آخر تحديث :الخميس-27 نوفمبر 2025-03:37ص

منوعات


رؤية رشا المبارك.. دعم الفنانات وتمكين المرأة على رأس أولوياتها

رؤية رشا المبارك.. دعم الفنانات وتمكين المرأة على رأس أولوياتها
رشا المبارك

الخميس - 27 نوفمبر 2025 - 03:37 ص بتوقيت عدن

- المرصد خاص

في قلب المشهد الثقافي والإبداعي في الإمارات، تقف رشا المبارك، رئيسة “ميوزيك نيشن” ورئيسة “DGMC” مدينة الموسيقى، كقوة دافعة نحو تمكين الفنانين والمبدعين. تعتبر رشا قصتها واحدة من التلاقيات المثيرة بين العمل الإنساني، والقانون، والفن، حيث تجسّد نمطاً رائداً في دعم حقوق الفنانات وتعزيز مشاركة المرأة في القطاع الثقافي. في هذا الحوار، تروي لنا رشا كيف أثّرت نشأتها في أسرة تلتزم بالقيم الإنسانية في مسيرتها المهنية، وكيف تمكنت من الموازنة بين دورها كأم ورائدة أعمال، وصولاً إلى حلمها في جعل الموسيقى والفن منصات أكثر عدلاً وشفافية للجيل القادم.

- كيف أثّرت نشأتكِ في أسرة متجذّرة بالعمل العام في مسيرتكِ الإنسانية؟

نشأتُ في أسرةٍ تؤمن بخدمة الناس والتفاني في سبيل إسعاد الإنسان، سبيلاً لبناء الأوطان، وتربيتُ على قيم العطاء والولاء والانتماء والخدمة المجتمعية بلا حدود. فقد كان جدّي قاضياً كبيراً يعمل على تيسير مصالح الناس، وقد ألهمني هذا الإرث لدراسة القانون. أما والدي، فقد حمل رسالة الإمارات إلى العالم بروح المسؤولية والانفتاح، وكان هو وعائلتنا بجميع أفرادها مكرّسين للعمل الاجتماعي والإنساني. كانت شخصيات الجدّ والجدّة والوالد والوالدة مدارس علّمتنا كيفية غرس الأمل في حياة الآخرين، والعمل على إرضائهم وتمكينهم ومساعدتهم بشتى الوسائل، وتربيتُ أنا وإخوتي على أن القيمة الحقيقية للإنسان تُقاس بما يتركه من أثر، ولهذا نجد اليوم أن كل واحد منا يسلك طريقاً يخدم المجتمع من خلاله بطريقته الخاصة؛ فمنّا مَن يعمل في مجال البيئة، وبيننا مَن يعمل في مجال الثقافة، وجميعنا نلتقي عند شغف واحد: أن نُساهم في خدمة وطننا وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. هذه النشأة جعلتني أرى أن دوري الإنساني ليس خياراً هامشياً، بل امتداداً طبيعياً لما تربّيت عليه، وهو ما يدفعني اليوم لقيادة مبادرات تدعم الفنانين، وتمكّن الشباب، وتخلق منصات تُثري المشهد الثقافي والإبداعي في الإمارات، مثل “ميوزيك نيشن” التي أعتبرها واحدة من أهم محطات حياتي المهنية والإنسانية.

- تجمعين بين العمل الإنساني والقانون والفن... كيف ساهم كل مجال في تشكيل رؤيتك لتمكين المرأة؟


علّمتنا الحياة أن ما ضاع حق وراءه مُطالب، وأنّنا بالنظام والوعي والقانون نحفظ الحقوق ونحميها بالتشريعات القوية النافذة التي لا مجال لعدم الالتزام بها. أما العمل الإنساني فقد فتح أمامي أبواباً إلى عوالم مختلفة من الصمود والأمل. من خلال عضويتي في مجلس إدارة الشبكة الدولية للعون والغوث والمساعدة (إنارة)، أُتيحت لي فرصة مساندة الأطفال المتأثرين بالكوارث الطبيعية والإنسانية، وهناك تعلّمت درساً عظيماً من أمهاتهم؛ فقد رأيت فيهنّ قوة لا تُقاس، وصبراً يلامس المعجزات، وأدركتُ أن تمكين المرأة يبدأ أحياناً من أصعب البيئات وأكثرها حرماناً.

