آخر تحديث :الثلاثاء-23 ديسمبر 2025-05:38م

مقالات


هل فعلاً اصبح  انفصال  الجنوب  وشيكا؟

هل فعلاً اصبح  انفصال  الجنوب  وشيكا؟

الإثنين - 22 ديسمبر 2025 - 10:59 م بتوقيت عدن

- كتب/ د. الخضر عبدالله:

يُعدّ سؤال انفصال الجنوب اليمني من أكثر الأسئلة حضوراً في المشهد السياسي اليمني اليوم، ليس فقط لدى المتابعين أو المهتمين بالشأن العام، بل حتى لدى أبناء الجنوب أنفسهم، بمن فيهم أولئك الذين يؤمنون بعدالة القضية الجنوبية ويدافعون عنها منذ سنوات. فمع تعقّد الأوضاع وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، بات من المشروع التساؤل: هل أصبح الانفصال واقعاً؟ أم أنه لا يزال حلماً مؤجلاً تصطدم به تحديات الداخل والخارج؟

من الناحية الواقعية، يمكن القول إن الجنوب لم ينفصل رسمياً حتى الآن. فلا توجد دولة جنوبية معترف بها دولياً، ولا مؤسسات سيادية مكتملة الأركان، ولا قرار أممي يقرّ بهذا التحول. إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى وجود حالة من “الانفصال الفعلي غير المعلن”، حيث تدار مناطق واسعة من الجنوب بعيداً عن سلطة الحكومة المركزية، وتوجد قوى سياسية وعسكرية جنوبية تمتلك نفوذاً واضحاً، وتسعى لتمثيل الجنوب سياسياً وعسكرياً.

القضية الجنوبية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج عقود من التهميش والإقصاء وسوء إدارة الوحدة منذ عام 1990، وما تلا حرب 1994 من نتائج عمّقت الجراح وكرّست شعور الظلم لدى قطاع واسع من الجنوبيين. لذلك، فإن المطالبة باستعادة الدولة الجنوبية ليست مجرد رد فعل آني، بل تعبير عن تراكم تاريخي طويل من الإخفاقات السياسية.

لكن السؤال الأهم: هل الانفصال وشيك؟
الإجابة ليست بسيطة. فهناك عوامل تدفع باتجاه الانفصال، مثل ضعف الدولة اليمنية، واستمرار الحرب، وتباين الرؤى بين الشمال والجنوب، إضافة إلى وجود دعم إقليمي لبعض القوى الجنوبية. في المقابل، توجد عوائق كبيرة، أبرزها غياب التوافق الجنوبي الكامل، وتعقيدات المشهد الإقليمي، وارتباط الملف اليمني بتوازنات دولية لا تسمح بحلول أحادية سريعة.

ومن المهم هنا التأكيد على أن الإيمان بالقضية الجنوبية لا يعني تجاهل الواقع أو القفز فوق التحديات. فبناء دولة – سواء كانت جنوبية مستقلة أو في إطار اتحاد جديد – يتطلب مشروعاً وطنياً جامعاً، ومؤسسات قوية، ورؤية اقتصادية واضحة، قبل رفع الشعارات السياسية.

أما فيما يخص الإخوة في الشمال، فإن مصلحة الجميع تقتضي أن ينظر كل طرف إلى أولوياته بواقعية ومسؤولية. فبدلاً من الصراع الدائم، ربما يكون من الأجدى أن يعمل الشماليون على ترتيب أوضاعهم الداخلية، وبناء دولتهم على أسس عادلة، تماماً كما يطمح الجنوبيون إلى تقرير مصيرهم وبناء مستقبلهم.

في النهاية، قد لا يكون الانفصال قد حدث بعد، وقد لا يكون وشيكاً كما يعتقد البعض، لكنه بلا شك خيار مطروح بقوة على طاولة النقاش. ويبقى الحل الحقيقي مرهوناً بوعي القيادات، وإرادة الشعوب، والقدرة على تقديم مصلحة الإنسان اليمني – شمالاً وجنوباً – فوق كل اعتبار.