الشأن العربي

الجمعة - 22 يونيو 2018 - الساعة 04:32 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/ الشرق الأوسط

مضى عام منذ صدور مرسوم ملكي، من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في 21 يونيو (حزيران).
وشهد هذا العام جملة من الإنجازات، وضعت أرضية صلبة، جعلت السعودية تحتل رقماً مهماً في المعادلة الدولية.
فمنذ دخول الأمير الشاب معترك السياسة في بلاده، اهتم بجملة من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية والتنموية والفكرية والاجتماعية الشائكة، بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية. ونجح في تأسيس أرضية صلبة للانطلاق عبرها لرسم سياسة جديدة لبلاده، تتعامل مع الواقع والمستقبل معاً، وفق استراتيجية واضحة تتجاوز الطروحات التقليدية، والحلول العاطفية والوقتية، من خلال آليات وعمل مؤسسي.

مشروع {نيوم}
من الصعوبة الإحاطة بكل مبادرات ولي العهد السعودي وإنجازاته خلال عام منذ توليه منصب ولاية العهد، وأطلقها عبر أعمال وقرارات لافتة كانت منهج عمل مستقبلي، تحقق كثير منها على سطح الواقع.
ففي الجانب المحلي كان هاجس الأمير محمد بن سلمان، استغلال عناصر القوة والإمكانات الهائلة التي تتمتع بها بلاده، وعدم الركون إلى النفط مورداً وحيداً لتحقيق مداخيل البلاد من خلال سلعة قابلة للنضوب، وتشهد سوقها تقلبات في الأسعار.
رأى الأمير محمد أن هناك مستقبلاً مذهلاً ينتظر بلاده في قادم الأيام، بعد أن وصل إلى قناعة بأن السعوديين لم يستغلوا سوى 10 في المائة من قوة وإمكانات بلادهم التي لديها 90 في المائة من الإمكانات الخصبة والواعدة التي ينتظر استغلالها، بما يعود بالخير عليها وعلى مواطنيها وعلى المنطقة بكاملها، كما رأى أن موقع بلاده الاستراتيجي الذي يقع بين ثلاثة مضائق من أهم الممرات المائية في العالم يسمح لها بأن تكون منطقة محورية بين القارات الثلاث: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا.
وفي هذا الصدد أسس ولي العهد السعودي في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2017 مشروعاً استثمارياً عملاقاً أطلق عليه «نيوم»، الذي يعني «مستقبل جديد»، يأتي في إطار التطلعات الطموحة لـ«رؤية 2030» التي تهدف إلى تحول السعودية إلى نموذج عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة من خلال التركيز على استجلاب سلاسل القيمة في الصناعات والتقنية داخل المشروع، وقد تم دعم هذا المشروع من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي بقيمة 500 مليار دولار، والمستثمرين المحليين والعالميين.
يقع المشروع في أقصى شمال غربي السعودية، ويحده البحر الأحمر من الغرب على امتداد 460 كيلومتراً، ويضم أراضي داخل الحدود المصرية الأردنية.

القدية ومشروعات الترفيه
بالإضافة إلى المشروع العملاق «نيوم والبحر الأحمر»، هناك مشروع بالقرب من العاصمة السعودية، وهو مشروع «القدية»، الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان ويمثل تدشينه تحقيقاً لهدف استراتيجي رئيسي للملك وولي عهده بأن يكون للترفيه والرياضة والثقافة دور رئيسي في رسم مستقبل المملكة، وسيسهم المشروع في توفير نحو 30 مليار دولار التي ينفقها السعوديون كل عام على السياحة والترفيه خارج البلاد. وسيتم توظيف هذا الوفر في الإنفاق لتنمية الاقتصاد المحلي الداخلي، مما سيؤدي لخلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي.
ويهدف مشروع القدية والمشروعات الكبرى الأخرى إلى إعادة تكييف الاقتصاد الوطني لتجاوز تقلبات أسعار النفط أو الاعتماد على مورد رئيسي واحد للدخل.
وضمن برنامج التحول الاجتماعي والاقتصادي للسعودية، وفقاً لرؤية 2030 التي أقرها ولي العهد السعودي، أعادت السعودية بشكل رسمي السينما إلى البلاد، وتم منح رخص وتشغيل دور العرض السينمائي، وهو ما يفتح الباب أمام سوق محلية كبيرة يمكن أن تصل إلى مليار دولار سنوياً في مبيعات شباك التذاكر، بوجود مشغلين رئيسيين آخرين حريصين على دخول السوق السعودية، حيث يمثل الشباب في المملكة دون الثلاثين عاماً أغلبية سكانها البالغ عددهم 32 مليون نسمة، مما يجعلها أكبر سوق محتملة لرواد السينما في منطقة الخليج العربي، وتحقق حلم السعوديات والمقيمات بالسماح لهن بقيادة المركبات، وهو المطلب الذي كان يراود الأسر السعودية منذ عقود، كما تم خلال هذا العام السماح للنساء بدخول الملاعب ومتابعة المباريات التي تقام في الملاعب السعودية.

