آخر تحديث :الأربعاء-19 نوفمبر 2025-05:53م

المرصد خاص


اللواء المحوري.. أسطورة الأمن وسيف لحظاته الحرجة

اللواء المحوري.. أسطورة الأمن وسيف لحظاته الحرجة

الأربعاء - 19 نوفمبر 2025 - 05:48 م بتوقيت عدن

- عدن((المرصد))خاص:



المرصد خاص:

من سلالة مجبولة على الفداء، سلالة دفعت أغلى ما لديها لتبقى هذه الأرض بكراً غير مدنسة، ولترسم في نفوس أبنائها مبكراً معنى الانتماء العميق والوقوف في صفّ الحق ولو كان المدى مظلماً والريح معاكسة.
من هذا الرحم الثائر خرج اللواء علي أحمد حيدرة المحوري حاملاً معه هذا الإرث الذي صاغ صلابته الأولى بشخصية تتجاوز حدود التكوين العادي، وقد ظل هذا الإرث الثقيل يرافقه كظلّ لا يفارقه، يذكره دائماً بأن من أتوا قبله حمّلوه واجب المواصلة، وواجب ألا يخون ذاكرة أولئك الذين غابوا ليبقى هذا الوطن الكبير حاضراً.

في حضرموت -بتعقيدها الجغرافي والسياسي والاجتماعي- كان اللواء علي أحمد المحوري رئيساً لجهاز الأمن القومي في حضرموت، وحضرموت ساحة لم يكن من السهل الإمساك بخيوطها، لكن اللواء المحوري دخلها بروح السياسي البطل الذي يعرف أنه سيتعامل مع عدو يتسلل كالدخان ويتمدد في الظلال كوحش يفتك حيث يعتقد الناس أن الأمان قائم.
وفي تلك الفترة العاصفة التي حدثت في حضرموت عام 2015، حاولت الجماعات المتطرفة أن تنصب خيمتها السوداء على المكلا وتحول شوارعها إلى ممرات خوف، لكن المحوري وقف كالسد الأخير الذي يحول بين المدينة وبين مصير دامٍ لها، وحين أخذت الأصوات ترتج والأنفاس تختنق تحت وطأة التمدّد المتطرف، كان آخر من غادر المكلا بعد أن خاض قتالاً عنيفاً ومواجهة لا يجيدها إلا من تشبع بثقافة الفداء، وأدارها بعقلية رجل يعرف أن التخلي عن شبر دون ضرورة هو خيانة لما تبقى من نور.
غادر المحوري المكلا بعد أن جاءته أوامر رئاسية عليا بالانسحاب، تاركاً خلفه قصة يسردها الجنود باعتزاز، ويعتبرها أبناء حضرموت إلى اليوم واحدة من أكثر الصفحات رسوخاً في سجل الصمود.

اليوم يمارس اللواء المحوري مهامه كوكيل لجهاز الأمن القومي، وإن حضوره في هذا المنصب رافعة متينة تبنى عليها القرارات، وهيبة متفردة يعرف الجميع أنها تستند إلى تاريخ شخصي بطولي لا يمكن تجاهله، وقد استطاع في موقعه الراهن أن يثبت أن رجل الأمن الحقيقي هو من يرفع منسوب الأمان حوله دون أن يشعر الناس بكيفية حدوث ذلك.
ويشتهر اللواء المحوري بصرامته الفريدة؛ صرامة حزم ينطلق من معرفة عميقة بأن الخطأ في الأمن لا يغتفر ولو كان صغيراً، أما عن كفاءته فقد أثبتت التجارب أن للرجل قدرة نادرة على قراءة المشهد الأمني بعيون متعددة، وعلى التعامل مع التهديدات بلغة العقل قبل لغة القوة، وإن كان يجيد الأخيرة تماماً لكن إن اضطر إليها.

وطوال مسيرته الأمنية الكبيرة ظل اللواء المحوري بعيداً عن الصراعات الجنوبية الجنوبية، تلك التي لطالما استنزفت طاقات الجنوب وأخرت مشاريعه الكبرى، فلم ينجرّ إلى أي اصطفاف، ولم يسمح لخطواته بأن تتحول إلى حطب يلقى في نيران الخلافات الداخلية، وبهذا الموقف الحكيم استطاع أن يضع نفسه في منطقة احترام وأن يبقى صوتاً للثبات والتوازن.

في حضرة اللواء علي أحمد المحوري يدرك العارفون بشؤون الأمن أن وجوده في هذا السلك ركن حصين وقيمة يصعب تعويضها مهما تجمعت البدائل، فهو من أولئك الرجال الذين إذا انسحبوا من مواقعهم انكشفت الفجوات التي كانوا يسدونها وبرزت الفراغات التي كانوا يملؤونها من غير أن يلوحوا بفضل، ولذا فإن من يظن أن تغييره أمر هين، سيكتشف متأخراً أنه قد فرط في واحد من أثمن الرجال الذين قدموا للوطن خدمة خالصة بصرامة صانت الأمن يوم لم يصنه أحد.


وإن مسيرته الممتدة من جذور مشبعة بالفداء مروراً بمحطات مفصلية في حضرموت ووصولاً إلى أرفع المواقع الأمنية تقدم نموذجاً للثبات والهيبة، وهو اليوم كما كان بالأمس، ركيزة يعول عليها، واسم يقف في مقدمة الرجال الذين حافظوا على اتزان هذا الوطن الكبير وأبقى على جذوة الأمن مشتعلة حين حاولت الرياح أن تطفئها.
وبقدر ما قدم للوطن من ثبات وحنكة، سيظل حضوره النوعي من تلك الحضوريات التي تزيد الأماكن رسوخاً وتمنح الوطن ما يحتاجه دائماً.. رجلاً يقف حين يتراجع الآخرون.