الفن والأدب

الخميس - 24 مايو 2018 - الساعة 02:15 م بتوقيت اليمن ،،،

(المرصد)متابعات:

نستكمل اليوم الجزء الثانى من حكاية الملك يونان والحكيم رويان، من حكايات ألف ليلة وليلة، التى تعد من أكثر الطقوس التى ارتبطت فى ذاكرتنا بشهر رمضان المبارك، ونقدمها فى سلسلة سحر الحكايات فى رمضان.
ألف ليلة وليلة.. حكاية يونان والحكيم رويان (2)
وفى الليلة الخامسة قالت: بلغنى أيها الملك السعيد أن الملك يونان قال لوزيره أنت داخلك الحسد من أجل هذا الحكيم فتريد أن أقتله وبعد ذلك أندم كما ندم السندباد على قتل البازي. فقال الوزير: وكيف كان ذلك؟ فقال الملك: ذكر أنه كان ملك ملوك الفرس يحب الفرجة والتنزه والصيد والقنص وكان له بازى رباه ولا يفارقه ليلًا ولا نهارًا ويبيت طوال الليل حامله على يده وإذا طلع إلى الصيد يأخذه معه وهو عامل له طاسة من الذهب معلقة فى رقبته يسقيه منها.
فبينما الملك جالس وإذا بالوكيل على طير الصيد يقول: يا ملك الزمان هذا أوان الخروج إلى الصيد، فاستعد الملك للخروج وأخذ البازى على يده وساروا إلى أن وصلوا إلى واد ونصبوا شبكة الصيد إذا بغزالة وقعت فى تلك الشبكة فقال الملك: كل من فاتت الغزالة من جهته قتلته، فضيقوا عليها حلقة الصيد وإذا بالغزالة أقبلت على الملك وشبت على رجليها وحطت يديها على صدرها كأنها تقبل الأرض للملك فطأطأ الملك للغزالة ففرت من فوق دماغه وراحت إلى البر.
فالتفت الملك إلى المعسكر فرآهم يتغامزون عليه، فقال: يا وزيرى ماذا يقول العساكر فقال: يقولون إنك قلت كل من فاتت الغزالة من جهته يقتل فقال الملك: وحياة رأسى لأتبعنها حتى أجيء بها، ثم طلع الملك فى أثر الغزالة ولم يزل وراءها وصار البازى يلطشها على عينها إلى أن أعماها ودوخها فسحب الملك دبوسًا وضربها فقلبها ونزل فذبحها وسلخها وعلقها فى قربوس السرج. وكانت ساعة حر وكان المكان قفرًا لم يوجد فيه ماء فعطش الملك وعطش الحصان.
فالتفت الملك فرأى شجرة ينزل منها ماء مثل السمن، وكان الملك لابسًا فى كفه جلدًا فأخذ الطاسة فى قبة البازى وملأها من ذلك الماء ووضع الماء قدامه وإذا بالبازى لطش الطاسة فقلبها، فأخذ الملك الطاسة ثانياً، وملأها وظن أن البازى عطشان فوضعها قدامه فلطشها ثانيًا وقلبها فغضب الملك من البازى وأخذ الطاسة ثالثًا وقدمها للحصان فقلبها البازى بجناحه فقال الملك الله يخيبك يا أشأم الطيور وأحرمتنى من الشرب وأحرمت نفسك وأحرمت الحصان ثم ضرب البازى بالسيف فرمى أجنحته.
فصار البازى يقيم رأسه ويقول بالإشارة انظر الذى فوق الشجرة فرفع الملك عينه فرأى فوق الشجرة حية والذى يسيل سمها فندم الملك على قص أجنحة البازى ثم قام وركب حصانه وسار ومعه الغزالة حتى وصل الملك على الكرسى والبازى على يده فشهق البازى ومات فصاح الملك حزنًا وأسفًا على قتل البازى، حيث خلصه من الهلاك، هذا ما كان من حديث الملك السندباد.
فلما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له: أيها الملك العظيم الشأن وما الذى فعلته من الضرورة ورأيت منه سوء إنما فعل معك هذا شفقة عليك وستعلم صحة ذلك فإن قبلت منى نجوت وإلا هلكت كما هلك وزير كان احتال على ابن ملك من الملوك، وكان لذلك الملك ولد مولع بالصيد والقنص وكان له وزيراً، فأمر الملك ذلك الوزير أن يكون مع ابنه أينما توجه فخرج يومًا من الأيام، إلى الصيد والقنص وخرج معه وزير أبيه فسارا جميعًا فنظر إلى وحش كبير فقال الوزير لابن الملك دونك هذا الوحش فاطلبه فقصده ابن الملك، حتى غاب عن العين وغاب عنه الوحش فى البرية، وتحير ابن الملك فلم يعرف أين يذهب وإذا بجارية على رأس الطريق وهى تبكى فقال لها ابن الملك من أنت: قال بنت ملك من ملوك الهند وكنت فى البرية فأدركنى النعاس، فوقعت من فوق الدابة ولم أعلم بنفسى فصرت حائرة.
فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر جابته وأردفها وسار حتى مر بجزيرة فقالت له الجارية: يا سيد أريد أن أنزل ضرورة فأنزلها إلى الجزيرة ثم تعوقت فاستبطأها فدخل خلفها وهى لا تعلم به، فإذا هى غولة وهى تقول لأولادها يا أولادى قد أتيتكم اليوم بغلام سمين فقالوا لها أتينا به يا أمنا نأكله فى بطوننا.
فلما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك وارتعدت فرائصه وخشى على نفسه ورجع فخرجت الغولة فرأته كالخائف الوجل وهو يرتعد فقالت له: ما بالك خائفاً، فقال لها أن لى عدواً، وأنا خائف منه فقالت الغولة إنك تقول أنا ابن الملك قال لها نعم، قالت له مالك لا تعطى عدوك شيئًا من المال، فترضيه به، فقال لها أنه لا يرضى بمال ولا يرضى إلا بالروح وأنا خائف منه، وأنا رجل مظلوم فقالت له: إن كنت مظلومًا كما تزعم فاستعن بالله عليه بأنه يكفيك شره وشر جميع ما تخافه.
فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب دعوة المضطر، إذا دعاه ويكشف السوء انصرنى على عدوى واصرفه عني، إنك على ما تشاء قدير فلما سمعت الغولة دعاءه، انصرفت عنه وانصرف ابن الملك إلى أبيه، وحدثه بحديث الوزير وأنت أيها الملك متى آمنت لهذا الحكيم قتلك أقبح القتلات، وإن كنت أحسنت إليه وقربته منك فإنه يدبر فى هلاكك، أما ترى أنه أبرأك من المرض من ظاهر الجسد بشىء أمسكته بيدك، فلا تأمن أن يهلكك بشيء تمسكه أيضاً.
فقال الملك يونان: صدقت فقد يكون كما ذكرت أيها الوزير الناصح، فلعل هذا الحكيم أتى جاسوسًا فى طلب هلاكي، وإذا كان أبرأنى بشىء أمسكته بيدى فإنه يقدر أن يهلكنى بشيء أشمه، ثم إن الملك يونان قال لوزيره: أيها الوزير كيف العمل فيه، فقال له الوزير: أرسل إليه فى هذا الوقت واطلبه، فإن حضر فاضرب عنقه فتكفى شره وتستريح منه واغدر به قبل أن يغدر بك، فقال الملك يونان صدقت أيها الوزير ثم إن الملك أرسل إلى الحكيم، فحضر وهو فرحان ولا يعلم ما قدره الرحمن كما قال بعضهم فى المعنى:
يا خائفًا من دهره كن آمناً
وكل الأمور إلى الذى بسط الثرى
إن المقدر كان لا يمحى
ولك الأمان من الذى ما قدرا


وأنشد الحكيم مخاطبًا قول الشاعر:
إذا لم أقم يومًا لحقك بالشكر
فقل لى إن أعددت نظمى معا لنثر
لقد جددت لى قبل السؤال بأنعم
أتتنى بلا مطل لديك ولا عذر
فمالى لا أعطى ثناءك حقه
وأثنى على علياك السر والجهر
سأشكر ما أوليتنى من صنائع
يخف لها فمى وإن أثقلت ظهري
فلما حضر الحكيم رويان قال له الملك: أتعلم لماذا أحضرتك، فقال الحكيم: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، فقال له الملك: أحضرتك لأقتلك وأعدمك روحك، فتعجب الحكيم رويان من تلك المقالة غاية العجب، وقال أيها الملك لماذا تقتلني؟ وأى ذنب بدا منى فقال له الملك: قد قيل لى إنك جاسوس وقد أتيت لتقتلنى وها أنا أقتلك قبل أن تقتلنى ثم إن الملك صاح على السياف، وقال له اضرب رقبة هذا الغدار، وأرحنا من شره، فقال الحكيم أبقنى يبقيك الله ولا تقتلنى يقتلك الله، ثم أنه كرر عليه القول مثلما قلت لك أيها العفريت وأنت لا تدعى بل تريد قتلى فقال الملك يونان للحكيم رويان، إنى لا آمن إلا أن أقتلك فإنك برأتنى بشيء أمسكته بيدى فلا آمن أن تقتلنى بشيء أشمه أو غير ذلك فقال الحكيم أيها الملك أهذا جزائى منك، تقابل المليح بالقبيح فقال الملك: لا بد من قتلك من غير مهلة فلما تحقق الحكيم أن الملك قاتله لا محالة بكى وتأسف على ما صنع من الجميل مع غير أهله، كما قيل فى المعنى:
ميمونة من سمات العقل عارية
لكن أبوها من الألباب قد خلقا
لم يمش من يابس يومًا ولا وحل
إلا بنور هداه تقى الزلقا
بعد ذلك تقدم السياف وغمى عينيه وشهر سيفه وقال ائذن والحكيم يبكى ويقول للملك: أبقنى يبقيك الله ولا تقتلنى يقتلك الله، وأنشد قول الشاعر:
نصحت فلم أفلح وغشوا فأفلحوا
فأوقعنى نصحى بدار هوان
فإن عشت فلم أنصح وإن مت فانع لى
ذوى النصح من بعدى بك لسان
ثم إن الحكيم قال للملك أيكون هذا جزائى منك، فتجازينى مجازاة التمساح قال الملك: وما حكاية التمساح، فقال الحكيم لا يمكننى أن أقولها، وأنا فى هذا الحال فبالله عليك أبقنى يبقيك الله، ثم إن الحكيم بكى بكاء شديدًا فقام بعض خواص الملك وقال أيها الملك هب لنا دم هذا الحكيم، لأننا ما رأيناه فعل معك ذنبًا إلا أبرأك من مرضك الذى أعيا الأطباء والحكماء.
