الشأن الدولي

الخميس - 12 يوليه 2018 - الساعة 11:13 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/ وكالات


الجرائم الجنائية أزمة تؤجلها الحكومات المشغولة بمكافحة الإرهاب، هذا الأمر أعطى لعدد من الدول العربية، منها مصر وتونس، في السنوات الأخيرة الكثير من الاهتمام لمحاربة الإرهاب ومكافحة عوامل التطرف الديني والتركيز على الجريمة السياسية بشكل عام، على حساب مقاومة الجريمة بمفهومها التقليدي كالسرقة والقتل والعنف وغير ذلك من الجرائم التي يمكن أن تكون مقدمة لجرائم أكبر كالإرهاب. وأدت الحرب على الإرهاب في مصر إلى تقليص الاهتمام الأمني بالجرائم الجنائية، لكن زيادة الثانية في الآونة الأخيرة وارتفاع حدة المخاوف لدى قطاع كبير من المواطنين، لفتا الانتباه إلى خطورة حصر التوجهات في مجال الأمن بمعناه السياسي

القاهرة – ركزت القوات الأمنية في مصر في السنوات الأخيرة أغلب جهدها في الحرب على الإرهاب وملاحقة المتطرفين وتفكيك الخلايا الإرهابية. إلا أنه في خضم تلك الحرب، التي نجحت إلى حد كبير في تقليص مستوى التهديد الإرهابي، ارتفع معدل الجرائم الجنائية، كالسرقة والقتل والاختطاف وعمليات السطو بمختلف أنواعها.

وتحفل صفحات الجرائم وقضايا المجتمع في الصحف المصرية بأخبار جديدة يوميا عن جرائم مختلفة، كما تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي، فيديوهات وأخبار متواترة عن أعمال لا تقل بشاعة عن الإرهاب، من ذلك فيديو يكشف عن عثور بعض المارة على جثث لثلاثة أطفال مذبوحين، أعمارهم لا تتجاوز 5 سنوات، ملقاة على رصيف داخل أكياس قمامة، قرب فندق شهير، بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، الثلاثاء الماضي.

أثارت هذه الحادثة جدلا وغضبا مصحوبين بخوف من ارتفاع معدل الجريمة في البلاد. وقد جاءت هذه الحادثة لتنقل الاهتمام من حادثة أخرى استجدت قبلها بأيام قليلة، وهي عملية تعرض طفل للاختطاف من أمام منزل أسرته، بمدينة الشروق (شمال شرق القاهرة)، وهي مدينة راقية يقطنها عدد كبير من المسؤولين.

وتكشف الجريمتان، تلك التي وقعت في الحي الشعبي أو في الحي الراقي، عن تغيّرات مهمة يموج بها المجتمع في ظل تراجع أخلاقي وتدهور اقتصادي، مصحوب بضعف التعامل الأمني كما بتأثير هيبة الدولة، وجهازها الأمني، لأسباب كثيرة. وهما نموذجان يوضحان لأي درجة يمكن أن تتزايد المخاطر الأمنية في هذا الاتجاه. فما هو غير معلن ولم يحظ باهتمام إعلامي كثير وخطير.

ما يزيد قلق الحكومة، أن زيادة معدلات الجريمة ارتبطت بتغيرات مجتمعية غاب عنها التمسك بالجانب الأخلاقي، وانغمس أصحابها في ممارسة أعمال عنف متعددة، من دون أن يكون هناك رادع قانوني وأمني.

لم تتوقف الجرائم عند الاختطاف والسطو، بعد أن اتخذ أصحابها طريقًا لإرهاب الشارع والأشخاص المستهدفين، فانتشرت عمليات البلطجة والسحل مع تصوير الضحية للابتزاز أو الانتقام المعنوي من خلال نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

جرائم بالأحياء الشعبية
زيادة معدلات الجريمة ارتبطت بتغيرات مجتمعية غاب عنها التمسك بالجانب الأخلاقي، وانغمس أصحابها في ممارسة أعمال عنف متعددة،

في يونيو الماضي، كان أهالي منطقة بولاق الدكرور (منطقة شعبية قريبة من القاهرة) على موعد مع جريمة بشعة عندما اقتحم عدد من الجناة منزل شاب في الثلاثين من عمره، وبعد مطاردته قفز من طابق علوي، قبل أن يجد في انتظاره مجموعة أخرى من الجناة بالشارع، قاموا بشدّ وثاقه وجردوه من ملابسه ثم ربطوا قدميه في “توك توك”وبدؤوا بسحله، وتشريح جسده بالأسلحة البيضاء.

وفي المنطقة ذاتها، تمكّنت قوات الأمن من إلقاء القبض على أصحاب فيديو سحل شاب والاعتداء عليه، بعد أن تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو يظهر خلاله مجموعة من الأشخاص يقومون بسحل طالب بالجامعة الكندية في القاهرة أمام أعين المارة.

