آخر تحديث :السبت-13 سبتمبر 2025-11:48م

تحليلات سياسية


الوثيقة الفكرية (2012): الحوثية امتداد للزيدية نصا وممارسة

الوثيقة الفكرية (2012): 
الحوثية امتداد للزيدية نصا وممارسة

السبت - 13 سبتمبر 2025 - 10:54 م بتوقيت عدن

- كتب/ عبدالله إسماعيل





في العام 2012 أصدر فقهاء الزيدية ما سُمي بـ«الوثيقة الفكرية والثقافية»، وهي نص من خمسة فصول يعرض الرؤية الزيدية الهادوية بالاستناد إلى إرث المؤسس الكاهن يحيى بن الحسين الرسي، لم تخرج الوثيقة في شيء عن الفكر الذي اعتنقه أئمة الزيدية عبر القرون، وصولا إلى أقبح نسخه الراهنة.

بحسب مقدمتها فهي خلاصة ما توصلت إليه لجنة كلفها فقهاء الزيدية وزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وجاءت مؤكدة، بما لا يدع مجالا للشك، الصلة الوثيقة بين ماضي الإمامة الزيدية وحاضرها، والتبني الكامل لموقف المذهب الهادوي في مسائل الأصول والاجتهاد والفقه والسنة وعلم الكلام.

وما يهمنا هنا هو الفصل المخصص لـ«الاصطفاء»، إذ يعكس الرؤية العنصرية والإقصائية التي تؤمن بها السلالة ويرسخها الفكر الهادوي، وقد تبناها أئمة الزيدية في مختلف العصور حتى النسخة الحوثية اليوم.

نصّ الوثيقة (الاصطفاء)
«أما مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده أن الله سبحانه وتعالى يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفرادا، ونعتقد أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة، وأنه يجيء في كل عصر من يكون منارا للعبادة وقادرا على القيام بأمر الأمة، ومنهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت عليهم السلام.»

لماذا هذا النصّ محوري؟
هذا النص يبرهن أن الحوثية ليست انقطاعا عن الزيدية الهادوية بل امتدادا نصّيا وفكريا وممارسة مباشرة لهذا الإرث، كمبدأ تعتنقه السلالة وأئمتها، وعقيدة تحدد رؤيتها للدين والحياة، كما يفسّر تَدْيِيْن الولاء السياسي، وربط الشعائر بالطاعة لشخص «السيد/العَلم».

انه نص يوفّر نقطة استشهاد موثّقة انبثقت من داخل الفكر الفقهي المعاصر للزيدية وباتفاق فقهائها، لإغلاق باب التذرع بأن التطرف الحوثي انحراف عن الزيدية، فالوثيقة توسّع مفهوم الاصطفاء من فضيلة دينية مخصوصة بالنبوة حصرا، إلى شرعية حُكم سلالية مستمرة إلى أن تقوم الساعة”، وهي ما تعلنه الآلة الحوثية الإعلامية والخطابية، وتحاول تكريسه في مناطق الاحتلال الحوثي بكل الطرق من الترغيب الى الترهيب، ومن التهديد الى القتل، ومن اللطف الى التكفير

كما تؤسس عبارة «يجيء في كل عصر من أهل البيت» لعقيدة ولاية متجددة داخل السلالة، لا لقيادة مدنية مستمدة من الأمة وشرعيتها، في حين تحيل عبارة «منهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت» تُحيل إلى مرجعية داخلية مغلَقة تُقصي الأمة من أصل التفويض وتُحوّلها إلى مُتلق مفترض عليه فقط واجب الطاعة.
الوثيقة وإن لم تجهر بشرط «البطنين» صراحة، إلا أن البنية والدلالات تتموضع بوضوح صارخ مع الأصل الزيدي الهادوي الذي يحصر الإمامة في العترة، ويمنحها امتيازا فوق العامة.

تفكيك دلالي وفقهي مختصر
إن سرد الوثيقة للآيات (مثل: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا…﴾) استخدام في غيره موضعه، فالقرآن يتحدث عن اصطفاء نبوي/رسالي لا عن تفويض لحُكم سلالي دائم، والخلط بين المقامين ينقل فضيلة النبوية الحصرية إلى سلطة إلزامية تعلو على العقد والشورى.
كما أن تحويل خرافة «وراثة الكتاب» إلى وراثة السلطة يجرّد الأمة من حقّها في الاختيار والمحاسبة، ويستولد دولة ثيوقراطية قائمة على الحق المقدّس لا على المشروعية الشعبية.
والنص يجعل الإثبات والتعيين مسألة عائلية مرجعية، بينما يؤكّد المبدأ الإسلامي ومن بعده الجمهوري/المدني أن الشعب مصدر السلطات، وأن معيار التفويض هو الكفاءة، والعقد، والمساءلة وليس النسب.
حين تُؤسَّس القيادة على اصطفاء متكبر ومتعالٍ، يسهل تحويل الطاعة الى دين والى شرط قاطع للتدين، فالولاية التي تقررها النظرية الزيدية ويعتمدها المشروع الحوثي الزيدي الحالي، تعتبر عندهم شرط قبول العبادات، وهو ما نراه اليوم في خطاب حوثي عام في المنابر والمحاضرات والدروس والمراكز، يربط القبول الديني بالولاء السياسي لشخص جاهل يسمونه «العَلم».

الآثار العملية لهذه الوثيقة
الصياغة الكلية للوثيقة الزيدية المسماة الوثيقة الثقافية والفكرية والصادرة من مراجع الزيدية في العام 2012، يلزم منها تثبيت التراتب السلالي في القيادية والتعليم والمنابر والإدارة، وتحويل المجتمع إلى طبقات ولائية، ومن ناحية أخرى فهي تؤكد تجريم التعدّد السياسي باعتباره خروجا على “الولاية”، وإعادة إنتاج ثنائية الحقٌّ الإلهي مقابل التمرد الكافر.
إنها صياغة تؤصل المبدأ الزيدي في شرعنة الاستحلال والجباية بمنطق “دار الحرب/الخراج” كما فعلت دويلات الإمامة تاريخيا، والتي عاشت في دوّامة حرب دائمة، لأن شرعية السلطة في الفكر الزيدي لا تقوم على التعاقد، فكل هدوء وسلم وهدنة_ تعتبر تهديدا، وكل معارضة تُؤوّل كفرا بالولاية، وبالتالي خروج عن الإسلام باتفاق كهنة الزيدية.

في رأيي أن أفضل ما فعلته الوثيقة الحوثية عام 2012 أنها أغلقت باب التأويل «المتسامح» الذي كان يلوّح به البعض لتبرئة النص الزيدي القديم، بل انها تظهر الزيدية كما هي بلا رتوش او تجميل، وتوثق أن فكرها هو الخيط الرابط بين أئمة الزيدية وكهنتها منذ الرسي طباطبا مرورا بكل أئمة الإفك.

إنها لا تكتفي بتثبيت الافضلية لخرافة آل البيت، بل تجعلها قناة التعيين الوحيدة "إلى قيام الساعة"، وتحدّد "منهجية إثباته وتعيينه" داخل العائلة نفسها، وبذلك تنتقل من فضاء الفكرة إلى خطة عمل وسلوك ومنهج، وبهذا يصبح مفهوما لماذا يتقدّم الخُمس على الخبز، ولماذا تُحرّك المنابر على إيقاع «الولاية»، ولماذا يُعاد تعريف المخالف بوصفه «عدوا دينيا» لا مجرد خصم سياسي.