أما الفن فقد كان مساحتي الحرّة للتأثير والإلهام. وبحكم عملي، التقيتُ بفنانات موهوبات، لكنهنّ يواجهن عقبات قاسية في بداية مسيرتهن المهنية، أبرزها حقوقهن الإبداعية وأهمية حفظ حقوق الملكية الفكرية، ما يجعل العمل الفني بالنسبة إليهن غير مربح أو مستدام. هؤلاء المبدعات كنَّ شرارة الإلهام لتأسيس “ميوزيك نيشن”، لنصنع منصة تحمي حقوق الفنانات، وتضمن أن يستفدن من أعمالهن فنياً ومالياً، وتمنحهنّ بيئة تدعم الابتكار والمشاركة الفاعلة.

- كيف توازنين بين أمومتك ومسؤولياتك كرائدة أعمال ناجحة؟


تعلّمنا أنّ الجنّة تحت أقدام الأمهات، وعلى حد قول نابليون بونابرت: “الأم التي تهزُّ السرير بيمينها، تهزّ العالم بيسارها”، وهذه إشارة واضحة إلى دور المرأة وتأثير تربيتها في صناعة القادة الذين يغيّرون مسيرة ومستقبل الإنسانية بأسرها. وأنا أعتبر الأمومة أعظم أدواري وأكثرها إلهاماً، فهي بالنسبة إليّ رسالة قبل أن تكون مسؤولية. هي مزيج من الحب غير المشروط، والقدرة على الاحتواء، والحافز الدائم لبذل الأفضل، بالقدوة الحسنة والتربية السليمة التي تقوم على محاسن الصفات ومكارم الأخلاق. وكما قال الكاتب جبران خليل جبران: “الأم هي كل شيء في هذه الحياة؛ هي التعزية في الحزن، الرجاء في اليأس، والقوة في الضعف”. فعلى الرغم من ضغوط العمل وكثرة الالتزامات والمسؤوليات اليومية، ومع ما تحمله الأمومة من تحديات، تبقى هي أولويتي القصوى، أعيشها بكل تفانٍ وإخلاص وشغف، فهي مصدر راحتي وسعادتي الحقيقية.

الأم، كما أراها، هي الركيزة الأولى في رحلة بناء الأجيال، ومن دورها وكلماتها وتوجيهاتها تتشكّل القيم التي تقود أبناءها نحو المستقبل. ورغم ما يتطلبه هذا الدور من صبر وتضحيات، إلا أنني أجد فيه طمأنينتي وسعادتي الحقيقية. فأطفالي وأطفال العائلة والأصدقاء من حولي هم مصدر إلهام مستمر، يعلّمونني من براءتهم وفضولهم وإبداعهم أكثر مما أعلّمهم. إنهم يذكّرونني دائماً بأن التعلّم لا يتوقف، وأن كل يوم يحمل فرصة جديدة لاكتشاف الذات والآخرين.

- بصفتك رئيسة مجلس ادارة شركة “ميوزيك نيشن”، كيف تساهمين في تعزيز حقوق الفنانين؟


حصلت “ميوزيك نيشن” أخيراً على رخصة للإدارة الجماعية للموسيقى من وزارة الاقتصاد، وهي محطة تاريخية بالنسبة إلينا ولصناعة الموسيقى في الدولة، خاصة أن هذه الرخصة تمنحنا إطاراً قانونياً وتنظيمياً يضمن استخدام الأعمال الموسيقية في الأماكن العامة أو عبر البثّ بشكل مرخّص، وحماية حقوق المؤلفين والموسيقيين والمنتجين.

كما نتعاون مع جهات دولية مثل BMI وSound Exchange لتطبيق أعلى المعايير العالمية في إدارة الحقوق، ونعمل على تمكين الفنانين من خلال تسجيل أعمالهم، وتتبّع استخدامها، وتحصيل مستحقاتهم المالية بشفافية، إلى جانب تقديم ورش عمل وبرامج توعية لضمان أن يكون المبدعون على وعي ودراية تامة بحقوقهم وكيفية استثمار أعمالهم بأمان. دورنا هو سدّ الفجوة التي كانت تضيع فيها الحقوق، وتحويل الموسيقى إلى أصل اقتصادي مستدام يخدم الجميع، ويساهم بالدخل الوطني من خلال الاقتصاد الإبداعي.

- ما التحديات التي تواجه الفنانين والمبدعين الصاعدين في الإمارات؟

لا تقصير على الإطلاق في الدور الحكومي، ولكن الأمر عائدٌ إلى سلوكيات الأفراد المبدعين أنفسهم، وعدم معرفتهم بجوانب أساسية حقوقية ذات صلة بمسيرتهم المهنية. ويكمن أبرز التحديات في ضعف الوعي بهذه الحقوق، وصعوبة الوصول إلى منصّات عرض وتوزيع تضمن عائدات عادلة. لكن بفضل التشريعات الحديثة مثل قانون حقوق المؤلف لعام 2021، والدعم الحكومي المتواصل، أصبحت البيئة مهيّأة لحماية المبدعين، ولعلّ رخصة الإدارة الجماعية التي حصلنا عليها مثال عملي على ذلك، فهي توفر آلية عادلة وموحّدة لتحصيل الحقوق وتوزيعها، وتفتح المجال أمام الفنانين الصاعدين للحصول على عوائد من استخدام أعمالهم في الفنادق والمطاعم والإعلانات وغيرها.