وأكدت سميحة نصر، أستاذة علم النفس الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة، أن زيادة معدلات الجريمة في المجتمع المصري مرتبطة بتغيرات عدة، يأتي على رأسها زيادة معدلات النمو السكاني بشكل مضطرب خلال السنوات الماضية، من دون أن يوازيها في المقابل تحسن ملحوظ في الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأضافت في تصريحات لـ”العرب”، أن “انتشار أعمال العنف بشكل عام داخل المجتمع السنوات الماضية، والذي كان نتيجة لأوضاع سياسية غير مستقرة، تسبب في تزايد الخلل القيمي في سلوكيات المواطنين، بالإضافة إلى الضغوط الحياتية التي يعاني منها عدد كبير جراء تدهور الوضع الاقتصادي، الذي أفضى بشكل مباشر إلى ارتفاع معدلات الجريمة.

ورصدت جمعيات مكافحة الإدمان ظهور سلوكيات جديدة من قبل تجار المخدرات في بعض المناطق الشعبية، مثل افتراشهم الأرصفة يوميا بعدد هائل من الأقراص والحبوب المخدرة وبيعها للزبائن علنا خلال الفترة من منتصف الليل وحتى السابعة صباحا من اليوم التالي. الأمر الذي يعبّر عن وجود ثغرات أمنية واسعة تسببت في ضياع هيبة الدولة وقوات الأمن التي كانت تعتمد على حالة “الردع الجماعي” في مواجهة الجرائم، تحديدا في المناطق النائية والتي يصعب السيطرة عليها بشكل كبير.

ولم تعد تتحمل أزمة السيطرة على الجرائم انتظار حلها بعد الانتصار الأمني تماما على الإرهاب، لأنها سوف تصبح أخطر إذا تواصل الصمت عليها، الذي يعتبره الجناة موافقة ضمنية للاستمرار في ارتكاب جرائمهم، التي لم تعد تلقى اهتماما كبيرا، ضمن سجل الأولويات الذي وضع الإرهاب في المقدمة.

الحرب على الإرهاب
130 بالمئة نسبة زيادة معدل الجرائم الجنائية في مصر حسب وزارة الداخلية

يرى البعض من المراقبين، أن الاستنفار الأمني مع الجرائم الأخيرة، لا يعني أن هناك تغيرا في الأولويات، لكنه تغيير مرتبط بمدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، التي فرضت على الحكومة التعامل بجدية مع الحوادث الفردية، بدليل أن وزير الداخلية الجديد اللواء محمود توفيق، قضى سنوات خدمته الثلاثين الماضية في مجال مكافحة الإرهاب، ومعروف بأنه “صائد الخلايا الإرهابية”، بمعنى أن مكافحة العنف السياسي لن تتوقف قريبا.

ويبرر خبراء النزعة المتصاعدة بأنها شأن متوقع نتيجة لاستغلال المجرمين انشغال الأمن بمحاربة الإرهاب. وهو ما حذرت منه تقارير حقوقية كثيرة، طالبت بضرورة محاسبة وضبط الخارجين عن القانون في الشارع المصري، قبل استفحال خطرهم على المجتمع والنظام الحاكم. وذكرت إحصاءات أعدتها وزارة الداخلية إن معدل الجرائم الجنائية زاد بنسبة 130 بالمئة.

وقال اللواء مجدي الشاهد، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق لـ“العرب” أن “نسبة الإجرام الجنائي أصبحت مرتفعة، لوجود مطلوبين أمنيًا في الشوارع وانشغال قوات الأمن في مطاردة الإرهابيين، وارتكان الأمن إلى خطط تهتم بقدرات عناصر الأمن الفردية”.

وقالت مصادر أمنية لـ“العرب”، إن وزارة الداخلية أرسلت بداية العام الجاري تعزيزات أمنية إضافية إلى سيناء عبر انتدابات دورية بين أفرادها لزيادة فعالية التعامل الجنائي مع الجرائم المرتكبة هناك، ما ساعدها على التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية، مثل مواجهة جرائم المخدرات، فالقضاء عليها يمكن الحكومة من اصطياد المزيد من الإرهابيين.

وتشير دراسة أعدها الباحث محمد جمعة، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى أن إجمالي العمليات الإرهابية التي وقعت في شمال ووسط سيناء منذ بداية العام الجاري وحتى منتصف إبريل الماضي بلغت 12 عملية إرهابية، ويمثل هذا تراجعاً حاداً في النشاط الإرهابي، مقارنة بالربع الأول من العام 2017، الذي شهد وقوع 45 عملية إرهابية.

وأوضح اللواء محمد نورالدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن تراجع العمليات الإرهابية منذ بداية العام الجاري، يجعل الأوضاع الأمنية مهيأة لزيادة الاهتمام بالأمن الجنائي، مع الاحتفاظ بالقدر الكافي من العناصر الشرطية لمواجهة جماعات العنف، من خلال وحدة مكافحة الإرهاب أو العمليات الخاصة التي تتشارك مع القوات المسلحة في مواجهة الإرهاب في مناطق مختلفة.

وأضاف لـ“العرب”، أن هناك عوائق عدة لم تتعامل معها الحكومة المصرية حتى الآن لمواجهة الجريمة الجنائية بشكل احترافي، حيث أن عملية تسليح أفراد الشرطة أضحت بحاجة إلى التطوير في ظل امتلاك العناصر الإجرامية لأسلحة ومعدات أكثر تطورا من قوات الأمن.