آخر تحديث :الثلاثاء-09 سبتمبر 2025-11:02م

رفقًا بـ المعلمين اليمنيين

الثلاثاء - 09 سبتمبر 2025 - الساعة 01:49 م

أسامة ماهر باحويرث
بقلم: أسامة ماهر باحويرث
- ارشيف الكاتب


المعلم ليس موظفًا فقط انما هو أبٌ يحنو، وأمٌّ تراقب، ويدٌ تمتد لتنتشل أبناءنا من الطرق المظلمة إلى نور المعرفة.
في الصف لا يكتفي بشرح الدروس، بل يُصلح بين الطلاب، ويراقب أخلاقهم، ويحرس أحلامهم الصغيرة أن تنكسر تحت ضغط صحبة سيئة أو انحرافٍ اخلاقي هو أوفى من يرافق أبناءنا نحو المستقبل، لكنه اليوم أكثر من يذوق مرارة الحاضر.

المعلم اليمني يعيش معاناة لا تليق برسالته.
فمثلاً من اشد مايعانيه راتب منقطع أو زهيد لا يكفي أبسط متطلبات الحياة، وديون تتراكم على كاهله حتى غدا آخر الشهر موعدًا للقلق بدل الطمأنينة.
كيف يُنتظر منه أن يبني عقول الأجيال فيما هو مشغول بالبحث عن لقمة تسد رمقه أو دواء لأبنائه؟
ورغم هذه الرسالة العظيمة، يعيش المعلم اليمني واقعًا صعبًا لا يتناسب مع مكانته ولا مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه.

ولمّا طالت الأزمة بلا حلول، لم يجد المعلمون سبيلًا سوى الإضراب ليصرخوا بصوت واحد: نحن بشر قبل أن نكون موظفين.
في حضرموت، على سبيل المثال، أعلن المعلمون إضرابهم رفضًا لسياسة التجاهل المستمرة من الدولة، ومطالبةً بحقوقهم المشروعة في الرواتب، والمستحقات المتأخرة، والحياة الكريمة. لم يكن الإضراب تعطيلًا لمستقبل الأبناء كما يراه البعض، بل محاولة أخيرة لضمان هذا المستقبل من الانهيار، فالمدرس الجائع لا يستطيع أن يعلّم، والمعلم المقهور لا يستطيع أن يربي.
المفارقة أن التعليم، الذي يُفترض أن يكون أولوية قصوى، ظل مهمشًا مقارنة بقطاعات أخرى.
فـــــالكهرباء حين انقطعت خرج الناس محتجين في الشوارع، أما التعليم فظل ساكنًا على الرف، وكأن مستقبل الأبناء أمرٌ ثانوي يمكن تجاوزه.
كيف يغفل المجتمع عن أن الطبيب والمهندس والطيار لم يصلوا إلى مقاعدهم إلا بفضل معلم صبور؟

يزيد الوجع حين يتحدث بعض المسؤولين عن "علاوات وحوافز"، وكأنهم يعيشون في بلد آخر غير اليمن، فأبناء هؤلاء المسؤولين يتعلمون في الخارج، بينما أبناء الوطن هنا ينتظرون معلمًا يعلّمهم وسط ظروف لا ترحم.

وفي خضم هذا المشهد، تظل صور إنسانية مشرقة تستحق الذكر. فكم من معلم ومعلمة تجاوزوا حدود عملهم ليكونوا آباء وأمهات حقيقيين لطلابهم صور مشرقة تُجبرك على الانحناء احترامًا.
ولعل من أبلغ الأمثلة تلك المعلمة التي لمستُ فيها اهتمامًا ورعاية فاقت حدود التوقع، رأيت فيها قلبًا يفيض بالحنان أكثر مما رأيت في حياتي كلها فـكانت تتابعنا بحرص، تنبهنا، وتلاحظ سلوكياتنا وكأنها تخاف علينا من أنفسنا.
أقسم لكم انني شعرت حينها أنها أم قبل أن تكون معلمة، مثال حيّ يثبت أن التعليم رسالة حياة لا وظيفة فقط يتقضئ منها المال فرقفاً بمعلمينا فضلاً.

المعلم اليمني لا يطلب رفاهية ولا امتيازات، بل فقط حياة كريمة تحفظ كرامته وتعينه على أداء رسالته
رفع المعلمون أصواتهم عبر الإضراب، ولم يكن ذلك إلا بعد أن استنفدوا كل الوسائل السلمية.
كانت مطالبهم واضحة: صرف المرتبات المتأخرة بانتظام، إطلاق العلاوات السنوية المجمدة منذ سنوات، تحسين أوضاعهم المعيشية بما يتناسب مع غلاء الأسعار، وضمان حياة كريمة تمكّنهم من أداء رسالتهم التربوية.
هذه المطالب ليست رفاهية،
انما حقوق أساسية لأي معلم ينهض بمستقبل وطن بأكمله
إن كرامة المعلم من كرامة المجتمع كله،
ومكانته هي انعكاس مباشر لمستقبل الوطن،
فمستقبل هذا الوطن يبدأ من الفصل الدراسي،
ومن يد المعلم الذي يغرس الأمل ويصنع وعي الأجيال.


رفقًا بقلب المعلم… فهو ينهض كل صباح ليضيء الطريق لأبنائنا، فيما يطفئ واقعه القاسي أنوار حياته.