- كيف ترين تطور دور المرأة في المجتمع الإماراتي، خاصة في ظل أهداف “رؤية الإمارات 2031” التي تسعى لتعزيز مساهمة المرأة في بناء المستقبل؟


دور المرأة الإماراتية شهد نقلة نوعية ملهمة، بدءاً من مرحلة التأسيس ومروراً بالتمكين، وصولاً إلى “رؤية الإمارات 2031” و”خطّتها المئوية لعام 2071”، هذه الخطط الاستراتيجية التي تستشرف مستقبل الإبداع والحقوق التي جعلت من تمكين المرأة أولوية وطنية لتعزيز مساهمتها في بناء المستقبل. ولا ننسى وثيقة مبادئ الخمسين التي تشكّل المبادئ الأساسية للأعوام الخمسين المقبلة من عمر الإمارات، وفيها المبدأ الرابع الأهم والذي يؤكد أنّ المحرك الرئيس المستقبلي للنمو هو رأس المال البشري، من خلال تطوير التعليم، واستقطاب المواهب، والحفاظ على أصحاب التخصّصات، والبناء المستمر للمهارات، وفي هذا الأمر لا فارق في رأس المال البشري بين المرأة والرجل في مجتمع الإمارات.



- كأول امرأة تقود شركة تعمل في حقوق الجوار في الوطن العربي، كيف تصفين تجربتك؟ وهل تشعرين أن النساء أصبحن أكثر حضوراً في القطاعات الإبداعية؟

كانت تجربة مميزة عزّزت قناعتي بقدرة المرأة على المساهمة الفاعلة في القطاعات الحيوية، خاصة تلك التي يضعف فيها وجود القيادات النسائية. وقد ساعدني الإعداد الجيد، والعمل على تطوير الرؤية وبناء شراكات استراتيجية، في المضي قُدماً وتحقيق إنجازات بارزة، منها الحصول على الترخيص الرسمي لـ “ميوزيك نيشن”. اليوم، أرى النساء أكثر حضوراً في القطاعات الإبداعية، حيث يتولّين قيادة مشروعات كبرى ويحققن تأثيراً محلياً وإقليمياً، مما يثبت أن المرأة قادرة على تغيير قواعد اللعبة إذا توافرت لها الأدوات والدعم المناسب.

- إلى جانب الفن، أنتِ عضو في مجلس إدارة منظمة “إنارة”، ما الذي يدفعك للاستمرار في العمل الإنساني؟

الدافع الأساس للاستمرار هو كوني إماراتية أمثّل وطني الإمارات في كل المجالات، في الداخل وفي الخارج، أقتدي بالإرث الإنساني الخالد لرجل العطاء حكيم العرب المغفور له الشيخ زايد، وبالدور الإنساني الكبير لرجل الإنسانية، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وإخوانهم الحكّام، حفظهم الله، إلى جانب إيماني العميق بأن العمل الإنساني هو واجب أخلاقي قبل أن يكون خياراً. من خلال مجلس إدارة منظمة “إنارة”، أرى كيف يمكن مبادرة صغيرة أن تغيّر حياة شاب أو طفلة قد تضرّرت بسبب النزاعات أو اللجوء. هذه اللحظات من الأمل والقدرة على إحداث فارق حقيقي تمنحني دافعاً لا يتوقف، خاصة أن قضايا مثل حماية الأطفال ودعم الشباب المهجّرين تحتاج الى التزام طويل المدى، وليس مجرد تفاعل لحظي. بالنسبة إليّ، الفن والعمل الإنساني يكمّلان بعضهما، فكلاهما وسيلة للتعبير عن إنسانيتنا ومساندة مَن يحتاجون الى الصوت والفرصة.

- ما النصيحة التي تقدّمينها الى كل فتاة إماراتية؟


نصيحتي لكل فتاة إماراتية أن تواصل رحلة نجاحها بثقة، وتحرص على توسيع آفاقها والمساهمة بعطاء لا محدود في جعل العالم أجمل، ورسم مستقبله الأكثر إشراقاً، مع الحفاظ على إرثها وقيمها التي تشكّل هويتها وثقافتها وجوهر تميزها. فالتوازن بين الأصالة والحداثة هو ما يصنع استدامة التأثير والإنجاز.