آخر تحديث :الأحد-09 نوفمبر 2025-01:22ص

الفن والأدب


الأدب والفكر العربي ينطلق من مصر… حوار رئيسة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين

الأدب والفكر العربي ينطلق من مصر… حوار رئيسة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين
رئيس المجلس الإماراتي

الأحد - 09 نوفمبر 2025 - 01:04 ص بتوقيت عدن

- المرصد خاص

في وقتٍ يزداد فيه العالم اتساعًا، وتزداد فيه طفولة الإنسان هشاشة أمام ضجيج التكنولوجيا، يبرز أدب الطفل العربي كجسرٍ مضيءٍ يصل الأجيال بجذورها الثقافية، ويمنحها مساحةً للحلم والتأمل.

لهذا انطلقت الجائزة الدولية لأدب الطفل العربي، بوصفها مبادرةً عربية تهدف إلى اكتشاف طاقات الكتّاب والرسّامين والناشرين، وإبراز الإبداع الذي يصوغ وعي الطفل العربي المعاصر.

وتقف خلف هذا المشروع الثقافي الإنساني مروة العقروبي، رئيسة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، التي آمنت بأن الكلمة الأولى التي يقرأها الطفل يمكن أن تكون بذرةً تنبت منها شجرة الوعي والمعرفة.

في هذا الحوار لـ"القاهرة الإخبارية"، تتحدث العقروبي عن الحضور المصري اللافت في الدورة الحالية، وعن تطور المشهد العربي في أدب الطفل، وأثر التكنولوجيا في صياغة تجربة القراءة، ودور الجائزة في تكوين جيلٍ عربيٍّ محترفٍ في صناعة كتب الأطفال.

ـــ بداية.. كيف تفسرين هذا الحضور المصري القوي في الجائزة بعد وصول سبعة إصدارات مصرية إلى القائمة القصيرة؟
حين نتحدث عن مصر الثقافية، فإننا لا نتحدث عن دولة فحسب، بل عن تاريخٍ متصلٍ من الإبداع العربي الذي أسس مفاهيم الأدب والفكر في المنطقة. من أرضها خرج نجيب محفوظ، أول عربي نال "نوبل" في الآداب، وتبعه أجيال من الكتّاب والمفكرين والرسّامين الذين أغنوا المشهد العربي.

لذلك فإن هذا الحضور المصري ليس مفاجئًا، بل استمرارٌ طبيعيٌّ لدور مصر الريادي. الأعمال المصرية التي وصلت إلى القائمة القصيرة تميّزت بتنوّعها الفني وعمقها الإنساني، وقدّمت رؤى معاصرة تعالج قضايا قريبة من وجدان الطفل العربي. إنها أعمالٌ تحمل دفء الحكاية المصرية وصدقها الإنساني.

ـــ الجائزة استقبلت هذا العام 407 مشاركات من 22 دولة.. ما الذي يكشفه هذا العدد عن واقع أدب الطفل العربي اليوم؟
العدد الكبير للمشاركات يعكس حيوية المشهد الثقافي العربي، ويؤكد أن أدب الطفل أصبح مساحةً تنافسيةً حقيقيةً للإبداع. فحين نستقبل أكثر من 400 عمل من 22 دولة، فهذا يعني أن الكتّاب والرسّامين والناشرين باتوا يدركون أهمية هذا المجال وضرورة تطويره.

كما أن هذا الإقبال يبرهن على المكانة التي وصلت إليها الجائزة خلال سبعة عشر عامًا، إذ أصبحت منصةً عربيةً مرموقةً تحفّز المبدعين على التجديد، وتُرسّخ ثقافة الاعتراف بالإبداع في أدب الطفل على مستوى العالم العربي.

ـــ تنقسم الجائزة إلى خمس فئات تغطي مراحل الطفولة المبكرة واليافعين والكتب غير الخيالية.. كيف ينعكس هذا التنوع على تطوير المحتوى العربي الموجَّه للطفل؟
هذا التنوع ليس تفصيلًا تنظيميًّا، بل هو تعبيرٌ عن وعيٍ عميقٍ بطبيعة الإبداع الموجّه للطفل؛ فكل مرحلةٍ عمرية لها لغتها وجمالياتها واحتياجاتها الخاصة.

حين نقسم الجائزة إلى فئاتٍ محددة، فإننا نمنح كل نوعٍ من الكتابة فرصةً للتألق، ونقيّم الأعمال وفق معايير تراعي خصائص الطفل في كل مرحلة. هذا ما يجعل أدب الطفل العربي اليوم أكثر ثراءً وتنوّعًا، إذ يجمع بين التربوي والخيالي والواقعي، ويشجع المبدعين على التجريب والابتكار في اللغة والفكرة والرسوم.

