آخر تحديث :الأحد-20 يوليو 2025-12:06ص

البحر العربي واليمن الفارسي

الأحد - 20 يوليو 2025 - الساعة 12:06 ص

لحمر علي لسود
بقلم: لحمر علي لسود
- ارشيف الكاتب



من المثير للسخرية أن بعض من يُصنَّفون على أنهم "نخب يمنية" لا يزالون يروّجون لما يُسمّونه بـ"يَمننة الجنوب العربي"، متجاهلين كلّ ما كشفه التاريخ، وما أظهره الواقع من أن الجنوب العربي لم يكن يومًا جزءًا من "يمن سياسي" إلا عبر القسر والضم القهري، لا عبر الإرادة الشعبية أو وحدة الهوية.

اليوم، يتحدث هؤلاء عن "إعادة توحيد اليمن"، وكأن شيئًا لم يكن، وكأنّ صنعاء لم تصبح منذ سنوات عاصمةً عربية تدين بالولاء لطهران، وكأنّ الحوثيين لم يحوّلوا ما تبقى من "اليمن" إلى هامشٍ في مشروع "الهلال الشيعي". هذا هو "اليمن الفارسي"، لا كما نحب أن يكون، بل كما ارتضى له بعض ساسته أن يصير.

في المقابل، يثبت الجنوب العربي، منذ انطلاق عاصفة الحزم، أنه شريكٌ في معركة العرب الكبرى ضد التمدد الإيراني. أثبت حضوره كصمّام أمان للملاحة الدولية في البحر العربي وخليج عدن، من مضيق باب المندب إلى آخر نقطة في محافظة المهرة. وهو حضور لا يصنعه المال أو الخطاب الدعائي، بل تصنعه الإرادة الشعبية والتحالف العربي والدماء التي سالت دفاعًا عن المنطقة.

لسنا بصدد تقديم النصح لليمنيين، فقد اختاروا مصيرهم يوم رهنوا قرارهم الوطني لطهران، لكن ما نرفضه أن يمتد وهمهم إلى البحر العربي نفسه، فيحاولوا "يَمننته" كما يمننوا التاريخ. هذا البحر لم يكن يومًا "يمنيًا" إلا في الخرائط التي يكتبها الإعلام الموجه.

أما من يروج لفكرة أن "اليمن" هو كيان قديم له جذور ضاربة في التاريخ، فليعد إلى المراجع. فاسم "اليمن" ككيان سياسي لم يتبلور إلا في العقود الأخيرة، وكان قبلها مجرد توصيف جغرافي، يشير إلى الأرض الواقعة جنوب مكة، لا أكثر.

جنوب الجزيرة ظلّ عبر تاريخه المعروف كيانًا سياسيًا وثقافيًا مستقلاً، حكمته دول وسلطنات ومشيخات، وأدار شؤونه وفق هويته الخاصة. وإذا كان هناك من فقد توازنه اليوم، فهم من لا يزالون يعتقدون أن بإمكانهم فرض هوية "اليمننة" على الجنوب، رغم أن مشروعهم في الشمال قد انهار، وتركهم للجنوب لم يكن إلا استراحة محارب لا أكثر.

الجنوب العربي سيبقى وفيًّا لهويته، متمسكًا بقراره، غير آبه بمن يريد إعادة رسم الجغرافيا بالخطابات.