آخر تحديث :الجمعة-12 ديسمبر 2025-01:11م

منوعات


الأدب والاختلاف… أنسنة الآخر في نصوص الاشتباك الأدبي

الأدب والاختلاف… أنسنة الآخر في نصوص الاشتباك الأدبي

الجمعة - 12 ديسمبر 2025 - 02:03 ص بتوقيت عدن

- المرصد خاص

في الخوض بأبعاد مفهوم أدب الاشتباك، ثمة بعد مهم عندما يجري التطرق إليه في السياق العام للأدب ضد الكولونيالي، غالباً ما يلتبس الأمر على المتلقي والمتلقية، ويأخذ بعد الأنسنة منحى غامضا يكاد يرتبط بتطبيع العلاقة مع هذا الآخر.
غير أن عملية أنسنة الآخر تعني بالأساس رفض التطبيع معه، والخوض في ترجمة هذا الرفض، عبر البدء بإدراك أن هذا الآخر الخارق والغامض والقادر على كل شيء هو إنسان في النهاية، يمتلك أنماط تفكير معينة، ووعيا شاملا بلوره، منطلقاً من دوافع معينة، ومستويات الآخر الذي يجري التطرق إليه في أدب الاشتباك، هو الآخر المستعمِر والقاهر والمضطهِد، والذي غالباً ما يجري التطرق إليه في السياق الاستعماري في مستوياته المتعددة على أنه خارق للعادة، ويمتلك قدرات متفوقة يعجز المستعمَر عن امتلاكها والأهم إدراكها.
وبهذا يغدو الآخر المستعمِر كائنا ما فوق طبيعي ومفارق، ليس لأن المستعمَر والمقهور هو من يفكر بذلك فحسب، بل إن الكينونة الكولونيالية الخاصة بالكائن الكولونيالي المسيطر، تؤكد ضرورة تفوقها لدرجة أنها تغذي هذا التفوق بممارسات ذهنية تكاد تكون مفارقة وميتافيزيقية، وذات إطار أسطوري الهدف منه الإعجاز المركزي الغربي بصيغته الاستعمارية الذي يكفل تحقيق وإنجاز مهمة مزدوجة، مهمة إيمان المستعمِر بأنه بات كائنا خارقا للطبيعة، وليس كبقية البشر، ومهمة موضعة المستعمَر والمضطهَد في سياق إجباره على تذويت الكائن الكولونيالي المتعالي والخارق، وإثر هذا التذويت تشرع صورة الآخر المستعمِر بالتكون بتجليات متعددة داخل الشعور واللاشعور الجمعي والفردي للمستعمَرين والمضطهَدين، وهذا ما يكفل إنجاز مهمة أخرى من مهمات المستعمِر، ألا وهي تسهيل عملية الإدراك لدى المقهور والمستعمَر، والمقصود بالإدراك في هذا الجانب، أن يشرع المستعمَر بتكوين تصورات ومقولات تعزز من العلو الاستعماري، وتسهم أيضاً في تبلور الصور النمطية والأحكام المسبقة عن الآخر.

إن تكوين الأحكام المسبقة يعطي شعوراً بالإرتياح وعدم الحاجة للخوض في أعماق وأبعاد الوعي الخاص بالآخر، ويؤدي أيضاً إلى الجهل والسطحية والأخطر العنصرية، ومن هنا يتوجب تحطيم هذه الصور النمطية، وإنزال الآخر المستعمِر من مكانته الأسطورية واللإنسانية. إذ كيف يمكن لبشر أن يهزم تنيناً يقذف اللهب من فمه، أو ديناصوراً من فصيلة «تي ركس» على سبيل المثال سوى في الأفلام الهوليوودية بالطبع؟ وعليه كيف يمكن لمستعمَر أن يهزم مستعمِره، ويحطم كينونته الكولونيالية وهو يفكر به على أنه خارق للعادة الإنسانية؟ وعندما نضع عملية أنسنة الآخر داخل السياق الاستعماري الصهيوني، سنجد أن ثمة تصورات هائلة محشوة بمقولات وأمثال وممارسات وصور نمطية وأحكام مسبقة قام الفلسطيني المستعمَر بتذويتها لديه في مواجهته للآخر الصهيوني، ما أدى الى إنغلاق
وعي الفلسطيني على هذه التصورات، ما ساهم بدوره بعدم إدراك الحاجة إلى إجراء حسابات ومعادلات عقلية وإدراكية، تكفل اختراق الوعي الصهيوني، هذه الحاجة التي يدفعها إلى الظهور التساؤل التالي:
ما هي محددات السياق الذي أحال اليهودي، الذي كان ذات محرقة نازية، الضحية الكبرى لتلك العقلانية الغربية الباردة والمخيفة، أحاله إلى كائن استعماري إقصائي وعنصري خارق للإنسانية وقلوب المعذبين والمضطهَدين؟ ما هي الأسس التي شرّعت لطيار المقاتلة الحربية الصهيونية بأن يكون أباً حنونا مع أطفاله في الصباح، يشاركهم إفطارهم قبل مضيهم إلى مدارسهم، وفي المساء يستحيل آلة قتل وإبادة جماعية لأطفال غزة؟
هنا بالتحديد تبدأ عملية أنسنة الآخر الصهيوني، عندما يدرك الفلسطيني أن ثمة حياة يعيشها هذا الآخر مليئة بتفاصيل إنسانية تنزع عنه صفة الخارق المتعالي، وتسمح للفلسطيني أيضاً بنزع إدراكاته المسبقة والمغلقة عن مستعمِره وقاتله، وبهذا لا يعود الصهيوني تنيناً، بل إنسانا يمكن هزمه في الوعي أولاً. وإذا ما قام الفلسطيني بعملية أنسنة آخره فإن هذا ما سيكفل له أيضاً البدء بإعادة بناء وخلق سرديته وخطابه الأخلاقي، الذي يستطيع من خلاله إقامة السياق، لا بل الميدان الذي يمكن فيه تفكيك الكائن الاستعماري الخارق والإعجازي، وإحالته إلى مجرد إنسان يمكن هزمه، وهذا ما يكفله أدب الاشتباك حين يسلط الضوء ويشتبك بصورة نقدية واعية مع الوعي الصهيوني الإقصائي والفاشي، ليخرج الفلسطيني في النهاية إنسانا كامل الملامح ومنتصرا لقضيته وسرديته.
باسم خندقجي / القاهرة/ 9 ديسمبر/2025