فقال لهم الملك لم تعرفوا سبب قتلى لهذا الحكيم وذلك لأنى إن أبقيته فأنا هالك لا محالة ومن أبرأنى من المرض الذى كان بى بشيء أمسكته بيدى فيمكنه أن يقتلنى بشيء أشمه، فأنا أخاف أن يقتلنى ويأخذ على جعالة لأنه ربما كان جاسوسًا وما جاء إلا ليقتلنى فلا بد من قتله وبعد ذلك آمن على نفسى فقال الحكيم أبقنى يبقيك الله ولا تقتلنى يقتلك الله.
فلما تحقق الحكيم أيها العفريت أن الملك قاتله لا محالة قال له أيها الملك إن كان ولا بد من قتلى فأمهلنى حتى أنزل إلى دارى فأخلص نفسى وأوصى أهلى وجيرانى أن يدفنونى وأهب كتب الطب وعندى كتاب خاص الخاص أهبه لك هدية تدخره فى خزانتك، فقال الملك للحكيم وما هذا الكتاب قال: فيه شيء لا يحصى وأقل ما فيه من الأسرار إذا قطعت رأسى وفتحته وعددت ثلاث ورقات ثم تقرأ ثلاث أسطر من الصحيفة التى على يسارك فإن الرأس تكلمك وتجاوبك عن جميع ما سألتها عنه.
فتعجب الملك غاية العجب واهتز من الطرب وقال له أيها الحكيم: وهل إذا قطعت رأسك تكلمت فقال نعم أيها الملك وهذا أمر عجيب، ثم أن الملك أرسله مع المحافظة عليه، فنزل الحكيم إلى داره وقضى أشغاله فى ذلك اليوم وفى اليوم الثانى طلع الحكيم إلى الديوان وطلعت الأمراء والوزراء والحجاب والنواب وأرباب الدولة جميعًا وصار الديوان كزهر البستان وإذا بالحكيم دخل الديوان، ووقف أمام الملك ومعه كتاب عتيق ومكحلة فيها ذرور، وجلس وقال ائتونى بطبق، فأتوه بطبق وكتب فيه الذرور وفرشه وقال: أيها الملك خذ هذا الكتاب ولا تعمل به، حتى تقطع رأسى فإذا قطعتها فاجعلها فى ذلك الطبق وأمر بكبسها على ذلك الذرور فإذا فعلت ذلك فإن دمها ينقطع، ثم افتح الكتاب ففتحه الملك فوجده ملصوقًا فحط إصبعه فى فمه وبله بريقه وفتح أول ورقة والثانية والثالثة والورق ما ينفتح إلا بجهد، ففتح الملك ست ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة فقال الملك: أيها الحكيم ما فيه شيء مكتوب فقال الحكيم قلب زيادة على ذلك فقلب فيه زيادة فلم يكن إلا قليلًا من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته فإن الكتاب كان مسمومًا فعند ذلك تزحزح الملك وصاح وقد قال: سرى فى السم، فأنشد الحكيم رويان يقول:
تحكموا فاستطالوا فى حكومتهم  وعن قليل كان الحكم لم يكن
لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغى  عليهم الدهر بالآفات والمحن
وأصبحوا ولسان الحال يشدهم  هذا بذاك ولا عتب على الزمن
فلما فرغ رويان الحكيم من كلامه سقط الملك ميتًا لوقته، فاعلم أيها العفريت أن الملك يونان لو أبقى الحكيم رويان لأبقاه الله، ولكن أبى وطلب قتله فقتله الله وأنت أيها العفريت لو أبقيتنى لأبقاك الله. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، فقالت لها أختها دنيازاد: ما أحلى حديثك فقالت: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة المقبلة إن عشت وأبقانى الملك، وباتوا الليلة فى نعيم وسرور إلى الصباح، ثم طلع الملك إلى الديوان ولما انفض الديوان دخل قصره واجتمع بأهله.