آخر تحديث :الخميس-11 ديسمبر 2025-02:17ص

مقالات

في ذكرى وفاته العاشرة.. عشت حياتي كما يريدني ابي فأفلحت .

الأحد - 26 أكتوبر 2025 - 11:14 م بتوقيت عدن

- بقلم أ - رياض عبدالجبار علي الحروي

هل يمكن ان يشيخ الحزن او يموت الشغف في القلب ؟
هل يمكن ان تخطئ البوصلة اتجاهاتها فيفقد المرء فرص الوصول الى الصواب ؟
هل يمكن لمن غرس في قلبه جذور المتاهات ان يصل الى نقطة النهاية قبل فوات الاوان ؟
الكتابة عن ذكرى وفاة الاب لاتحتاج الى نقطة في اول او اخر السطر وانما الى ضوء نهار والى طوق نجاة .
بكل حسابات الغياب لايمكن ابدا ان يتوارى الحنين مهما كان الحضور لافتاً ولايمكن تغطية تجاعيد الفُقد بمساحيق البهجة مهما كان نهار الحياة ساطعا .
الحزن في القلب لايعني الانكفاء على تاريخ من افتقدناهم او في اتباع اثرهم بل هو ايضا ثورة متجددة قائدها الضمير الحي ، وانا حين اتحدث عن ذكرى وفاة ابي كل عام انما امارس حقي في الدفاع عن ضمير لم تؤثر فيه سنوات الكد والتعب بل احييت التفاصيل بتنوعها ذكرى طيبة لمن كنت ارى فيه السند والمأوى .
اعرفُ جيدا بإني فشلت في اقناع نفسي بإن للحزن فترة صلاحية وان النسيان ملاذ آمن ، كيف لي ان انسى من لم يترك يدي يوم كانت العاصفة تقتلع اشجار الغابات ، كيف لي ان انسى الشخص الوحيد الذي قتل الوحش بداخلي واحال الاشجار المشوكة حولي الى ازهار ، لم يتركني فكيف لي ان اتركه وحيدا في ذكرى وفاته العاشرة .
اجدني كلما حل يوم 27 اكتوبر من كل عام اكثر شغفا لان اكتب عنه سطورا تليق بكونه تاريخ من الانسانية والرحمة والعطف والحنان ، لا اريد ان اكتب مقالا يليق بي وانما بكوني ابن بار - هكذا اجزم - يكتب عن رحيل شّكل في نفسي انكسارا في الروح لايُرمم .
عشت حياتي اسأل دائما هل هناك مرض لايُشفى وحين مات ابي تأكدت ان وجع رحيل الاب لايُشفى ابدا ، يظل الحزن عالق في كل نبضة قلب كما هو الحال معي طوال عشرة اعوام .
ليس هناك اغلى واثمن من عبارة يقولها الاب لإبنه - انا راضٍ عنك - حتى وان لم يقلها نطقاً فأنت -ان كنت باراً به- فأنك سوف تستشعر هذا الرضا في ابتسامته لك وفي حركاته وهمساته ، وتعيش هذا البر بمجرد ان تشاهد شاشة الهاتف ويكون المتصل والدك ينتابك احساس انه راضٍ وان ذهبت الى البنك او الى اي جهة وكتُب لك التوفيق في عقد صفقة تجارية فهذا معناه ان والدك راضٍ عنك ، طالما انك بلغت رضا الله ثم رضا والديك فأنت كمن امتلك الدنيا والاخرة معاً ، يشرح الله بها صدرك ولن تهتم بعدها لكل متغير او طارئ في حياتك ، رضا الله من رضا الوالدين .
ومن نعم الله على الانسان انه حين يُنعم الله عليه بإبناء صالحين وطائعين له يصبحون هم الفائدة والربح الحقيقي وفي الاصل ايضا هو انعكاس لطاعة والديك ، جني الثمار معناه انك اذا اردت ان يكون لك ابناء تتفاخر بهم فكن انت اولاً مصدر فخر لوالدك .
يسألني معظم اصدقائي عن السر وراء ماحققته في حياتي من انجازات على كافة الاصعدة لذا وبعد مرور عشرة اعوام على رحيل ابي سأبوح لهم بسرٍ كان ابي فيه الشكل والمضمون ، سر احتفظت به لنفسي لكن الوقت اصبح مناسبا لان ابوح به فقد كبروا اولادي واظنهم بحاجة لمعرفة حقيقة ما انا فيه من نعيم ، عندما قررت ان اخطو الخطوة الاولى في طريق حياتي العملية لم يكن الغرض ان احقق لنفسي انجازا وانما كان حلم حياتي ان اقنع ابي بإني صرت رجلا يحق له ان يعتمد عليه ويتباهى به ، حين اسست لنفسي نشاطا مستقلاً - خاصة وانا الابن الاكبر لإبي من الزوجة الثانية - لم يكن من اجلي وانما من اجله وحين توسع نشاط شركتي كان كل مايهمني هو ان يبتهج ابي ، حتى وانا اشتري بيتا وارضا وعقارا كنت اشترى كل شي من اجل ان يسعد قلبه ، اتذكر عندما اشتريت اول بيت لي لمست قدر الاعتزاز والفخر لدى ابي ، كانت فرحته غامرة وظاهرة عليه وحين اكملت تشطيب البيت ذهب ابي الى سوق المواشي واشترى بنفسه العقيقة ووقف مع الجزار واشرف على اربع ذبائح ثم وضع ذبيحة في كل ركن من اركان البيت ، كان ابي يتمنى وانا احقق امانيه ، لم انظر يوما الى امكاناتي وقدراتي بل الى حجم مايتمنى ابي فأبذل قصارى جهدي لان تتحقق امانيه ، كان يقول لي وانا في بداية حياتي احرص على ان تكون لك سمعة طيبة بين الناس ويضيف اريدك ان تصبح رجل خير تنفق وتعطي بلاحدود وان تكون علاقاتك التجارية مع التجار والشركات مبنية على الثقة المتبادلة فإنها رأس مالك الحقيقي ، لن انسى في السياق السعادة التي غمرته يوم علم بصداقتي مع الاخ والصديق القدوة شوقي احمد هائل ، كان سعيد للغاية .