ـــ هل ما زال أدب الطفل العربي بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الانفتاح على الثقافات الأخرى؟
نحن لا نعتبر أننا بلغنا الغاية، فالإبداع لا يعرف محطةً نهائية، وكل إنجازٍ هو خطوةٌ جديدة في مسيرةٍ طويلة.

الجائزة نجحت في فتح نوافذ عربية على العالم، ليس فقط من خلال الموضوعات التي تعالج قضايا إنسانية مشتركة، بل أيضًا عبر توسع المشاركات لتشمل دولًا من خارج العالم العربي مثل فنلندا وسويسرا وماليزيا وتشاد. هذا التعدد يبرهن على أن أدب الطفل العربي بدأ يخرج من دائرته المحلية نحو حوارٍ إنسانيٍّ أوسع، لكن الطموح ما زال كبيرًا حتى يصبح لهذا الأدب حضورٌ فاعلٌ في المشهد الدولي.

ـــ كيف أسهمت الجائزة في بناء جيلٍ من الكتّاب والرسّامين العرب المتخصصين في أدب الطفل؟

منذ انطلاقها قبل سبعة عشر عامًا، أسهمت الجائزة في تأسيس بيئةٍ مهنيةٍ حقيقيةٍ لأدب الطفل العربي. الأعمال الفائزة أصبحت بمثابة مرجعٍ فنيٍّ ومعرفيٍّ يدرسه المبدعون الجدد ليستلهموا منه توازن الجمال الفني والقيمة الفكرية. كما شجعت الجائزة دور النشر على الاستثمار في هذا المجال بعدما أثبت أنه قادر على تحقيق حضورٍ عربيٍّ ودوليٍّ معتبر.

أضف إلى ذلك إطلاق برنامج "ورشة"، الذي يهدف إلى تدريب وتأهيل جيلٍ جديدٍ من الكتّاب والرسّامين العرب، وهو ما جعل تأثير الجائزة يتجاوز حدود التكريم إلى صناعة كوادر محترفة ومؤمنة برسالتها الثقافية.

ـــ هذا العام تم الإعلان عن القائمة القصيرة من مكتبة الإسكندرية.. ما رمزية هذا الاختيار؟
اختيار مكتبة الإسكندرية رسالةٌ رمزيةٌ عميقة. فهذه المكتبة تمثل أحد أهم رموز المعرفة في العالم، والإعلان من داخلها يربط بين تاريخ المعرفة الإنسانية والمستقبل العربي في أدب الطفل. إنها لحظة تؤكد أن الكتاب العربي أصبح جزءًا من المشهد العالمي للثقافة، وأن الجائزة لا تحتفي فقط بالإبداع، بل تُكرّس فكرة أن المعرفة تبدأ من الطفل.

ـــ في ظل التحول الرقمي السريع.. كيف ترين مستقبل كتاب الطفل؟ هل التكنولوجيا تهدد القراءة الورقية؟
لا أرى التكنولوجيا خصمًا للكتاب الورقي، بل أعتبرها شريكًا في تحقيق الهدف الأسمى، وهو الوصول إلى المعرفة. فالطفل اليوم يمكن أن يتأثر بقصةٍ مكتوبة، أو بمشهدٍ بصري، أو بتطبيقٍ تفاعليٍّ يقدّم له المعلومة بطريقةٍ قريبةٍ من اهتماماته.

التكنولوجيا منحت كتاب الطفل حياةً جديدة، إذ أضافت بعدًا تفاعليًّا يجعل الطفل جزءًا من التجربة القرائية، لكن يبقى التحدي الحقيقي هو الحفاظ على جوهر القصة؛ أن تظل لغتها إنسانية، وفكرتها صادقة، ورسالتها تربوية، مهما تغيّر الوسيط أو الشكل.

ـــ ما الرسالة التي تودين توجيهها للكتّاب والناشرين العرب المشاركين في الجائزة، خاصة الجيل الجديد؟
رسالتي لهم أن يعيشوا عالم الأطفال قبل أن يكتبوا له، أن يستمعوا إلى قصصهم الصغيرة، ويتأملوا في طريقتهم في التفكير والتخيّل.

فالكتابة للطفل ليست نقل تجربة الكبار إلى الصغار، بل الدخول إلى عوالمهم الخاصة بصدقٍ ووعي. قد تكون فكرةٌ عابرة أو موقفٌ بسيط شرارةً لقصةٍ تبقى في ذاكرة أجيال، لذلك على المبدع أن يكتب بعين الطفل وقلبه معًا، لأن الأدب الذي لا يلامس العاطفة لا يترك أثرًا في الذاكرة.