شراكات اقتصادية
ركز ولي العهد السعودي على الشراكات المحورية مع الدول الكبرى، ذات الكيانات الاقتصادية المعتبرة، ووضع الاستثمار في الأماكن الصحيحة، لبناء اقتصاد قوي ومستمر، حيث رسم الأمير محمد بن سلمان خطة بلاده بناء على مكامن القوة لديها: تكرير النفط، والمواد، والحركة، والنقل، والمعادن، والغاز، من خلال ما تملكه من اكتشافات الغاز في البحر الأحمر، ومحتوى محلي وميزان مدفوعات. وتنفق 230 مليار دولار سنوياً خارج السعودية. وإن لم تفعل شيئاً؛ فإن هذا الرقم سيرتفع في عام 2030 ليصل إلى ما بين 300 و400 مليار دولار ستصرف خارج السعودية، حيث تضمنت الخطة أن يتم إنفاق نصفها في البلاد، التي لديها برامج عدة لتحقيق ذلك، من خلال الخصخصة. ويأتي على قمة الهرم طرح جزء من «أرامكو» للاكتتاب، وضخّ هذه المبالغ وتقديم الأصول الحكومية وغيرها من الأصول والاحتياطيات النقدية الأخرى في صندوق الاستثمارات العامة، ودفعه ليصبح أكبر صندوق على مستوى العالم، بقيمة تتجاوز تريليوني دولار. فقبل عامين، كان حجم صندوق الاستثمار العام 150 مليار دولار. أما اليوم فحجمه 300 مليار دولار. وفي نهاية عام 2018 سيبلغ نحو 400 مليار دولار. وفي عام 2020 سيصل إلى ما بين 600 - 700 مليار دولار، وفي عام 2030 سيكون أعلى من تريليوني دولار. وسيستثمر نصف هذه الأموال لتمكين السعودية، والـ50 في المائة المُتبقية ستستثمر في الخارج «لضمان أن نكون جزءا من القطاعات الناشئة في جميع أنحاء العالم».

السلام والإسلام المعتدل
في الجانب الديني والفكري، حيث تحتضن السعودية الحرمين الشريفين، يشدد ولي العهد السعودي على أن الإسلام هو دين السلام، وأن مثلث الشر المتمثل في (إيران، والإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية)، يسعى للترويج لفكرة أن واجب المسلمين هو «إعادة تأسيس مفهوم مثلث الشر الخاص للخلافة، ويدّعون أن واجب المسلمين هو بناء إمبراطورية بالقوة وفقاً لفهمهم وأطماعهم، لكن الله - سبحانه - لم يأمرنا بذلك، والنبي محمد لم يأمرنا بالقيام بذلك. وهذه المهمة لا بد من إنجازها. واليوم - في الدول غير الإسلامية - أصبح لكل إنسان الحق في اختيار معتقده وما يؤمن به. والآن لم يعد واجباً علينا أن نقاتل من أجل نشر الإسلام ما دام مسموحاً للمسلمين بالدعوة بالحسنى، لكن في مثلث الشر، يرغبون في التلاعب بالمسلمين، وإخبارهم بأن واجبهم بصفتهم مسلمين - ومن أجل كرامتهم - يتطلب تأسيس إمبراطورية إسلامية بالعنف والقوة وفق الآيديولوجيا المحرفة لكل أضلاع مثلث الشر».
ويرى الأمير محمد بن سلمان بأنه «ليس هُناك ما يسمى الوهابية! نحن لا نؤمن بأن لدينا وهابية. ولكن لدينا في السعودية مسلمون سنة وكذلك لدينا مسلمون شِيعة. ونؤمن بأن لدينا في الإسلام السني أربع مدارس فقهية، كما أنه لدينا العلماء الشرعيون المعتبرون ومجلس الإفتاء. نعم، في المملكة العربية السعودية واضحٌ أن قوانيننا تأتي من الإسلام والقرآن، ولدينا المذاهب الأربعة: الحنبلية، والحنفية، والشافعية، والمالكية، وهي مذاهب تختلف فيما بينها في بعض الأمور، وهذا أمر صحي ورحمة».
وعبرت الكلمات التي سطرها ولي العهد السعودي على القطعة الأخيرة التي ركبت على القمر السعودي الأول للاتصالات قبل إطلاقه أثناء زيارته لشركة «لوكهيد مارتن» الأميركية، عن أن هاجس الأمير محمد بن سلمان الأول أن تكون بلاده رقماً صعباً في المعادلة الدولية سياسياً واقتصادياً وفكرياً عندما سطر عبارة: «فوق هام السحب».