووا هكذا ذي يشوفهم با يقول عندهم عمل، وطعفروا الشاهي وشربوه مثل السرق والله انهم روفلات( 5) وجلسوا يدقوها لحي على البطة، الله أكبر عليهم شوفوا عيونهم حمر.

قال برطم: والله أنا شفت مثلهم في مقهاية الجريك بـ"الشيخ عثمان".

قال علي محمد: البطة والشاهي موجودة ايضا في مقهاية مديرة بالقرب من تماثيل الأسود، ومقهاية القميري بـ"الشيخ عثمان" بجانب بيت ابن طالب الذي نزل فيه سيف الإسلام أحمد حميد الدين ضيفاً في أبريل 1944م ودارت مساجلة شعرية بينه وبين الأستاذ عبد المجيد الأصنج استهلها الإمام بقوله: (ويوماً قضيناه في بيت ابن طالب) ورد عليها الأصنج (ودارت بنا الأفراح من كل جانب)

حاسبنا وخرجنا.. وانضم إلينا في الطريق الأخ صلاح بعد انتهاء المباراة. (( للحديث بقية )) ..

هوامش /

1- جمع قحرة ومعناها العجيزة.

2- كان حمل البواكير (عصا عدنية) تقليد شعبي مهم في عدن، كانت البواكير تحمل للدفاع عن النفس و للزينة أيضآ، وكان استعمال البواكير في المعارك له فن عريق وموهبة نادرة، إنها كالأسلحة فن في الهجوم والدفاع، ويوجد أيضا بجانب الباكوره نوع من العصي ويقال له " الوجر": وهي كلمة صوماليه وتعني أسم الشجرة التي اقتطعت منها تلك العصا الغليظة أو الصميل، واستعمال الوجر لا يحتاج إلى فن و تعتبر عصا بدائية ونادرا ما تستعمل يحملها بعض الروفلات، أما إستعمال الباكورة فهو فن من الفنون .

3-) بطة: كوتشينة.

4- الاسطوانة الحجرية: بعد ذلك تطورت الاسطوانات الى بلاستيكية سرعة 45 التي لا تنكسر ويقوم بصناعتها شركات طه فون، وعزعزي فون، وجعفر فون, وتوضع هذه الاسطوانات على آلات الطرب التي تسمى ب"الطرب" باللهجة العدنية او بالجرامفون كما هو معروف, وهي كلمة انكليزية وهو الحاكي باللغة العربية، واستمرت الى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وحل محلها المسجلات ابو عجلة او البكرة، وفي الستينيات صنعت مسجلات الكاسيت الصغيرة ليحل محلها الـ cd في تسيعينيات القرن العشرين.

5-امروفلات: مفردها روفل محرفة عن الكلمة الأنكليزية لوفر loafer ومعناها "صائع"