آخر تحديث :الأحد-09 نوفمبر 2025-11:31م

الفن والأدب


الأفلام المصرية ترصد سجل الاحتلال الإسرائيلي: وثائق فنية لصراع طويل

الأفلام المصرية ترصد سجل الاحتلال الإسرائيلي: وثائق فنية لصراع طويل

الأحد - 09 نوفمبر 2025 - 11:26 م بتوقيت عدن

- المرصد خاص

من بين ما سجلته السينما المصرية من جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الإنسانية، مصرع نحو خمسين طفلاً وإصابة العشرات في القصف العدواني الهمجي على مدرسة بحر البقر الابتدائية إبان نكسة يونيو/حزيران 67.
لقد مثلت الجريمة الشنعاء ضد الأبرياء الصغار سابقة كانت هي الأشرس على الإطلاق حينئذ، حيث لم يكن لدى الأطفال حين هبطت عليهم القنابل سوى كتبهم وأقلامهم وأحلامهم وبراءتهم، فلم يكونوا طرفاً في المعركة، ولم يقترفوا ذنباً يستحق العقاب بالإبادة الجماعية على نحو ما جرى.
في تلك الفترة اتجهت السينما المصرية إلى توثيق الجريمة البشعة، بالصوت والصورة، عبر أفلام روائية طويلة كان أبرزها فيلم �العُمر لحظة� بطولة ماجدة وأحمد مظهر وأحمد زكي ومحمد خيري، وبالطبع جاء مشهد استشهاد الأطفال داخل المدرسة الابتدائية بعد ضربها بطائرات الفانتوم تراجيدياً مؤلماً للغاية، ما دعا إلى بناء القصة السينمائية برُمتها على تفاصيل ومُعطيات العدوان الآثم البغيض.


ورغم الفضيحة الدولية آنذاك لم تكتف إسرائيل بما أزهقته من أرواح بريئة، إذ قامت بضرب مصنع أبو زعبل فقتلت عشرات العُمال وأصابت العديد من الأيدي العاملة وأصحاب الخبرات الصناعية النادرة في تعمد واضح لاستفزاز القيادة السياسية وإحراجها أمام الشعب. لكن الظن بضعف القوة العسكرية المصرية بعد النكسة كان ظناً خائباً، فسرعان ما بدأت عمليات الاستنزاف، التي طال أمدها لأكثر من عامين، تكبد خلالها الكيان الصهيوني خسائر فادحة، كان أبرزها تدمير السفينتين الحربيتين، بيت شيفع وبيت يم، في عملية حربية قامت بها القوات البحرية المصرية على أكمل وجه، وهو ما سجلته صوتاً وصورة المخرجة إنعام محمد علي في فيلمها الشهير �الطريق إلى إيلات� الذي قام ببطولته عزت العلايلي ونبيل الحلفاوي ومادين طبر، وأعتُبر توثيقاً مهماً لحرب الاستنزاف بتكتيكها الخاص وتخطيطها المُحكم. وعلى المنوال نفسه، قدمت الدراما أيضاً نماذج من بطولات أخرى شهدها ميدان المعركة في الفترة ما بين 67 و73 كان أهمها ملحمة كبريت، التي تم تصويرها كحالة قتالية نادرة أثبتت جدارة القوات المسلحة المصرية الباسلة في الردع والتصدي، وتحقيق النصر في أحلك الظروف، بالإضافة إلى حرب المعلومات الباردة، ودور أجهزة التخابر المعنية في توفير ما يلزم من بيانات ومعلومات نموذجية للتأهب والاستعداد.


وقد تم توثيق هذه الملحمة في سهرة تلفزيونية قام ببطولتها كرم مطاوع وسامي العدل، وعلى كثرة المعارك الجانبية وما بُذل خلالها من تضحيات لم يتسن للسينما أو الدراما تقديم كل ما يجب أن يُقدم لاعتبارات إنتاجية بحته في المقام الأول، غير أن هناك دواعي أخرى سياسية وعسكرية ما زالت تفرض حظراً على بعض الملفات، رغم مرور سنوات طويلة على الأحداث. وعلى صعيد آخر تناولت السينما التسجيلية في سياقات مُختلفة صور العدوان الصهيوني الهمجي على الأطفال والنساء والشيوخ، بتوثيق مذبحة صابرا وشاتيلا في لبنان عام 1982. وأشارت كذلك من خلال فيلم �الملائكة لا تموت� إلى مذبحة ملجأ العامرية التي وقعت في عام 1991 في العاصمة العراقية بغداد، إثر استهداف طائرتين أمريكيتين ملجأ لحماية المدنيين، في امتداد مدروس ومُمنهج لجرائم العُنف والقتل والإبادة بأذرع خفية وعقول مُدبرة.
وكالعادة لم تُجدِ مع إسرائيل كلمات الشجب والإدانة والتنديد، لإحساسها بأنها القوة المدعومة من الولايات المُتحدة الأمريكية والمُرتفعة فوق مستوى المساءلة القانونية. هناك فيلم وثائقي آخر يُعد هو الأهم بين الأفلام التي اعتنت بتوثيق جرائم إسرائيل الوحشية، هذا الفيلم بعنوان �هُم في الذاكرة سيناريو وإخراج المخرج الفلسطيني سعود مهنا، وفيه اعتمدت الأحداث وفق الرؤية العامة على إثبات وقائع وملابسات قتل الأسرى المصريين في حرب 48 وتصفيتهم داخل فناء مدرسة الوكالة في الأراضي المُحتلة الفلسطينية والقيام بحرقهم بعد دهسهم بالدبابات!
يُقدم المخرج شهادات موثقة لعدد كبير من الشيوخ والنساء العجائز، الذين عاشوا تفاصيل الحرب وشهدوا بأعينهم ما حدث، وأدلوا بأقوالهم بكل صراحة ووضوح. كما أن هناك واقعة مُماثلة لا تقل بشاعة عن سابقتها، وهي التي جرت أحداثها فوق التبة 86، حسبما تم عرضه في الفيلم، إذ كرر العدو الإسرائيلي سيناريو القتل والإبادة بحق الجنود والضُباط المصريين الذين استُشهدوا دفعة واحدة وهم في قبضة الأسر وتحت الحصار. وإزاء هذه التضحيات الكُبرى قام الشعب الفلسطيني بتخليد ذكرى الأبطال المصريين بإطلاق أسمائهم على بعض الشوارع والميادين، كشارع البطل أحمد عبد العزيز وشارع الشهيد مصطفى حافظ، وهو ما وثقته السينما الفلسطينية، وحرصت على حفظه في ذاكرة البطولات الوطنية، غير أن إسرائيل حاولت وما زالت تبذل قُصارى جهدها لمحو هذه الذاكرة وطمس معالمها وبياناتها، كي تُخفي الحقيقة، فلا يتبقى غير أكاذيبها وما تُصدره أبواقها الدعائية المُضللة من خُرافات وأساطير.